احتضنت الجزائر يوم السبت 23 نونبر 2024 ما أطلقت عليه « يوم الريف »، في مؤتمر تحت شعار: « جمهورية الريف وحق استعادة الاستقلال ». حرص النظام كعادته على تضخيم الموضوع وجعله حدثا مهما يستوجب من كافة أبواق الدعاية تغطيته. ولإعطاء هذا الحدث بعدا دوليا، تمت الإشارة إلى حضور «شخصيات سياسية». من؟ شخصيات « نكرة » من دول داعمة تقليديا لجبهة البوليساريو مثل جنوب إفريقيا وموزمبيق، إلى جانب انفصاليين من جبهة البوليساريو، وطبعا، بحضور الممولين الرسميين من النظام الجزائري.
وتمثل هذه الخطوة امتدادا لسياسة الاستفزاز التي ينتهجها النظام الجزائري ضد المغرب، والتي تتسم بتوظيف أدوات انفصالية لإضعاف الوحدة الترابية للمملكة. فبعد أن أصبحت أطروحة البوليساريو تعاني من عزلة دبلوماسية دولية مع تزايد الاعتراف بمغربية الصحراء، يبدو أن الجزائر تسعى بوضوح لاستنساخ سيناريو البوليساريو بوجه جديد.
ويرى مراقبون أن هذا التحرك يعكس إفلاس الخيارات الاستراتيجية للنظام الجزائري، الذي بات يبحث عن أي وسيلة لإطالة أمد النزاع مع المغرب. وبدلا من مواجهة أزماته الداخلية، يسعى النظام العسكري الدكتاتوري إلى تصدير أزمته عبر خلق مزيد من التوترات الإقليمية.
مرتزقة بلا قاعدة
في كلمته خلال المؤتمر، أطلق الرئيس المزعوم لما يسمى بـ«الحزب القومي الريفي»، المدعو يوبا الغديوي، العنان لكثير من الأكاذيب والترهات، محاولا إعادة كتابة التاريخ من خلال خطاب عدائي ضد المغرب، متهما المملكة بـ«إبادة ممنهجة» لسكان الريف ومطالبا باعتبار منطقة الريف «آخر مستعمرة في إفريقيا».
ولم يكتف الغديوي بذلك، بل دعا إلى التنسيق مع البوليساريو لـ«مواجهة الاحتلال المغربي»، في خطاب يعكس التصعيد المفتعل الذي يغذيه النظام الجزائري.
والغديوي ليس سوى واجهة لمشروع جزائري أوسع يستهدف خلق بؤرة توتر، في شمال المغرب هذه المرة.
إقرأ أيضا : عندما يدعم النظام الجزائري مشروع «جمهورية الريف» الوهمي
حزب للابتزاز السياسي
الحزب الذي أُسس في بروكسيل في شتنبر 2023، هو كيان هزيل من حيث التنظيم والدعم الشعبي، إذ يعتمد على شخصيات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.
لم تقتصر الجهود الجزائرية على الاحتضان وتوفير الدعم المالي والسياسي والإعلامي للحزب القومي الريفي، بل سخرت أيضا أموالا طائلة لتجنيد حفنة من الانفصاليين من أصول ريفية، الذين يعيشون بين بلجيكا وهولندا، ومعظمهم لهم صلات بشبكات تهريب المخدرات، وعلى رأسهم يوبا الغديوي، الشخصية المثيرة للجدل التي تحولت من معاداة النظام الجزائري إلى الدفاع عنه، مستغلا دعمه لتحقيق طموحات شخصية ضيقة.
يوبا الغديوي، الذي لطالما هاجم نظام الجزائر واعتبره عدوا للأمازيغ في شمال إفريقيا وللقبائل، انقلب بين عشية وضحاها فأصبح فجأة يهلل ويطبل باسم تبون وشنقريحة، لكن بعض الذين يعرفون هذا المرتزق جيدا لم يفاجئهم انتقاله من ألمانيا للاستقرار بالجزائر العاصمة، الذي ليس وراءه سوى 3 آلاف يورو شهرية يتلقاها من الكابرانات...
وبالرغم من ضخامة الحملات الدعائية، يفتقر هذا « الحزب » إلى أي دعم شعبي حقيقي في منطقة الريف المغربية، التي ترفض محاولات استغلال تاريخها النضالي لتبرير أجندات مشبوهة.
أزمة هوية وأوهام سياسية
السلوك الجزائري الجديد يعكس أزمة داخلية عميقة تعيشها السلطة الحاكمة في ظل الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية المتزايدة. فبدلا من التركيز على بناء شراكات حقيقية مع جيرانها، تستمر الجزائر في استنزاف مواردها في معارك خاسرة، يقودها وهم القدرة على تقسيم المغرب.
إن محاولات النظام الجزائري لاختلاق « جمهورية الريف » تبرز كفصل جديد في سلسلة من التحركات اليائسة التي تهدف إلى إضعاف المغرب. ومع ذلك، فإن هذه المحاولات تصطدم بصخرة الوعي الوطني المغربي والدعم الدولي المتزايد لوحدته الترابية. وما بين الأوهام التي تتبناها الجزائر والحقائق التاريخية والجغرافية الراسخة، يبقى المغرب صامدا أمام كل محاولات التشتيت والتقسيم.