و قد أشرف الدكتور محمد بنطلحة الدكالي على تأطير هاته الأطروحة، وتمت المناقشة أمام لجنة مكونة من الأساتذة: الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال (رئيسا)، والدكتور محمد الغالي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية القاضي عياض بمراكش (عضوا)، والدكتور مولاي إبراهيم كومغار، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير (مقررا وعضوا)، والدكتور محمد العابدة، أستاذ مؤهل بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية مراكش (مقررا و عضوا) والدكتور عمر احرشان، أستاذ مؤهل بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش (مقررا وعضوا).
وبعد مناقشة الأطروحة، قررت اللجنة منح الطالب الباحث درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع التوصية بالنشر.
وتعتبر هاته الأطروحة عملا علميا يشكل إضافة علمية في دراسة النخبة السياسية الصحراوية وما تشكله اليوم من رهان حقيقي ضمن مسلسل التدبير السياسي والتنموي الذي تعرفه جهات الأقاليم الجنوبية عامة، وجهة العيون - الساقية الحمراء خاصة. وقد عرفت أطوار المناقشة نقاشا علميا مستفيضا حول محددات الإنتاج والأدوار السياسية التي تلعبها النخبة السياسية في إطار الدفاع عن مغربية الصحراء وانخراطها وراء الاستراتيجية الملكية الهادفة إلى الارتقاء التنموي بهاته الربوع الغالية وإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية ودحض مغالطات خصوم المغرب حول وحدته الترابية.
وفي كلمة للباحث المرشح لتقديم تقريره حول مشروع أطروحته، المعنونة بـ«النخبة السياسية بجهة العيون - الساقية الحمراء: محددات الإنتاج والدور السياسي»، أبرز أهمية دراسة النخبة السياسية الصحراوية المنتمية لجهة العيون - الساقية الحمراء، والتي تشكل جزءً من فسيفساء النخبة المغربية، والتي برهنت عبر التاريخ السياسي للجهة محل الدراسة عن تشبتها بمغربتيها ودفاعها بكل وسائلها من أجل تكريس ذلك الارتباط ببن مجال العيون - الساقية الحمراء والسلطة المركزية.
كما أبرز أن موضوع دراسة النخبة السياسية بجهة العيون - الساقية الحمراء له أهمية خاصة، باعتباره موضوعا مهما، ذا راهينية متجددة، زيادة على المكانة التي أصبحت تحتلها الجهة ونخبها السياسية في السنوات الأخيرة وما خص بها الاهتمام الملكي من مكانة متميزة خاصة في أفق مسار الجهوية السياسية، حيث ستكون البوابة نحو تفعيل وتنزيل هذا الورش السياسي الهام لتكون نموذجا لباقي جهات المملكة، ويسعى البحث إلى تحقيق عدد من الأهداف أهمها:
1. الكشف عن محددات 6نتاج النخبة السياسية بجهة العيون - الساقية الحمراء و الأسس التي تساهم في إفرازها و تشكيلها.
2. تحديد الأصول والخلفيات الاجتماعية والسياسية لهاته النخبة.
3. تفكيك الأدور التي تقوم بها من خلال مؤسسات الدولة الحديثة ضمن مجتمع يطبع ذهنية أفراده ومخيالهم السياسي منطق القبيلة بما يحبل به من إرث وضوابط تقليدية.
كذلك، ارتكز موضوع الدراسة على الإشكالية الرئيسية التالية:
* هل هناك محدد واحد أم هناك محددات لإنتاج النخبة السياسية وما خصائصها وأي أدوار تؤديها هاته النخبة بجهة العيون الساقية الحمراء؟
وتستحضر هذه الإشكالية المركزية تساؤلات فرعية:
* أي تأثير للبنية القبلية على إنتاج النخبة السياسية بجهة العيون - الساقية الحمراء؟ وهل دور الدولة محوري ومركزي في تشكل النخبة السياسية؟
* ما خلفيات هاته النخبة وأي تجدد تعرفه أم أن سمة الثبات والجمود هي السمة الغالبة؟ وهل تعرف صراعا وتنافسا في مجالات اشتغالها أم تعرف تجانسا وتوافقا.
* أي أدوار تلعبها النخبة السياسية في الوساطة السياسية والتمثيلية؟ وأي موقع وأدوار للنخبة السياسية في مبادرة الحكم الذاتي الذي تُعتبر أول المعنيين به؟
وفي إطار تفكيك وتحليل إشكالية الدراسة، اعتمدت هذه الأخيرة على منهج وصفي تعاضده مناهج أخرى، كالمنهج التاريخي والمنهج الإحصائي والمنهج المقارن. ولمعالجة الإشكالية المحورية للموضوع قسمت الدراسة وفق التصميم الآتي: مقدمة ثم قسمين وخاتمة عامة.
وقد تناولت الدراسة محددات إنتاج النخبة السياسية بجهة العيون - الساقية الحمراء كجزء من النخبة الصحراوية خاصة، وكطيف من أطياف فسيفساء النخبة السياسية المغربية، والتي عرفت من خلال مساراتها السياسية والمرتبطة بالتاريخ السياسي للمنطقة الصحراوية محددات وأسس ساهمت في تشكلها وبروزها كقشدة لتسيير دواليب المجتمع المحلي، حيث انتقلت من البنية القبلية التقليدية إلى محددات مؤسساتية أرستها الدولة بعد استرجاع الصحراء المغربية وعودة هذا الجزء من الأراضي المغربية الذي بتر فترة من الزمن.
وقد أحاطت الدراسة بالمقاربات النظرية لمفهوم القبيلة ثم الإحاطة بالمجتمع الصحراوي الذي تميز خلال فترة «السيبة» بسيادة النمط القبلي مما يجعله يدخل ضمن خانة المجتمعات التقليدية المسيجة بالبنية القبلية التقليدية التي أطرت ونظمت حياة الأفراد والتي حددت مرتكزات ولوج الزعامة القبلية، ليهمن «النظام الكولينالي» بعد ذلك مؤسسا نهجه على البناءات التقليدية نفسها التي تنتج الزعامات التقليدية، كمدخل عليه، لمسة متعثرة من المأسسة، من خلال إشراكها في البنيات الحديثة للدولة الإسبانية، رغم أن هاته النخبة ظلت متشبتة بمغربيتها وبولائها للسلاطين المغاربة، إذ رغم فصل الاستعمار لهذا الجزء من الدولة إلا أن الارتباط الديني الذي يرتكز على البيعة ظل مستمرا بين القبائل المغربية والسلاطين المغاربة، وهو ما ترجمته النخبة السياسية التي حاول المستعمر تدجينها بيد أنه فشل في ذلك، وباسترجاع مجال الساقية الحمراء وعودته إلى الوطن الأم وتقديم البيعة من طرف زعماء القبائل الصحراوية تم إدماج جهة العيون - الساقية الحمراء في النظام السياسي والتقطيع الإداري المغربي، وتم تبعا لذلك تأسيس شروط ومحددات إنتاج النخبة السياسية المسيرة والمدبرة لكل الشؤون المحلية والوطنية وفقا لمحددات مؤسساتية نقلت الارتباط بالهوية من القبيلة الى الارتباط بالهوية الوطنية ومؤسسات الدولة.
وقد اعتمدت الدولة، في إطار بدايات تشكيل النخبة السياسية على النخبة التقليدية، على اعتبار أنها نخبة متجذرة في المجتمع المحلي ساهمت إلى جانب البنية الإدارية في تكريس مغربية الصحراء، من خلال البيعة التي قدمها أمام الملك المغفور له الحسن الثاني المرحوم خطري ولد الجماني، وهو يمثل جيل الشيوخ أي فئة المسنين، ثم البيعة التي قدمها خليهنا ولد الرشيد وهو يمثل فئة الشباب.
وتلعب النخبة السياسية بجهة الساقية الحمراء، كجزء من النخبة السياسية المغربية داخل مجتمعها المحلي، أدوارا سياسية هامة، تتحدد بين التمثيلية والوساطة في تدبير الشأن المحلي وقنوات الربط بين السلطة السياسية والمجتمع المحلي.
و قد انكبت هاته النخبة السياسية من شيوخ تحديد الهوية وبخبة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية ثم النخبة الجهوية المنتخبة على المشاركة الفعالة في تأييد مغربية الصحراء والقطع مع ما تدعيه الجبهة الانفصالية من مغالطات، و التأكيد على الأهمية الكبيرة لمقترح مبادرة الحكم الذاتي، مستحضرة في مرجعياتها الخطب الملكية ومسار النزاع المفتعل في الصحراء المغربية.
و من نتائج الدراسة أن النخبة السياسية عرفت تحولات جوهرية على مستوى تشكيلها وإنتاجها وعلى مستوى أدوارها ووظائفها، ارتبطت بالسياقات السياسية التي عاشتها جهة العيون - الساقية الحمراء.
وقد شكل استرجاع الصحراء قفزة نوعية في تشكيل النخبة السياسية بجهة العيون -الساقية الحمراء، إذ ستتأسس محددات مؤسساتية لإنتاج النخبة، ستقطع مع القبيلة ومنطقها، وستترتبط بالدوائر الترابية وبالانتخابات الدورية الجهوية والبرلمانية ووفق مفهوم المواطنة وما تضمنه من حقوق سياسية تسمح للأفراد بولوج الأحزاب السياسية التي يرونها تتوافق ومعتقداتهم وآرائهم السياسية .
وتتشكل النخبة السياسية بجهة العيون - الساقية الحمراء من نخبة تختلف وفق خلفياتها ومساراتها التاريخية والسياسية والاجتماعية، إذ على مستوى القبلي نجد هيمنة نخبة بعض المكونات القبلية دون أخرى على المجالس المتتخبة، أما على مستوى الأحزاب السياسية نجد هيمنة النخبة المنتمية لحزب الاستقلال ثم نخبة حزب التجمع الوطني للأحرار ثم نخبة حزب الاصالة المعاصرة، لتأتي باقي الأحزاب السياسية كحزب الاتحاد الدستوري وحزب جبهة القوى الديمقراطية وحزب التقدم و الاشتراكية وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
فالنخب الحزبية لا يمكن أن نموقعها في خانة واحدة، إذ هناك تفاوت ملحوظ في تعامل الأحزاب السياسية مع مسألة استقطاب وإنتاج النخب.
أما على مستوى العمر، يشكل المسنون أكبر فئة مهيمنة على المقاعد البرلمانية الممثلة للجهة، وكذا الجماعات الحضرية بخلاف المجلس الجهوي الذي يعرف تشبيبا، على مستوى الرئاسة وعلى مستوى الأعضاء، وهو ما يعتبر برهانا حقيقيا على الارتفاع الكبير لنسبة الفئة الشابة وفئة النساء في جل الاستحقاقات الجهوية والتشريعية والتنافس من أجل الوصول إلى المناصب العليا في المؤسسات الدستورية للدولة، وهو ما يؤكد بالحجة والدليل الملموس توفر المناخ السياسي، وخصوصا الجانب المتعلق بالكفاءات والطاقات البشرية ذات التجربة السياسية في تدبير وتسيير المؤسسات السياسية لتنزيل المبادرة المغربية للحكم الذاتي بشكل سلس على أرض الواقع، متجاوزة كل معيقات الأجرأة والتنزيل.
كما مكن ولوج نساء الجهة لمؤسسة البرلمان من تمتين دور المرأة سياسيا وانتقالها من التصويت إلى الممارسة السياسية على مستوى المجالس المحلية والبرلمان.
و قد تمكنت الدولة من جعل النخبة الأعيانية مرافقة لها في مسألة الوحدة الوطنية، وحضورها يكون لأجل تحقيق الإجماع الضروري بهدف إشراكها في القرار، ذلك أن استراتيجية الدولة كانت تهدف إلى إنتاج نخبة صحراوية فاعلة في صناعة القرار، وهو ما أسس للانخراط الناجح للنخبة السياسية في البناء التنموي والمشاريع الكبرى، التي أسس لها ملك البلاد، بالجهة، والتي تشكل إحدى الأرضيات والأسس المحورية والواقعية في بناء وتهيئة المناخ والبيئة السياسيين، علاوة على الإرادة السياسية الجادة لتنزيل مقتضيات المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
كما أن انفتاح المراكز البحثية على جهة العيون - الساقية الحمراء والجهات الأخرى للأقاليم الجنوبية عامة شكّل حلقة أساسية في تكوين وتدريب النخبة السياسية على الترافع عن الوحدة الترابية ودعم المنطق الحجاجي لهاته النخبة والاستفادة من الخبرات والمهارات التي توفرها تلك المراكز الفكرية على غرار مركز الدراسات والأبحاث حول الصحراء، التابع لجامعة القاصي عياض، والذي يترأسه الدكتور محمد بنطلحة الدكالي، والمركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني الذي يترأسه الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي.