التقى القادة الثلاثة الذين يتقاسمون السلطة مؤقتا في ليبيا، وهم محمد يونس المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي، وعقيلة صالح عيسى رئيس مجلس نواب طبرق (شرق ليبيا)، ومحمد تكالا رئيس المجلس الأعلى للدولة والذي يوجد مقره في طرابلس في القاهرة يوم 10 مارس الجاري في مقر الجامعة العربية بمبادرة من المغرب ومصر وفرنسا. وركزت مناقشاتهم بشكل أساسي على ضرورة إزالة التفاصيل الأخيرة التي لا تزال تعرقل تنظيم الانتخابات العامة في ليبيا وتشكيل حكومة جديدة لإدارة هذه المرحلة الحاسمة للبلاد.
وبحسب بيان للجامعة العربية، نشر عقب هذا الاجتماع، فإن « القادة الثلاثة اتفقوا على تشكيل لجنة فنية للنظر في التعديلات المناسبة لتوسيع قاعدة التوافق والقبول وحسم الأمور العالقة حيال النقاط الخلافية (…) إضافة إلى ضرورة تشكيل حكومة وحدة مهمتها الإشراف على العملية الانتخابية ». كما دعا القادة الليبيون الثلاثة الأمم المتحدة والدول الراعية للمفاوضات الليبية، بما فيها المغرب، إلى مواصلة « دعم هذا التوافق لضمان نجاحه »، من أجل تجنب تكرار فشل حكومة الوحدة الوطنية الحالية لتنظيم الانتخابات.
التوصل إلى توافق ليبي
ومن المقرر عقد اجتماع جديد، لم يتم تحديد مكانه بعد، بين القادة الليبيين بعد عيد الفطر مباشرة، تحت رعاية المغرب ومصر وفرنسا. وكتب موقع « Africa Intelligence » في مقال نشر يوم الاثنين 18 مارس 2024 أن « المبعوث الخاص للإليزي إلى ليبيا بول سولير ورئيس الدبلوماسية المصرية سامح شكري ونظيره المغربي ناصر بوريطة يعملون جاهدين من أجل التوصل توافق (ليبي) لضمان تشكيل هذه الحكومة الموحدة الجديدة. وكان من المفترض أن تنظم حكومة الوحدة الوطنية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في دجنبر 2021. لكن تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى ».
يشار إلى أن المغرب، الذي استضاف العديد من الاجتماعات الليبية في الرباط والصخيرات في السنوات الأخيرة، استضاف بشكل خاص، في ماي 2023 ببوزنيقة، اجتماعات لجنة « 6+6″ الليبية (6أعضاء من مجلس النواب الليبي و 6 أعضاء من المجلس الأعلى للدولة أو البرلمان الاستشاري)، وهي الاجتماعات التي تمخض عنها اتفاق كامل حول كيفية انتخاب رئيس الدولة وأعضاء البرلمان في ليبيا.
ولا يزال اتفاق بوزنيقة يصطدم بعدة تفاصيل صغيرة يمكن حلها من خلال إدخال بعض التعديلات. وبالتالي فإن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة لليبيا فيما يخص « نجاح تشكيل سلطة تنفيذية موحدة جديدة، بدعم من فرنسا والمغرب ومصر »، بحسب موقع « Africa Intelligence ».
المغرب: دور مركزي في الوساطة
ويتسم دور المغرب في هذه المفاوضات بأهمية بالغة، حيث تمكنت المملكة حتى الآن من الحفاظ على مسافة واحدة من حكومة الوحدة الوطنية المتمركزة في طرابلس، والتي تعترف بها مثل المجتمع الدولي، وحكومة الجنرال خليفة حفتر، المتمركز في بنغازي، وذلك على عكس فرنسا ومصر، اللتين تدعمان عمليا أو علنا خليفة حفتر.
ومن الواضح أن هذا الدور المركزي الذي يلعبه المغرب في الوساطة في ليبيا أثار غيظ النظام الجزائري، الذي تؤدي توتراته الدائمة على الحدود الجزائرية الليبية مع قوات الجنرال حفتر إلى فقدانه للمصداقية وبالتالي حرمانه نهائيا من لعب أي دور في الأزمة الليبية. إن المناورة الجزائرية الأخيرة الرامية إلى إنشاء تكتل مغاربي مصغر يضم تونس وجزء من ليبيا، هي جزء من محاولة يائسة لإقصاء المغرب وفرض نفسه للوساطة في ليبيا من خلال تكتل ولد ميتا. فقد استغل الرئيس الجزائري بشكل بئيس وجود أربعة رؤساء دول مغاربية في قمة الدول المصدرة للغاز، التي نظمت في الجزائر العاصمة يومي فاتح وثاني مارس، في محاولة لإنشاء تجمع مغاربي جديد بدون المغرب.
وفي الأخير، بعد رفض موريتانيا تأييد مناورة تشكيل تكتل مغاربي بدون المغرب، تم تنظيم اجتماع ثلاثي يوم 3 مارس بالجزائر العاصمة بين عبد المجيد تبون والرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي. وحتى لو قرر هذا الثلاثي عقد اجتماع آخر في تونس الشهر المقبل، فإن هذا التكتل محكوم عليه أن يظل حبرا على ورق.
ومن خلال هذه المناورة الجديدة، تواصل الدبلوماسية الجزائرية الانحدار إلى الحضيض، والذي تسارعت وتيرته مؤخرا بسبب أكاذيبها وتدخلاتها السافرة التي تسببت لها في أزمات مفتوحة مع جيرانها في منطقة الساحل. ففي بداية أكتوبر الماضي، أهان رئيس وزراء النيجر، علي محمد الأمين زين، النظام الجزائري أمام العالم من خلال إنكاره أن بلاده قبلت يوما أي وساطة جزائرية بينها وبين المجموعة الاقتصادية لدول الغرب الإفريقية (سيدياو)، التي ترفض الاعتراف بالسلطة الجديدة الناتجة عن الانقلاب العسكري في 23 يوليو 2023 في نيامي.
والأسوأ من ذلك أن رئيس حكومة النيجر أكد أنه علم بالوساطة الجزائرية المزعومة على شبكات التواصل الاجتماعي، وبالتالي يتهم الجزائر بالكذب، وهو ما دفع أحمد عطاف وزير الخارجية الجزائري إلى المسارعة في إصدار بيان صحفي يحاول فيه إنقاذ ماء الوجه بالتأكيد على أن الجزائر « تعلق وساطتها » الوهمية بين النيجر وسيدياو.
النيجر ومالي والآن ليبيا
وفي دجنبر، ظهر تبون علنا مع قادة الجماعات المسلحة والمعارضين للحكومة المالية، واستقبلهم بحفاوة في قصر المرادية، مما أدى إلى قطيعة في العلاقات مع مالي التي قامت سلطاتها بالرد باستدعاء السفير الجزائري بباماكو، قبل إلغاء اتفاق الجزائر 2015 الذي لم يكن سوى أداة للتدخل الجزائري في الشؤون الداخلية لمالي.
واليوم، يجد نظام الجزائر، الذي يتباهى بعودة « الجزائر الجديدة » إلى الساحة الدولية، (يجد) نفسه مستبعدا من المشاورات بين ثلاث دول ذات دبلوماسية جادة وجميع الأطراف الليبية. وتنضاف هذه الصفعة القوية إلى السجل الحافل للثنائي تبون-شنقريحة.