استباق وتحييد وحماية: كيف جعل المغرب من استخباراته أسلحة استراتيجية؟

عبد اللطيف حموشي، المدير للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني

في 16/08/2025 على الساعة 14:15

من جولات مبعوثي المخزن إلى الخوارزميات التنبؤية التي تمشط الفضاء الرقمي، حول المغرب استخباراته إلى أداة استراتيجية من الطراز الأول. جهاز أعيد إصلاحه، وتنظيمه وتجهيزه ليكون قادرا على استباق الأزمات، وتحييد التهديدات، والحفاظ على التفوق. تحليل.

الدار البيضاء يوم 16 ماي 2003. في غضون دقائق معدودات، هزت خمس تفجيرات انتحارية العاصمة الاقتصادية، مما أسفر عن مقتل 45 شخصا وإصابة حوالي 100 آخرين. في أعقاب ذلك، تم اعتماد القانون 03.03 لمكافحة الإرهاب، كما يتذكر كمال أكريديس، الرئيس المؤسس لمعهد روك (Rock Institue)، في ورقته التحليلية التي تتبع التحولات القانونية والمؤسسية والتكنولوجية للمخابرات المغربية. هذا القانون وسع من صلاحيات التحقيق وأدخل في القانون المغربي تجريم التحضير للأعمال الإرهابية وتمويلها والإشادة بها.

كانت هذه نقطة تحول. فمنذ ذلك الحين، لم تعد الاستخبارات تقتصر على مهمة استباقية سرية، بل أصبحت جزءً من إطار قانوني واضح، ومتربطا بالتعاون الدولي. ولفهم هذا التحول، يجب أن نعود إلى الوراء. قبل وجود المديرية العامة للدراسات والمستندات والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بوقت طويل، حافظ المخزن على شبكة قوية من المخبرين المحليين. يزود زعماء القبائل والشخصيات الدينية والأعيان الحكومة المركزية بمعلومات استخباراتية حول التحالفات والتوترات والتحركات المشبوهة.

مع الاستقلال، لم تختف هذه الثقافة الاستباقية، لأن هذا التقليد تمأسس. وهكذا، عهد إلى المديرية العامة للدراسات والمستندات بالشؤون الخارجية والرهانات الجيوسياسية والاستراتيجية الدولية. بينما ركزت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني جهودها على الأمن الداخلي ومكافحة التجسس وكشف التهديدات المحلية والإقليمية. في حين أن جهاز الاستعلامات العامة، المدمج في الشرطة الوطنية، يؤمن متابعة اجتماعية وسياسية واقتصادية مستمرة. كما طور الدرك الملكي قدراته الخاصة في المراقبة والتحليل، لا سيما في المناطق القروية والاستراتيجية.

ومن ستينيات القرن الماضي إلى تسعينياته، كانت الأولويات في غاية الوضوح: مراقبة الانفصاليين، مواجهة التسللات، وإحباط التدخل الأجنبي، واحتواء الجريمة المنظمة التقليدية. وظل الإطار القانوني غير واضح، ما أتاح للأجهزة حرية واسعة في التصرف.

لكن كل شيء تغير مع صدمة 16 ماي 2003

حتى ذلك الحين، كان المغرب قد شهد بالتأكيد تهديدات وتوترات سياسية وتحديات أمنية، لكن لا شيء يضاهي ما حدث في تلك الليلة بالدار البيضاء. وبغض النظر عن المأساة، كان التأثير السياسي والمؤسسي هو ما شكل نقطة تحول. في الساعات والأيام التي تلت تلك الصدمة، تحركت السلطتان التنفيذية والتشريعية بسرعة. في 28 ماي 2003، أي بعد أقل من أسبوعين من الهجمات، اعتمد البرلمان القانون 03.03 المتعلقة بمكافحة الإرهاب.

هذا النص مهم للغاية. فهو «يدرج مقتضيات خاصة في القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية تجرم التحضير للأعمال الإرهابية وتمويلها وتمجيدها، وتوسع صلاحيات التحقيق. وهذه أيضا هي اللحظة التي يرسى فيها منطق تقنين عمل الاستخبارات، مع إشارات صريحة إلى المساطر القضائية (التنصت والتفتيش والحجز) والتعاون الدولي»، كما يوضح مؤلف الورقة التحليلية.

إن تقنين عمل الاستخبارات لا يقتصر على مكافحة الإرهاب. يرسي هذا القانون مبدأً يقضي بأن أعمال الأجهزة الأمنية لم تعد مجرد صلاحيات إدارية تمارس في الخفاء، بل يجب أن تندرج في إطار قانوني قابل للتتبع والمراقبة. وبذلك، ينضم المغرب، من خلال ممارساته ونصوصه، إلى حركة عالمية تعزز فيها الدول أدواتها الأمنية مع التمسك بمبادئ دولة القانون.

وفي الوقت ذاته، تمهد هذه الأحكام الجديدة الطريق لتعاون دولي أكثر كثافة. فمن خلال تدقيق مساطره ودمج أساليبه في نصوص قانونية واضحة، يسهل المغرب تبادل المعلومات مع شركائه، سواء كانوا دولا مجاورة أو دولا أوروبية أو منظمات دولية. بعد عام 2003، أصبحت الرباط محاورا موثوقا في مكافحة الإرهاب، ليس فقط بسبب موقعه الجغرافي الاستراتيجي (مفترق طرق بين إفريقيا وأوروبا والعالم العربي)، ولكن أيضا بسبب المصداقية الجديدة التي يضفيها عليها هذا الإطار القانوني.

2011، أو كيف نرسخ الاستخبارات في دولة القانون؟

بعد ثماني سنوات من هجمات الدار البيضاء، أدخل الإصلاح الدستوري لعام 2011 مواد أساسية لتنظيم أنشطة الاستخبارات. تنص المادة 24 على حق كل فرد في حماية حياته الخاصة. كما تكرس الحق في سرية الاتصالات، سواءً كانت شخصية أو بأي وسيلة كانت، بحيث لا يسمح بالوصول إليها إلا بموجب القانون وفي ظل شروط محددة بدقة.

تنص المادة 27 على الحق في الوصول إلى المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. هذا الحق ليس مطلقا، وينص القانون على استثناءات، لا سيما في المسائل المتعلقة بالأمن الداخلي والخارجي، والدفاع الوطني، والحياة الخاصة للأفراد، والأسرار التي يحميها القانون. ومع ذلك، فإن وجوده يغير المناخ المؤسسي: إذ تقر الدولة بأن الشفافية قيمة يجب تعزيزها، بما في ذلك في مجال حساس كالأنشطة الأمنية.

تلزم هذه المقتضيات الآن الأجهزة بتبرير أي تدخل في المجال الخاص بأساس قانوني واضح، وهدف مشروع، ورقابة من سلطة مختصة، غالبا ما تكون سلطة قضائية. ويرى الباحث أن هذا يمثل توازنا منشودا بين الفعالية الأمنية والضمانات الأساسية.

على المستوى العملياتي، تكتسب المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية أهمية جديدة في هذا السياق الدستوري. فهي تصبح تجسيدا عمليا لهذه الضرورة المزدوجة. فعلى سبيل المثال، لا يمكن السماح باعتراض الاتصالات إلا في الحالات الخطِرة كالإرهاب أو الجرائم المنظمة الكبرى. ويجب أن تأمر بها سلطة قضائية، وأن تكون محدودة المدة، وموثقة لضمان قانونيتها.

كيفية تحسين تنسيق وفعالية أجهزة الاستخبارات

إذا كان المغرب، على مر العقود، كيّف إطاره القانوني مع متطلبات الأمن الحديث، فقد طور أيضا هندسته المؤسساتية لتحسين تنسيق وفعالية أجهزته. ومن أهم القرارات التي اتخذت في السنوات الأخيرة كانت في عام 2025 عندما تم تعيين عبد اللطيف حموشي على رأس المديرية العامة للأمن الوطني، مع احتفاظه بمنصبه كمدير للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، التي كان يقودها منذ عام 2005.

ووفقا لكمال أكريديس، يمثل هذا الأمر «قيادة استراتيجية» و«تركيبا نادرا». وهذا ينطبق ليس فقط على المغرب، بل أيضا على العديد من البلدان التي عادة ما تفصل فيها مهام الشرطة والاستخبارات الداخلية بسبب الثقافة الإدارية والتراتبية، بل وحتى الصراعات المؤسساتية أحيانا. وبتكليف شخص واحد بقيادة هاتين الوظيفتين الاستراتيجيتين، راهن المغرب على تعزيز التآزر. وهكذا، يساعد هذا الدور المزدوج على إزالة الحواجز التي كانت تعيق أحيانا تدفق المعلومات بين الأجهزة. ويمكن دمج المعلومات الاستخبارية التي تجمعها الشرطة ميدانيا بسرعة في التحليلات الاستراتيجية للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وفي المقابل، يمكن ترجمة التوجيهات الاستخباراتية بسرعة أكبر إلى إجراءات عملية، وفق المصدر نفسه.

الآثار كانت فورية. تحت قيادة حموشي، قامت المديرية العامة للأمن الوطني بتحديث معداتها، وطورت قدراتها في مجال الشرطة العلمية والتقنية، وعززت وحداتها المتخصصة في مكافحة الجرائم الإلكترونية. وفي الوقت نفسه، تواصل المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني تطوير أدواتها التحليلية والاستباقية، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب. وقد تمت الإشادة بهذا الاتساق في العمل خارجيا، حيث يؤكد شركاء المغرب الأمنيون، سواء أوروبيون أم أمريكيون أم أفارقة، على سرعة الاستجابة وموثوقية المعطيات المتبادلة.

لكن الهندسة المغربية لا تقتصر على هذا الثنائي. فالمديرية العامة للدراسات والمستندات، جهاز الاستخبارات الخارجية، تلعب دورا محوريا في الترويج الدولي للجهاز الأمني. فمنذ تعيينه عام 2005، طور محمد ياسين المنصوري، أول مدني يتولى هذا المنصب، ما يمكن تسميته بدبلوماسية استخباراتية حقيقية. فبعيدا عن جمع المعلومات الخارجية، تشارك المديرية العامة للدراسات والمستندات في بناء التحالفات، والتفاوض بتكتم بشأن ملفات حساسة، وتعزيز مكانة المملكة الإقليمية.

تهديدات جديدة ومتعددة وسريعة

إذا كان المغرب قد واجه تهديدات محددة وواضحة (الانفصالية، والتدخل الأجنبي، والإرهاب المنظم)، إلا أن الوضع تغير جذريا خلال العقدين الماضيين. اليوم، أصبحت الخطوط غير واضحة، والجبهات متعددة، والهجمات أحيانا ما تكون خفية حتى تتجلى بقوة.

الإرهاب، الذي كان الأولوية القصوى في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم يختف. بل لقد تغير. في بعض المناطق، حلت محل العمليات المنسقة واسعة النطاق خلايا أصغر وأكثر قدرة على الحركة، مستوحاة أحيانا من أيديولوجيات عابرة للحدود الوطنية ولكنها تعمل بانتهازية. لذلك، تبقى اليقظة مستمرة، وقد اكتسبت أجهزة الأمن المغربية سمعة طيبة في تفكيك الشبكات قبل أن تبدأ عملها. لكن المشهد الأمني لم يعد يقتصر على هذا التهديد، كما يحذر الباحث.

أصبحت الحرب الهجينة أحد التحديات الرئيسية. فهي تجمع، في حركة واحدة، بين الأعمال العسكرية أو شبه العسكرية، وحملات التضليل الموجهة، والهجمات الإلكترونية، والضغط الاقتصادي. في هذا النوع من الصراعات، لا يعلن العدو عن نفسه، بل يتوارى خلف فاعلين غير حكوميين، أو شركات وهمية، أو وسائل إعلامية. ويمكنه، في غضون ساعات، زعزعة استقرار الرأي العام بشائعات واسعة الانتشار، وتقويض الثقة في المؤسسات بأدلة كاذبة، أو شل البنية التحتية الحيوية بتعطيل أنظمتها المعلوماتية.

كما برزت الجريمة الإلكترونية كتهديد عالمي متعدد الأوجه. أصبحت المؤسسات المالية، وشركات الاتصالات، والمؤسسات العامة، وحتى بعض السلطات المحلية، أهدافا لبرامج فدية إلكترونية، وعمليات اختراق متطورة، وسرقات معطيات ضخمة. لا تقتصر هذه الهجمات على جماعات معزولة، بل قد ترعاها منظمات إجرامية عابرة للحدود الوطنية، أو حتى كيانات مرتبطة بدول. إن السرعة التي تم بها إعداد هذه العمليات وتنفيذها ومحوها تجعل الرد معقدا للغاية.

وينضاف إلى هذا الواقع التجسس الاقتصادي والصناعي، الذي يتجلى في مجال المعطيات الاستراتيجية. فالمعلومات المتعلقة بالطاقة، وشبكات الاتصالات، والبحوث التكنولوجية، أو مشاريع البنية التحتية الكبرى، تعتبر الآن أصولا عالية القيمة، يحاول الفاعلون الأجانب الحصول عليها. لم تعد حماية هذه المعطيات مجرد مسألة سرية صناعية، بل أصبحت مسألة سيادة وطنية.

ثم هناك البعد التكنولوجي، الذي يعيد تحديد طبيعة التهديدات. فعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي الآن إنتاج مقاطع فيديو مزيفة في دقائق معدودة، قادرة على خداع المحترفين. كما يتيح أتمتة إنشاء ونشر رسائل التضليل، مما يضيف قنوات تأثير ويغرق الفضاء العام. على المدى البعيد، يثير التهديد الكمي القلق نفسه: فقد يؤدي في المستقبل القريب إلى إبطال أنظمة التشفير المستخدمة حاليا، مما يمهد الطريق لما يطلق عليه الخبراء «الجمع الآن، وفك التشفير لاحقا»، أي جمع كميات هائلة من المعطيات المشفرة اليوم، مع توقع إمكانية فك تشفيرها مستقبلا، بمجرد توفر التكنولوجيا المناسبة.

لهذا السبب، ينبغي على الاستخبارات المغربية ألا تكتفي برصد التهديدات وتحليلها وتحييدها، بل ينبغي عليها أيضا استباقها، وهي تهديدات قد لا توجد أحيانا إلا في مختبرات أجنبية أو في استراتيجيات جهات غير معلنة. وهنا تبرز أهمية القدرة على التكيف، والاندماج السريع للمهارات الجديدة والتعاون الدولي.

توسع الترسانة التشريعية

للتصدي لهذا التحول المستمر في التهديدات، دأب المغرب على توسيع وتحديث ترسانته القانونية منذ أوائل الألفية الثانية. في عام 2007، أقر القانون 53.05 بالصلاحية القانونية للوثائق والتوقيعات الإلكترونية. وفي عام 2009، مثل القانون 09.08 إنجازا جديدا، إذ أرسى إطارا شاملا لحماية المعطيات الشخصية، وأنشأ اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي. وهنا أيضا، تتمحور هذه الحركة حول محورين: حماية المواطنين من التعسفات، وتنظيم عمل الأجهزة التي تتعامل يوميا، في سياق مهامها، مع معطيات حساسة. هذا القانون يشترط التوفيق بين الفعالية العملياتية واحترام الحقوق، ويفرض مساطر لجمع المعطيات وحفظها وإتلافها وفقا لمعايير محددة، بحسب الورقة نفسها.

وتعززت مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال مع مراجعة القانون 43.05 في عام 2021. توسع المقتضيات الجديدة نطاق الجرائم، وتقوي التزامات المؤسسات المالية، وتفرض آليات إبلاغ أكثر صرامة. وبالتالي، تمكن من تتبّع التدفقات المالية المشبوهة بدقة أكبر، وتجفيف موارد المنظمات الإجرامية أو الإرهابية.

وفي مجال آخر، ودائما في نطاق خدمة الأمن الوطني، يدخل القانون 20.05 المتعلق بالأمن السبيراني، المعتمد عام 2020، التزامات غير مسبوقة. فهو يفرض تصنيفا للبنية التحتية الحيوية، ويحدد بروتوكولات الحماية، ويلزم الجهات المعنية بالإبلاغ عن أي حادث يتعلق بالأمن السيبراني إلى السلطات المختصة.

على الصعيد الدولي، لا يتخلف المغرب عن الركب. فقد وقع على اتفاقية بودابست بشأن الجرائم السيبرانية، التي تسهل التعاون القضائي والأمني بين الدول للتحقيق في الجرائم المرتكبة عبر الشبكات المعلوماتية. كما وقع على الاتفاقية 108+، وهي نسخة محينة من المعاهدة الأوروبية لحماية المعطيات، التي تعزز ضمانات المواطنين وتوحد معايير معالجة المعلومات.

دعوة إلى مرحلة جديدة

على الرغم من التقدم الكبير المحرز خلال العقدين الماضيين، يرى كمال أكريديس أن المغرب قد وصل إلى مرحلة مهمة. فالترسانة التشريعية الحالية، على الرغم من قوتها، قد طورت على مراحل متتالية استجابة لتهديدات محددة. واليوم، ثمة حاجة إلى إصلاح شامل. ومن الضروري اعتماد قانون-إطار للاستخبارات، قادر على تحديد مهام وصلاحيات وحدود مختلف الأجهزة بوضوح.

وفي قلب هذه الرؤية، تحتاج المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، التي تعد حجر الزاوية في نظام المراقبة، إلى تحديث. لقد تطورت الوقائع العملياتية. فلم تعد الأدلة الرقمية تقتصر على تسجيلات الهاتف، بل يمكن أن تكون موجودة في معطيات مخزنة على خادم خارجي، أو في تبادلات مشفرة، أو في ملفات مستضافة في كلاود. وبناء على ذلك، يطالب القضاة والمحققون على حد سواء بتوفير أدوات أكثر دقة: إدماج الطابع الزمني المؤهل لضمان صحة المعطيات، ووضع سلسلة حقيقية للحيازة الرقمية، ومساطر ملائمة لجمع واستخدام الأدلة عبر الحدود، كما يوصي بذلك كمال أكريديس.

يمكن تفعيل القانون 20.05 المتعلق بالأمن السبيراني بشكل كامل من خلال عمليات تدقيق دورية ومحاكاة للأزمات السيبرانية، بمشاركة أجهزة الاستخبارات، ومشغلي البنية التحتية الحيوية، والهيئات المعنية مثل المديرية العامة لأمن نظم المعلومات وماسيرت (الفريق المغربي للاستجابة لحالات الطوارئ التي تحدث في الحواسيب). ستسمح هذه الدينامية الاستباقية باختبار البروتوكولات قبل أن يختبر أي هجوم حقيقي الصلابة الوطنية.

على الصعيد التكنولوجي، يجب أن تجد التعمية ما بعد الكم مكانها في خارطة طريق وطنية. ويؤكد كمال أكريديس: المعطيات الاستراتيجية المشفرة اليوم يمكن فك تشفيرها غدا، عندما تصل المعالجات الكمية إلى طاقة كافية. فالاستعداد من الآن يعني منع وقوع مساحات كاملة من الذاكرة الرقمية الوطنية في أيدي فاعلين خبثاء في غضون ساعات.

وأخيرا، يستحق الذكاء الاصطناعي إطار حكامة خاص. يمكن لتطبيقات أمن الذكاء الاصطناعي -التحليل الآلي لتدفقات استخبارات المصادر المفتوحة، والتعرف على الوجه، والكشف السلوكي- أن تعزز بشكل كبير قدرات أجهزة الاستخبارات، ولكن يجب أن تخضع لضمانات أخلاقية وتقنية. يمكن لهيئة وطنية تجمع بين الأمن والعدالة وحماية البيانات والخبرة العلمية أن تحدد المعايير، وتقيم الخوارزميات، وتحرص على ملاءمتها.

وحرصا على الشفافية، يدعو كمال أكريديس إلى نشر تقرير سنوي عام عن أنشطة الاستخبارات. دون الكشف عن العمليات الجارية أو كشف المصادر، يمكن لهذه الوثيقة أن تقدم أرقاما مجمعة، وتوجهات ملاحظة، ومبادرات تعاون دولي رئيسية، وتهديدات ناشئة.

استباق دون انحراف، وحماية دون تقييد

بحلول عام 2030، ستتطلب وتيرة التهديدات التنبؤ حتى قبل ظهور الإشارات الضعيفة. ويرى كمال أكريديس أن «التحدي لن يقتصر على حماية التراب فحسب، بل سيشمل أيضا توقع التهديدات في بيئة تكنولوجية غير مستقرة، حيث تصبح المعطيات المادة الخام وساحة المعركة في آن واحد. وهذا يتطلب إطارا تنظيميا مرنا، وثقافة ابتكار سيادي، وقدرة على تسخير قوة الاستخبارات كرافعة للقوة الشاملة».

على الاستخبارات المغربية أن تحافظ على ما لطالما شكل قوتها: تجذرها العميق في الواقع الميداني، هذه القدرة على استشعار بوادر التهديد قبل أن يتبلور. في أزقة الدار البيضاء كما في المناطق القروية النائية، في التدفقات الرقمية العالمية كما في أروقة الدبلوماسية، ستبقى هذه اليقظة البشرية المكمل الأساسي لأجهزة الاستشعار والخوادم والخوارزميات.

السؤال المطروح، في نهاية المطاف، هو سؤال التوازن. كيف يمكننا الجمع بين السرعة والحذر، والابتكار والمراقبة، والانفتاح والحماية؟ والأهم من ذلك، كيف يمكننا الاستمرار في بث الثقة في شعب يطالب بالأمن واحترام حرياته؟ لقد أثبت المغرب بالفعل قدرته على الانتقال من المخزن العريق إلى مراكز المراقبة السيبرانية، من المخبرين القبليين إلى محللي المعطيات. ويبقى السؤال: كيف سيتمكن من ابتكار نظام استخبارات من الجيل الجديد يحمي دون تقييد، ويستبق دون انحراف، ويبتكر دون فقدان هويته.

تحرير من طرف هاجر خروبي
في 16/08/2025 على الساعة 14:15