كان من المفترض أن يغطي المؤتمر الصحفي عن هذيان رئيس الدولة والذي استمر لمدة ساعة ونصف. لم يتحقق هذا الأمر، بل إن « الأداء » قدم دليلا جديدا للمأزق الذي يوجد فيه النظام الجزائري. كان هذا هو حال في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف يوم الاثنين الماضي 30 دجنبر. عندما لا يزعج بثرثرته أو يتعب بكلامه الفارغ والخالي من أي محتوى، فإن المسؤول الجزائري أغضب الكثيرين بتصريحاته. وكان هذا هو الحال بالفعل مع مالي. ويبدو أنه في كل مرة تعمد فيها الدبلوماسية الجزائرية باتخاذ موقف صريح، فإنها تمتلك موهبة كبيرة في إغضاب الآخرين.
لقد طلبت السلطات المالية رسميا، في عدة مناسبات وبكل الطرق الممكنة، عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلدها، ويبدو أن النظام الجزائري لا يستوعب حقا هذا الأمر. والسبب أنه، أثناء خرجته الإعلامية المؤسفة، وجد وزير الخارجية الجزائري نفسه يغرد خارج السياق. وجدد أحمد عطاف تأكيد موقف بلاده الداعم للحل السياسي في مالي، رافضا « الخيار العسكري » الذي يعتبره محكوما عليه بالفشل. وأكد أن « الحل العسكري مستحيل في منطقة الساحل والصحراء، وخاصة في مالي، لأنه تمت تجربته ثلاث مرات في الماضي وفشل ».
🇲🇱🫡MAE algérien #Ahmed_Attaf 🇩🇿: «C'est ce que nous avons dit aux amis russes🇷🇺»
— IC Geopolitics (@ICGeopolitics) December 30, 2024
ALGER VOULAIT CONVAINCRE MOSCOU DE DIVISER LE MALI
ALGER n'autorisera pas pas la transformation 🤡des mouvements qui étaient signataires de l'accord de paix d'Alger au Mali en groupes terroristes. pic.twitter.com/Rl2UfEKr0s
بالنسبة لكابرانات الجزائر، فإن الوساطة فقط في إطار اتفاقيات الجزائر هي التي تشكل حلا قابلا للتطبيق. وأكد أيضا أن « الجزائر لن تقبل أن يتم تقديم الحركات السياسية (الانفصالية)، الموقعة على اتفاقات الجزائر، على أنها إرهابية...هذه الجماعات هي التي ستتفاوض معها مالي في المستقبل. إن استئناف المفاوضات والوساطة الجزائرية أمران لا مفر منها ».
« دهشة عميق »
وإذا كانت الجزائر تتصرف على هذا النحو، فذلك لأن « الحل العسكري » ليس سوى عمليات تنفذها الحكومة الانتقالية المالية ضد الجماعات المسلحة التي تحركها الجزائر. ويرجع ذلك أيضا إلى أن السلطة القائمة في مالي قررت، في يناير 2024، « الإنهاء الفوري » لاتفاق الجزائر الموقع في عام 2015 والذي يعتبر في حالة احتضار منذ استئناف الأعمال العدائية في عام 2023 ضد الدولة المركزية والجيش المالي من قبل الجماعات المسلحة خاصة الطوارق في الشمال. واندلع تمرد منذ ذلك الحين من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة المدعومة، وفقا لباماكو، من قبل النظام الجزائري.
لكن ما الذي أصاب النظام الجزائري؟ لن نعرف شيئا سوى أن هذا الاستفزاز الجزائري الجديد ضد مالي لم يبق دون رد. ففي بيان صحفي صدر يوم الأربعاء فاتح يناير، أعربت وزارة الخارجية المالية عن « دهشتها العميقة » لتصريحات عطاف « التي علق فيها مرة أخرى على استراتيجية مالي لمكافحة الإرهاب ».
وبالنسبة للدبلوماسية المالية، فإن هذا الموقف يؤكد « تقارب الجزائر وتواطؤها مع الجماعات الإرهابية التي تزعزع استقرار مالي والتي تقدم لها المأوى وتوفر لها الغطاء، مع التحكم في أعمالها الإجرامية ضد السكان المدنيين الماليين ومنطقة الساحل ». وهو الموقف نفسه الذي سبق أن أعربت عنه باماكو في بيان صحفي صادر بتاريخ 25 يناير 2024.
وترى مالي في تصريح أحمد عطاف فشلا للضغوط التي تمارسها الجزائر على الجماعات الإرهابية التي تدعمها، وهو فشل « يصعب أن يستسيغه بعض المسؤولين الجزائريين الذين يحنون لماض غابر ».
تدخلات مستمرة
وأعربت الحكومة الانتقالية المالية مجددا عن قلقها وإدانتها « بأشد العبارات » لما تصفه بالإصرار الجزائري على مواصلة التدخلات في الشؤون الداخلية لجمهورية مالي، تدخلات « مطبوعة بالأبوية والاستعلاء والازدراء ». وأكدت أن الخيارات الاستراتيجية لمحاربة الجماعات الإرهابية المسلحة، المدعومة من الدول الأجنبية، تدخل حصرا ضمن سيادة مالي واختيارات كنفدرالية دول الساحل. وفي هذا الصدد، فإن « مالي لا تطلب ولا تأخذ دروسا من الجزائر التي قادت، في الماضي القريب، في إطار سيادتها، حربها ضد الإرهاب ».
Communiqué du Ministère des Affaires étrangères et de la Coopération internationale de la République du Mali dénonçant la persistance de certaines Autorités algériennes à poursuivre des actes d’ingérence dans les affaires intérieures du Mali.
— Ministère des Affaires étrangères du Mali (@MaliMaeci) January 1, 2025
Bureau de l’Information et de la… pic.twitter.com/J7jkJ4xrmb
لذا فإن النظام الجزائري مدعو أيضا بتركيز جهوده على حل أزماته وتناقضاته الداخلية، بما في ذلك قضية منطقة القبائل، والتوقف عن استخدام مالي كأداة من أجل التموقع على المستوى الدولي. وجاء في بيان السلطات المالية أنه « وبالنظر إلى التعاطف السافر الذي تبديه السلطات الجزائرية تجاه الجماعات الإرهابية الناشطة في مالي ومنطقة الساحل، فإن الوزارة تجدد التأكيد على معارضة مالي الصارمة لأي شكل من أشكال التدخل الجزائري في شؤونها الداخلية ». »
« تهريج دبلوماسي »
وهذه ليست المرة الأولى التي نسمع فيها مثل هذا الرد القاسي من باماكو. ففي شتنبر الماضي، رد سفير الجزائر لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، الذي اعتبر أن مالي هي الحديقة الخلفية لبلاده، على عملية قام بها الجيش المالي، بدعم من عناصر من المجموعة شبه العسكرية الروسية، « الفيلق الأفريقي »، ضد الجماعات المسلحة في أقصى البلاد. شمال مالي. واشتكى الدبلوماسي الجزائري بعد ذلك من « خطورة التكنولوجيا » التي يستخدمها الجيش المالي (الطائرات بدون طيار)، وأيضا من « الجيوش الخاصة التي تستعين بها بعض الدول دون محاسبة ».
لم يتأخر الرد المالي على التدخل الجزائري في شؤونها الداخلية. ورد عيسى كونفورو، السفير الممثل الدائم لمالي لدى الأمم المتحدة، باتهام الجزائر بـ »دعم الجماعات الإرهابية والدعاية لها ». ووفقا له، فإن الجزائر هي التي توفر الخدمات اللوجستية العسكرية وتسمح للخبراء العسكريين الأوكرانيين بالإشراف على تأطير مجموعات الطوارق المتمردة وتدريبها.
مرت عدة أشهر دون أن تسير الأمور على ما يرام بين الجزائر ومالي، في أعقاب إلغاء السلطات المالية بشكل نهائي لاتفاق الجزائر لعام 2015. وقد تبين أن هذا الاتفاق، الذي كان من المفترض أن يستعيد السلام بين الحكومة المركزية في باماكو ومتمردي الطوارق، والذي لم تتحقق أهدافه أبدا، (تبين) هو أداة للتدخل الجزائري في الشؤون الداخلية لمالي. وأدى إلغاؤه إلى إثارة أزمة مفتوحة بين البلدين الجارين، تفاقمت بسبب سلسلة الأعمال غير الودية للنظام الجزائري ضد السلطة المالية.
وقعت الحلقة الأكثر إثارة من التوتر الجزائري المالي في 28 شتنبر الماضي، خلال الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن أعلى منصة الأمم المتحدة، اتهم نائب رئيس الوزراء ووزير الدولة المالي عبد الله مايغا الجزائر بأنها بمثابة قاعدة خلفية للإرهابيين الذين يهاجمون بلاده. وللتعليق على إنكار النظام الجزائري لهذه الحقيقة، لم يتردد عبد الله مايغا في وصف أحمد عطاف وعمار بن جامع بأنهما « مهرجان دبلوماسيان ». مقطع: