المغاربة ضحايا بوليساريو يقررون ملاحقة الجزائر وقادة الجبهة أمام القضاء الدولي

رئيس دولة الجزائر عبد المجيد تبون يستقبل زعيم انفصاليي بوليساريو إبراهيم غالي، يوم 31 أكتوبر 2024، بمطار الهواري بومدين

في 15/08/2025 على الساعة 18:45

فيديو أعلنت جمعية «العودة لضحايا سجون ومعتقلات البوليساريو»، التي تضم عشرات الناجين من جحيم الاعتقال في مخيمات تندوف، عن شروع أعضائها في مقاضاة السلطات الجزائرية وقيادات جبهة البوليساريو أمام المحاكم الدولية المختصة، بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وجاء هذا الإعلان في سياق مساعٍ يقودها رئيس الجمعية محمد مولود شويعر، أحد أقدم الضحايا، الذي أكد أن المعركة القانونية تهدف إلى فضح الممارسات القمعية التي مورست لعقود على التراب الجزائري، وإيصال صوت الضحايا إلى العالم لطلب العدالة.

في أحد أحياء مدينة طانطان، جلس محمد مولود شويعر، رجل في الستينيات من عمره، يتحدث بصوت هادئ يخفي وراءه بحرا من الألم. بملامح أنهكها الزمن، وروح مثقلة بذكريات الرعب، روى أحد أقدم الناجين من سجون البوليساريو قصة اختطافه عام 1975، وهو لم يتجاوز السادسة عشرة، وسنوات الجحيم التي عاشها حتى عام 1991 داخل معتقلات سرية على التراب الجزائري.

اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود على خروجه إلى الحرية، يعلن شويعر، رئيس جمعية العودة لضحايا سجون ومعتقلات البوليساريو، عن إطلاق معركة قضائية دولية تستهدف قادة الجبهة والسلطات الجزائرية أمام المحاكم المختصة، متهما إياهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني.

سنوات الرعب

بدأت قصة شويعر حين تم توقيفه ضمن أول مجموعة من 54 شخصا، جميعهم من أبناء قبائل صحراوية مغربية رفضت الانضمام إلى المشروع الانفصالي.

«لم يكن هناك تحقيق أو محاكمة، فقط قرار بالاختفاء القسري»، يقول شويعر، واصفا في شهادته المؤلمة، مخيمات تندوف بـ«جهنم فوق الأرض».

ففي معتقلات «الرشيد» و«الدهيبية» و«لحفر»، عاش المعتقلون تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي، والتجويع، والعمل القسري، والحرمان من النوم، حتى أصبح الموت مشهدا يوميا مألوفا، إذ تحوّلت السجون السرية للجبهة إلى مسالخ بشرية ارتُكبت فيها جرائم ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية.

«كانت أيامنا كأنها مشاهد من فيلم رعب، لكنها كانت واقعا نعيشه»، يقول شويعر، الذي شهد قتل أطفال أمام ذويهم، وحرقهم أحياء، وإطلاق النار عليهم بدم بارد.

فظائع لا تمحى من الذاكرة

من أكثر الجرائم التي لا تزال محفورة في ذاكرة الناجي مشهد دفن معتقلين أحياء بعد تقييدهم، واستمرار صرخاتهم حتى غمرهم التراب، وسط اتهامات مختلقة بالتجسس لصالح المغرب.

كما يستحضر بحزن يوم 16 غشت 1977، حين أُعدم تسعة من رفاقه رميا بالرصاص، لمجرد رفضهم الانخراط في صفوف الجبهة المسلحة.

وفي مشهد آخر لا يقل فظاعة، تحدث عن رجل عُلّق من جهازه التناسلي إلى سقف زنزانة، بينما الدماء تنهمر من جسده من شدة التعذيب.

معركة قضائية دولية

من أجل فضح الانتهاكات التي تقترفها جبهة انفصالية تدعي تمثيل حقوق الإنسان في المخيمات، أسس شويعر إلى جانب عشرات الضحايا الهاربين من جحيم بوليساريو، جمعية «العودة لضحايا سجون ومعتقلات البوليساريو»، وشرعوا فعلا في خطوات عملية بدأت بالتعاون مع محامين دوليين ومنظمات حقوقية، بهدف جرّ قادة البوليساريو ومسؤولين جزائريين إلى المحاكم الدولية المختصة، استنادا إلى اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

«لن نصمت، ولن ننسى، وسنلاحقهم حتى تتحقق العدالة»، يقول شويعر بحزم، مؤكدا أن جراح الماضي ما زالت تنزف، وأن محاسبة الجناة هي الطريق الوحيد لإنصاف الضحايا ومنع تكرار المأساة.

ورطة النظام الجزائري

شدد شويعر على أن المسؤولية القانونية والأخلاقية لا تقع على البوليساريو وحدها، بل تطال الجزائر باعتبارها الدولة الحاضنة والداعمة لميليشيات الجبهة، مشيرا إلى أن «البوليساريو ليست سوى أداة بيد النظام الجزائري، الذي يعادي المغرب ويسعى إلى تقويض استقراره على حساب آلام الضحايا».

إصرار رغم الصعوبات

بصفته رئيسا لجمعية العودة، يكابد شويعر بالغالي والنفيس الصعوبات المادية التي يفرضها مسار الترافع الدولي، لكنه يصر على المضي قدما رغم المشاق التي تواجهه.

يلتف حوله في الجمعية عشرات الضحايا والناجين الذين لا دخل قار لهم، وهو يعتبر نفسه صوتهم الأمين، يسعى إلى حمل معاناتهم إلى المنابر الدولية وفضح الانتهاكات التي ترتكبها جبهة انفصالية تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، بينما تمارس أفظع أشكال القمع والتعذيب.

ملف مفتوح على المستقبل

رغم مرور عقود، ما زال مصير كثير من المعتقلين مجهولا، وما تزال قبور بعض الضحايا بلا شواهد.

في مواجهة النسيان، يصرّ الناجون على أن صوتهم سيصل إلى المحاكم الدولية، وأن ذاكرة الجحيم ستتحول إلى وثيقة إدانة ضد من أمروا ونفذوا وغطّوا على تلك الجرائم.

تحرير من طرف ميلود الشلح و حمدي يارى
في 15/08/2025 على الساعة 18:45