عندما اندلعت قضية « المالي »، في إشارة إلى الحاج أحمد بن إبراهيم، تاجر المخدرات الشهير بلقب « إسكوبار الصحراء » المسجون حاليا بالمغرب، كل الأضواء الإعلامية تركزت على سعيد الناصري. وهو أمر غير مستغرب على اعتبار أن رئيس الوداد البيضاوي، وهو شخصية عامة ومعروف في عالم كرة القدم، أصبح موضوعًا أكثر « جاذبية ».
لكن في قفص الاتهام، يبدو أننا نغض الطرف عن شخصية لا تقل أهمية ووزنا عنه، شخصية راكمت سلطة سياسية واقتصادية لسنوات عديدة. يتعلق الأمر بعبد النبي بعيوي، الرجل الذي بدأ من الصفر ثم أصبح برلمانيا ورئيس جهة، وفوق كل ذلك على رأس إمبراطورية حقيقية رائدها شركة « بعيوي للأشغال العمومية »، التي غيرت اسمها إلى « SBTX » منذ بضعة أيام فقط.
كان يا ما كان « فيلاج الطوبة البراني »
ولد عبد النبي بعيوي سنة 1971 بـ »فيلاج الطوبة البراني »، وهو حي شعبي بمدينة وجدة، لأب عامل في البناء وأم ربة بيت. في هذا الحي، الذي يسكنه بشكل رئيسي سكان فقراء، نشأ وأكمل تعليمه القصير.
وحكى لنا مصدر تقاسم معه أيام الطفولة والمراهقة قائلا: « لم يتجاوز الصف الإعدادي ولم تكن المدرسة تهمه كثيرا ». بعد المدرسة، اتبع الشاب عبد النبي، بدافع الضرورة، خطى والده (الذي توفي عندما كان هو في 16 من عمره)، وتعلم النجارة. ولكن كان له طموح أكبر.
وعلى الرغم من بحثنا وأسئلتنا الملحة، فإن مصادرنا غير قادرة على تحديد التاريخ الدقيق الذي غادر فيه عبد النبي بعيوي التراب الوطني في نهاية الثمانينات، ليقيم « بدون أوراق » في فرنسا. في أي مدينة وماذا كان يفعل؟ من المستحيل أن نعرف على وجه اليقين أيضا. لكن ما نعرفه هو أنه قضى فترة في السجن بتهمة السرقة، وهو ما جنبه عقوبة الطرد.
وبمجرد تسوية وضعيته في فرنسا، عاد إلى مسقط رأسه في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة. قوس محاط بهالة من الغموض، ولكنه تميز بإقامة جديدة في السجن لمدة عامين، وهذه المرة في إسبانيا، حيث تم القبض عليه وإدانته بتهمة الاتجار في المخدرات.
في هذه الفترة، قام بإنشاء شركة بعيوي للأشغال في وجدة. وهي شركة للأشغال العمومية أنشئت من عدم، بفضل رأس مال غامض المصدر، والتي انطلقت على الفور في بناء مساكن اجتماعية في عاصمة الجهة الشرقية وفي السعيدية.
اللقاء مع « المالي »
كما تعود اللقاءات الأولى بين عبد النبي بعيوي و« المالي » إلى نهاية العقد الأول من سنوات 2000، حيث « كان الرجلان يلتقيان في مطعم-بار بالقرب من السوق المغطى بوجدة والذي لم يكن يضمن توازنه المالي بالتأكيد من خلال تجارة النبيذ والخمر »، وفق شهادة صديق سابق للمعني للأمر.
لم يكن لدى الحاج أحمد بن إبراهيم، المولود في كيدال بمالي، والذي دخل عالم تهريب المخدرات في عام 2006، أي سبب يبرر إقامته في وجدة، سوى أصول والدته، التي هي من مواليد وجدة.
لا نعرف طبيعة علاقات العمل التي كانت تربط حينها الرجلين، ولا دورهما الدقيق، من المزود ومن الناقل، في شبكة امتدت أنشطتها، على أقل تقدير، إلى منطقة الساحل، وإلى ليبيا، وحتى مصر وأمريكا اللاتينية.
يقول أحد مصادرنا في الجهة الشرقية: « الجميع في المنطقة يعرف من كان يهرب في وجدة، وخاصة في بني درار ». مثل هذه الاتهامات الخطيرة هي الآن في أيدي القضاء، الذي يعمل على فك لغز هذه الشبكة.
تسارعت الأمور في الصيف الماضي، عندما بدأ « المالي » في تقديم معلومات قيمة إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية من داخل سجنه بالجديدة، حيث كان يقبع منذ عام 2019.
ما سبب هذا التغير المفاجئ؟ لم يستسغ الرجل أن شركاءه المفترضين السابقين يجردونه من ممتلكاته التي تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدراهم. ونعرف بقية الحكاية: يوم 21 دجنبر 2023، تم حبس عبد النبي بعيوي وسعيد الناصري و18 شخصا آخر في سجن عكاشة بناءً على أوامر قاضي التحقيق. وتجري متابعة أربعة أشخاص آخرين في حالة سراح مؤقت.
الرجل المنقذ
في الساحة السياسية المحلية بوجدة، كان عبد النبي بعيوي شخصا مجهولا تماما. لم يناضل قط في أي حزب سياسي، ولم يكن له اهتمام بالسياسة. ولكن نظرا لوضعه البارز الجديد، فقد اختاره حزب الأصالة والمعاصرة للترشح في الانتخابات التشريعية عام 2011.
ومن أجل ذلك حشد جيشا حقيقيا من المختصين في التواصل للقيام بحملته الانتخابية، وهو الذي لم يكن خطيبا مفوها ولم يكن يقدر على تركيب جملتين متماسكتين. ففي فيديو ترشحه، ألقى خطابا بصعوبة بالغة، مليئا بالوعود المعسولة، ودعا إلى « طي صفحة الفاسدين ». كل ذلك مع مزيج من الأغاني الوطنية القديمة...
وفي البرلمان، شق طريقه بدون عوائق، حيث اختار الانضمام إلى لجنة البنيات التحتية. على مر السنين، أصبح عبد النبى بعيوي يتحكم في تشكيل مجالس الجماعات الترابية وتفكيكها وفق هواه. وكانت شركة بعيوي تفوز بالصفقات الواحدة تلو الأخرى، بما في ذلك الأوراش الحكومية الكبرى مثل الطرق والسدود. وفضلا عن ذلك، وقبل أيام قليلة من اعتقاله، فازت الشركة بعقد مشروع بناء سد بوخميس بإقليم الخميسات.
في عام 2015، وصل عبد النبي بعيوي القمة في مساره السياسي، عندما تم انتخابه كرئيس للجهة الشرقية. وهو المنصب الذي سيعود إليه عام 2021... بعد أن أفلت بأعجوبة من الإدانة في محاكمة تبديد المال العام فيما يتعلق بتدبير أزمة كوفيد-19.
لكن على الرغم من مهامه العمومية المتعددة، إلا أن الرجل يهرب من الصحافة هروبه من الطاعون، وخاصة الصحفيين في الدار البيضاء والرباط. وبعد محاولات عديدة، تمكن Le360، في عام 2018، من ربط الاتصال به والحديث معه. لكن سرعان ما قرر النائب قطع الحديث بحجة وجوده... في الديار المقدسة لأداء العمرة.
ولكنه من جانب آخر يرحب عبد النبي بعيوي بالإعلام عندما يقوم بنشاط خيري، بحكم أنه يترأس عدة جمعيات أشهرها مؤسسة بسمة للأعمال الخيرية. أو حتى عندما يطلق أشغال لفك عزلة إحدى جماعات الجهة، مستغلا في ذلك تجهيزات شركته للقيام بذلك.
السقوط إلى الجحيم
لا نعرف ما إذا كانت هذه القضية الأخيرة، وهي الأكثر خطورة، ستمثل نهاية ملحمة بعيوي. والتحقيق الذي لا يزال مستمرا، سيكشف عن ذلك في الأسابيع المقبلة. يوم سابع أكتوبر 2023، قام أعضاء الشرطة الوطنية للشرطة القضائية بعملية مداهمة لمزرعة مملوكة لصهره، تقع بالجماعة القروية بني خالد، قرب بني درار. وتم حجز عدة شاحنات وأطنان من المخدرات، بالإضافة إلى مبالغ مالية كبيرة. كما تم اعتقال شقيقه عبد الرحيم بعيوي برفقة عدة أشخاص، من بينهم ثلاثة مواطنين جزائريين ورئيس سابق لجماعة عين بني مطهر.
بعد ذلك، تم الاستماع إلى عبد النبى بعيوي عدة مرات من قبل الشرطة الوطنية للشرطة القضائية في الدار البيضاء وكان يتم إطلاق سراحه في كل مرة. حتى 21 دجنبر الماضي، تاريخ اعتقاله مع 24 متهما آخرين، وهو الأمر الذي أحدث زلزالا حقيقيا في المشهد السياسي.
وعلق نائب برلماني سابق عن مدينة وجدة قائلا: « إن هذه النخبة الشهيرة هي التي باعها حزب الأصالة والمعاصرة للمغاربة في كل مكان تقريبا لضرب الأحزاب التقليدية، التي لها قواعد حقيقية. لا بد من تقديم الحساب ».
ومن المقرر أن يستمع قاضي التحقيق مرة أخرى إلى سعيد الناصري وعبد النبي بعيوي ورفاقهما المعتقلين في عكاشة اعتبارا من 25 يناير. ومن المؤكد أن تصريحاتهم ستكشف عن المزيد من المفاجآت. قضية « المالي » لم تبح بعد بكل أسرارها.