لقد حضروا بالفعل، ليس «الجميع» وإنما مجموعات صغيرة من الشباب والشابات المزدادون بين عامي 1995 و2010، حيث خرجوا يومي السبت والأحد الماضيين إلى شوارع بعض المدن. مطالبهم محددة: إصلاح عاجل لقطاعي الصحة والتعليم ومحاربة الفساد. ورغم أن الاعتصامات فُرقت، فقد انتشر صداها بقوة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ما يثير التساؤل حول شكل هذا الاحتجاج الجديد ومضمونه، وأيضا المخاطر التي قد تعترضه منذ البداية.
البداية تعود إلى 17 شتنبر الماضي، حين انطلقت نقاشات على مجموعات خاصة وأخرى مفتوحة في منصتين أساسيتين: «تيك توك» الشهير و«ديسكورد»، التطبيق المخصص أصلا للألعاب الإلكترونية، لكنه أصبح اليوم فضاء لمجتمعات متنوعة من طلاب ومحترفين وأصدقاء وجمعيات. ميزة هذه المنصة أنها تسمح بإنشاء غرف نقاش بعدد غير محدود من المشاركين. إحدى هذه الغرف، وتحمل اسم «GenZ212»، تضم أكثر من 40 ألف عضو، منهم آلاف الناشطين في الوقت نفسه. لاحقا تم إطلاق قناة تحمل الاسم نفسه على يوتيوب. هذا الفضاء الافتراضي يمثل النسخة المغربية (212 هو رمز الهاتف الدولي للمغرب) من حركة عالمية بدأت في نيبال وانتشرت في بلدان آسيوية عدة مثل الفلبين وتايلاند وإندونيسيا.
تأثير الفراشة
اندلاع الحركة في المغرب كان له سببان رئيسيان. الأول هو فضيحة المستشفى الجهوي بأكادير حيث توفيت ثماني نساء في ظرف وجيز أثناء الولادة خلال غشت الماضي، ما كشف تردي البنية الصحية وتخلي الطاقم عن مسؤولياته الأخلاقية والمهنية، وهو ما فجّر موجة غضب عمت المغرب.
الثاني جاء من نيبال، حيث اندلعت مظاهرات واسعة يوم 8 شتنبر الماضي، قادها بالأساس شباب، احتجاجا على الفساد والمحسوبية، وأيضا ردا على قرار حكومي بحظر عدة منصات تواصل اجتماعي (فيسبوك، إكس، يوتيوب، واتساب...). لم يكتف المحتجون هناك بإسقاط الحظر بل أجبروا رئيس الوزراء «ك. ب. شارما أولي» على الاستقالة، ليتم تعيين حكومة انتقالية برئاسة «سوشيلا كاركي». قد يبدو النيبال بعيدا، لكن هذا سوء تقدير لطبيعة الجيل Z.
جيل لا ينخرط في السياسة ولا يتأثر بالخطاب الديني ولا ينتمي إلى النقابات، لكنه جيل رقمي ولد مع الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي. متصل بشكل دائم بالعالم، يتفاعل محليا مع ما يحدث دوليا. يهتم بقضايا المساواة والإدماج، ويبحث عن الأمن والاستقرار في ظل أزمة اقتصادية، كما ينخرط في القضايا المناخية والأخلاقية والعدالة الاجتماعية. من سماته أيضا الاستقلالية والاعتماد على الذات. لهذا لم يكن غريبا أن قضية البطالة أو التشغيل لم تتصدر مطالبه.
وماذا بعد؟
رغم قلة الأعداد، إلا أن الاعتصامات تركت أثرا كبيرا بفضل التغطية الإعلامية والانتشار الرقمي. يقول أحد المشاركين، مفضلا عدم كشف هويته: «نجحنا في إيصال صوتنا وأثبتنا أن الجيل الجديد ليس سلبيا ولا عاجزا، بل له كلمته. في 2025 لم يعد ممكنا أن يستمر المغرب بمستشفيات منهارة ومدارس معطلة وفساد شبه مؤسساتي». ويؤكد أن الاحتجاج لم ينته بعد.
يمثل «GenZ212» صوت أغلبية صامتة، علما أن 41% من سكان المغرب تحت 25 سنة. المطالب اجتماعية بحتة، والطابع السلمي للاعتصامات تم احترامه. كما سارع القائمون عليها إلى الرد على محاولات استغلال خطابهم سياسيا، مؤكدين أن الهدف اجتماعي بحت. غير أن غياب قيادة واضحة ومعروفة يجعل أي وساطة أو حوار أمرا صعبا. أحد المراقبين علق قائلا: «الجميع يتفق على ضرورة الإسراع بالإصلاحات المطلوبة. يمكن أن يشكل هذا الحراك رافعة صحية للتغيير، عبر تفعيل آليات دستورية مثل مؤسسة وسيط المملكة لفتح نقاش حول هذه القضايا. لكن ذلك يتطلب وجود مخاطب. حاليا، يظل إخفاء الهوية السمة الغالبة لدى GenZ212».
الخطر الأكبر يبقى التلاعب. مصدر مطلع يحذر: «هناك أطراف معروفة بعدائها للدولة، أشخاص وجماعات مدفوعة برغبة في الانتقام أو هدف زعزعة الاستقرار، بدأت بالفعل في اختراق غرف النقاش الخاصة بـ GenZ212. وفي ظل غياب تأطير حقيقي وقيادة واضحة، من المرجح أن يتم تحريف النقاش والمطالب والتحركات المقبلة عن مسارها». ويخلص إلى القول: «ذلك سيكون أفضل وسيلة لتمهيد الطريق أمام قوى لا تريد سوى إدخال البلاد في الفوضى. وهذا لن يحدث».




