«من هو هذا الملك الذي يقال عنه بأنه كتوم؟ وكيف فرض رؤيته ومشاريعه بشكل متدرج؟ في عهده، أصبح المغرب قوة سياسية واقتصادية إفريقية. كيف تمكن من تغيير بلاده؟»، يتساءل الصحفيان في مقدمة هذا الفيلم الوثائقي، المتكون من عدة فصول، والذي يحلل أيضا العلاقات الفرنسية-المغربية خاصة بعد الاعتراف بمغربية الصحراء من قبل فرنسا يوم 30 يوليوز الماضي.
🎥🎞️ A 21h, le #documentaire 👉 Le parcours d'un roi - Le Maroc de Mohammed VI
— Public Sénat (@publicsenat) October 12, 2024
En 2024, Mohamed VI fête les 25 ans d'un règne qui a vu le Maroc devenir une puissance politique et économique. Comment a-t-il fait pour transformer ainsi son pays ? Réalisé par @DarmonMichael @YDerai pic.twitter.com/yjeKnTRYeh
في هذا الفيلم، الذي يقدم رواية موضوعية، تتحدث شخصيات مغربية وفرنسية لأول مرة عن «هذا الملك الكتوم للغاية بشأن نفسه، ولكنه حاضر بقوة على الساحة الدولية». طوال هذا الفيلم الوثائقي، وجهت أسئلة الصحفيين إلى الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، وفرانسوا سودان، مدير نشر مجلة «جون أفريك»، وجيرار لارشر، رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، والسيناتور الفرنسي روجر كاروتشي. ومن الجانب المغربي، تحدث من بين أسماء أخرى كل من محمد بنشعبون، المدير العام لصندوق محمد السادس للاستثمار، وأسماء لمرابط، الكاتبة والباحثة البارزة في مسألة المرأة في الإسلام، ونادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، وأحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، وكذا عادل الفقير، المدير العام للمكتب الوطني للمطارات.
ملك جديد، أسلوب جديد
ينقل الفيلم الوثائقي المشاهدين إلى قلب أقدم نظام ملكي في العالم، بادئا بوفاة الملك الحسن الثاني وصعود ابنه إلى العرش عام 1999، مع فصل أول يقارب اختلاف أسلوب محمد السادس عن أسلوب والده في الحكم. من خلال صور أرشيفية تروي جزءً من طفولة الأمير الشاب، حتى السنوات الأولى من حكمه، يركز الفيلم الوثائقي على طريقة حكم الملك الذي وصف بـ«ملك الشباب»، في قطيعة ملحوظة مع بعض قواعد البروتوكول التقليدي للملكية ومع أسلوب والده في التواصل، من خلال اختيار أن يكون أكثر تكتما ومن خلال تفضيله الفعل والحضور الميداني على الحوارات والخطب.
ويتميز العاهل أيضا بسياسة التأثير التي ينتهجها، خاصة من خلال الرياضة والثقافة والسياحة، والتي تساهم في القوة الناعمة التي يعتمد عليها العاهل لضمان إشعاع بلاده. ومثل تواجد المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022 ذروة هذا النهج لعدة أسابيع، مساهما في إشعاع المغرب وثقافته من خلال انتصارات أسود الأطلس، أول منتخب إفريقي يصل إلى نصف نهائي كأس العالم.
مفاتيح لجعل المغرب قوة قارية
مع الملك محمد السادس، «أصبح المغرب قوة إفريقية»، يؤكد الفيلم الوثائقي، الذي يبرز الطريقة التي اتبعها العاهل المغربي «لتغيير بلاده بهذه السرعة». يوصف الملك بأنه «ربان الاقتصاد»، إذ «قاد التحول الذي شهدته بلاده بحزم» مما ساهم في نيلها المركز الخامس على مستوى القارة الإفريقية بناتج داخلي خام يتجاوز 140 مليار دولار، وأدى، على مدى العقدين الماضيين، إلى التحول الهائل في بنيته التحتية، مثل ميناء طنجة-المتوسط، أحد أكبر عشرة موانئ في العالم، والشبكة الطرقية والسكك الحديدية والجوية، ومكانة المغرب بين رواد الطاقات المتجددة في العالم.
ويبدو أن «الاقتصاد أولا» هو شعار الملك الذي ينوي «خلق الظروف المثالية لتحسين مناخ الأعمال». وذكّر شكيب العلج، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، في هذا الصدد، باتفاقيات التجارة الحرة مع حوالي خمسين دولة، والتي تجعل من المغرب منصة استثنائية. ومن أجل تحقيق استراتيجيته، «يولي الملك الأولوية للأسواق الإفريقية الجديدة، وهو أمر طبيعي بالنسبة له لأنه، على عكس والده المتشبع بالثقافة الأوروبية، فإنه يشعر بالارتياح داخل جذوره الإفريقية». وفي هذا الخضم، قرر الملك عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي التي كان والده قد اختار الخروج منها قبل أكثر من 30 سنة. وفي خطاب ألقاه بمناسبة هذه العودة، قال الملك محمد السادس: «لقد حان موعد العودة إلى البيت: ففي الوقت الذي تعتبر فيه المملكة المغربية من بين البلدان الإفريقية الأكثر تقدما، وتتطلع فيه معظم الدول الأعضاء إلى رجوعنا، اخترنا العودة للقاء أسرتنا. فإفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي. لقد عدت أخيرا إلى بيتي. وكم أنا سعيد بلقائكم من جديد».
«العودة إلى البيت تعني أننا (…) نريد تنمية بلادنا، لكننا لا نستطيع تحقيق ذلك بمفردنا دون الاندماج الجهوي ودون تنمية القارة بأكملها. لقد عاد المغرب كأخ، ولكن أيضا كقوة اقتراحية»، تشرح نادية فتاح. وهكذا، ولمواكبة هذه السياسة، أطلق الملك محمد السادس قوافل كبيرة، كما أكد الفيلم الوثائقي، مذكرا أنه خلال مهمات استمرت من عدة أيام إلى عدة أسابيع في إفريقيا، كان الملك محمد السادس مصحوبا عن كثب بـ200 شخص، بما في ذلك جزء من بلاطه، ووزراء وكبار رجال الأعمال لإبرام الشراكات والاتفاقيات مع الدول الإفريقية... «هذه هي الطريقة التي ستؤدي إلى تحقيق دينامية حقيقية».
كما أن هذه الطفرة الاقتصادية تجلت في أول سيارة مغربية تسمى «Neo»، فضلا عن نموذج أولي للسيارة الكهربائية «Namx»، التي أصبحت أيضا شعارا للسياسة الملكية في مجال الطاقة المتجددة. وهكذا، تم التأكيد على أنه «قبل وقت طويل من بعض الدول الغربية، استوعب المغرب الرهانات الكبرى» المتعلقة بالبيئة. وفي ما يتعلق باستراتيجية الطاقة، «كان المغرب، تحت قيادة جلالة الملك، رائدا منذ سنة 2009 بإطلاق أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم آنذاك بورزازات. وتطمح هذه الاستراتيجية إلى رفع حصة الطاقات المتجددة إلى 52% سنة 2030، علما أنها تبلغ حاليا 38%»، يوضح محمد بنشعبون.
وتوجت هذه السياسة بعد شهر من وقوع الزلزال بتنظيم مراكش، اعتبارا من 9 أكتوبر 2023، الاجتماعات العامة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بحضور جميع الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي.
التقدم المجتمعي في ظل «إسلام وسطي»
يحتل التقدم المجتمعي جزء هاما جدا من عهد الملك محمد السادس. وقد أبرز الفيلم الوثائقي هذا الجانب من خلال تسليط على التقدم المحرز في مجال حقوق المرأة، بفضل إصلاح مدونة الأسرة سنة 2004، أحد الإصلاحات الكبرى في عهد محمد السادس. كما أن الدستور الجديد لسنة 2011، الذي تم تبنيه في خضم حركة «20 فبراير»، وانتصار حزب العدالة والتنمية عبر صناديق الاقتراع، يكشفون أيضا على الاهتمام الخاص الذي يوليه جلالة الملك لنبض الشعب. هناك الكثير من الإصلاحات المجتمعية التي لا يمكن فصلها عن المسألة الدينية. بصفته سليل النبي، فإن الملك هو «أمير المؤمنين»، وهو لقب يعكس جزءً هاما من الهوية الدينية للمغرب من حيث أنها تشمل المغاربة من جميع الأديان وتجسد العيش المشترك. تعايش يميز المغرب، لكنه يواجه أحيانا شبح الإرهاب الذي أصبحت محاربته تحديا كبيرا. «على الرغم من العقبات التي تضعها القوى المحافظة، قرر محمد السادس تبني قضية المرأة في مجتمع مغربي يتسم بقوة بالسلطة الذكورية. في عالم عربي وإسلامي يتسم بالتطرف، يجسد الملك «الإسلام الوسطي» الذي ينشد الانخراط في عصره»، يؤكد معدو هذا الفيلم الوثائقي.