إذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من هذا الكتاب، فهو أن الخبراء العسكريين والباحثين والدبلوماسيين الفرنسيين يتقاسمون هذه القناعة: الجزائر بلد محكوم عليه بالتشرذم والفوضى. لأنه بغض النظر عن الفرضيات التي يطرحها كتاب ألكسندرا سافيانا (Alexandra Saviana) « السيناريوهات السوداء للجيش الفرنسي » (Les scénarios noirs de l’armée française, Robet Laffont)، هناك الصورة العقلانية التي لدى المتخصصين عن البلاد. يمكن تلخيص الصورة التي يرسمها غالبية الخبراء الذين أجرت المؤلفة مقابلات معهم حول الجزائر في تصريح باسكال أوسور (Pascal Ausseur) الذي أدلى به باسكال أوسور، المسؤول العسكري السابق، والمدير العام لمؤسسة المتوسط للدراسات الاستراتيجية: « الجزائر بلد ليس هيكليا على ما يرام، إذ ينخره السرطان » الذي سيؤدي إلى « انقسامه إلى فصائل مختلفة ».
عن ماذا يتحدث كتاب ألكسندرا سافيانا؟
يستند كتاب « السيناريوهات السوداء للجيش الفرنسي » على المعطيات الواقعية من أجل رسم صورة استشرافية. يتألف الكتاب من إحدى عشرة فرضية، تتعلق كل واحدة منها بنزاع مسلح قد تكون فيه فرنسا طرفا.
وللإجابة على كل الفرضيات الإحدى عشرة، أجرت ألكسندرا سافيانا، الصحفية في مجلة ليكسبريس (L’Express)، مقابلات مع مائة وستة خبراء (106). فضل بعض كبار المسؤولين والدبلوماسيين، الذين ما زالوا يزالون مهامهم، عدم ذكر أسمائهم، على وجه التحديد فيما يتعلق بسيناريو النزاع المسلح بين المغرب والجزائر. وأسرت المؤلف قائلة: « إن فرضية المواجهة بين الجزائر والمغرب، التي تشكل طابو بشكل خاص داخل الدولة، قد تم ذكرها في مناسبات عديدة من قبل الاستراتيجيين، وخاصة داخل القوات البرية ».
«وحدة من 35 جنديا جزائريا تدخل الأراضي المغربية في الصباح الباكر. ويتم تبادل إطلاق النار على الحدود. والحصيلة كبيرة: مقتل 3 جنود مغاربة وجرح 11 آخرين، في حين يسقط 4 قتلى و18 جريحا في الجانب الجزائري»
— مقتطف من كتاب "السيناريوهات السوداء للجيش الفرنسي"، بقلم ألكسندرا سافيانا
يتحدث الغلاف الخلفي عن « كتاب رائع هو نتاج بحث دام عدة سنوات ومقابلات مع قادة في الجيش وخبراء: باحثون ودبلوماسيون وشخصيات سياسية ومتخصصون في مجال الدفاع ». وتطرح المؤلفة أحد عشر سيناريو « من بين السيناريوهات الأكثر احتمالا، ويكشف عن الفرضيات التي يستعد لها الجيش الفرنسي حاليا ». ولا تهم الفرضيات فترة زمنية طويلة، بل تهم فقط السنوات الست المقبلة. وجهة النظر المعبر عنها في الكتاب هي وجهة النظر الفرنسية وتأثير النزاع المسلح بين المغرب والجزائر على هذا البلد.
سيناريو النزاع المسلح بين المغرب والجزائر
يبدأ كل شيء في غشت 2025 في منطقة فكيك. « وحدة من 35 جنديا جزائريا تدخل الأراضي المغربية في الصباح الباكر. ويتم تبادل إطلاق النار على الحدود. والحصيلة كبيرة: مقتل 3 جنود مغاربة وجرح 11 آخرين، في حين يسقط 4 قتلى و18 جريحا في الجانب الجزائري ».
ويكثف النظام الجزائري هجومه رغم وساطة عدة دول. « الجيش المغربي، في موقع الدفاع، يتمكن من التمسك بمواقعه ».
« يوم 4 أكتوبر، يعترض نظام الدفاع الصاروخي أرض-جو الإسرائيلي مقاتلتين من طراز سو34. تتحطمان في مكان غير بعيد عن الحدود على الجانب المغربي. يتم القبض على أحد الطيارين الأربعة، الذي لا يزال على قيد الحياة، ويتم تقديمه للصحافة ».
« عشرة أيام بعد ذلك، يصبح الصراع دموياً وقصير الأمد. ينتهي توغل مدرعات جزائرية قرب مدينة وجدة، عاصمة شرق المغرب، بالفشل الذريع. المغاربة يدمرون حوالي خمسة عشر دبابة جزائرية. الجزائر تحصي 30 قتيلا في صفوفها، في حين تبقى خسائر الرباط منخفضة ».
وتتابع المؤلفة قائلة: « بسبب هذه الهزيمة، يصبح النظام الجزائري ضعيفاً إلى حد كبير ». وتضيف: « السلطة، المتداعية، تتعرض للانتقاد من قبل فصائل سياسية معادية لفرنسا، فصائل تقدم باريس على أنها عدو يجب محاربته لتحقيق وحدة الأمة الجزائرية المنقسمة ».
ستشكل هزيمة الطغمة العسكرية الجزائرية ضد القوات المسلحة الملكية كارثة في البلاد وستشجع العديد من المناطق والعشائر داخل الجيش على التمرد ضد السلطة المركزية.
«وبسبب القلق من عدم الاستقرار في الجزائر -حيث يبدو أن البلاد ستتوزع إلى فصائل مختلفة- تقرر باريس تنظيم عملية إجلاء » للمواطنين الفرنسيين، بمن في ذلك العديد من مزدوجي الجنسية»
— مقتطف من كتاب "السيناريوهات السوداء للجيش الفرنسي"، بقلم ألكسندرا سافيانا
ستطالب حركة تقرير المصير لمنطقة القبائل (حركة الماك) باستقلال هذه المنطقة الشاسعة من وسط الجزائر المتوسطية. رئيسها الشاعر فرحات مهني يشجع القبائليين من باريس على المشاركة في الانتخابات لصالح استقلال منطقة القبائل. ويتهم النظام الجزائري باريس باستغلال الانفصاليين. ومع عجزه عن تأمين حدوده، يتخذ النظام في الجزائر موقف المتفرج من العديد من الهجمات التي تنفذها إحدى الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة.
« وبسبب القلق من عدم الاستقرار في الجزائر -حيث يبدو أن البلاد ستتوزع إلى فصائل مختلفة- تقرر باريس تنظيم عملية إجلاء » للمواطنين الفرنسيين، بمن في ذلك العديد من مزدوجي الجنسية. وستثير عملية الإخلاء هاته استياء بعض الفصائل في الجزائر ». « الطرف الأكثر راديكالية داخل الطغمة العسكرية سيضع يديه على بعض المعدات الجزائرية ويرسل صواريخ تستهدف السفن الفرنسية ». السلطة القائمة ستكون غير قادرة على وضع حد لتحركات الجنود المتمردين.
ويستهدف هجوم صاروخي آخر الأراضي الفرنسية، ولكن في بلد منقسم « إلى من يمكن أن ننسب ذلك عندما لا تدعم السلطة في الجزائر هذا العمل الذي تقوم به جماعة متطرفة؟ »
ثم تنفذ فرنسا عملية خاصة على الأراضي الجزائرية برفقة « جنود جزائريين موالين للسلطة ». تتم تصفية الذين أعطوا الأمر باستهداف الأراضي الفرنسية. ولكن هذا لا يكفي لاستعادة النظام. « على الرغم من القضاء على جزء من الطغمة العسكرية، فإن الجزائر تغرق في الفوضى »، تتوقع الكاتبة من خلال المقابلات التي أجرتها مع الخبراء.
الدروس الأربعة المستخلصة من الكتاب
عدم الاستقرار والعشائرية والانقسام، والانهيار والفوضى... هذا هو المجال المعجمي الوارد على لسان الخبراء الذين قابلتهم ألكسندرا سافيانا عندما يتحدثون عن الجزائر. يرتكز سيناريو هجمات الجزائر على فرنسا على تمرد مجموعة من العسكريين المتواجدين في السلطة القائمة.
عندما نعرف عمليات التطهير اللامتناهية داخل الجيش الجزائري، حيث يقبع أكثر من أربعين ضابطا رفيع المستوى في السجون، فلا ينبغي لنا أن نتفاجأ عندما نرى العديد من الخبراء الذين أجرت معهم المؤلفة مقابلات يستنتجون أن البلاد مصيرها الانقسام والتشرذم.
- الخبراء المستجوبون من قبل ألكسندرا سافيانا يعرفون جيدا طبيعة النظام السياسي العسكري في الجزائر، ويتوقعون ردود الفعل على أساس الوقائع السابقة المؤكدة. وهكذا، عندما تعلن الحكومة الجزائرية أنها أحبطت هجوماً لحركة الماك، فذلك على أمل تحويل الانتباه عن هزيمتها على يد الجيش المغربي، فإن ذلك يشير إلى الأسلوب الذي يستخدمه النظام باستمرار على أمل تعزيز وحدة الجبهة الداخلية. حدث هذا خلال حرائق الغابات في منطقة القبائل في عام 2021، والتي اتهم النظام الجزائري، دون أدنى دليل، حركة الماك ورشاد والمغرب وإسرائيل بالوقوف وراءها.
«بسبب هذه الهزيمة، يصبح النظام الجزائري ضعيفاً إلى حد كبير ». وتضيف: « السلطة، المتداعية، تتعرض للانتقاد من قبل فصائل سياسية معادية لفرنسا، فصائل تقدم باريس على أنها عدو يجب محاربته لتحقيق وحدة الأمة الجزائرية المنقسمة»
— مقتطف من كتاب "السيناريوهات السوداء للجيش الفرنسي"، بقلم ألكسندرا سافيانا
هذا الأسلوب هو نفسه الذي استخدمه النظام الجزائري منذ عام 1962. ولكن هذه المرة، فإن هزيمة الطغمة العسكرية أمر يصعب قبوله. ومن هنا الفوضى العارمة التي ستجتاح البلاد.
- الدرس الثالث الذي يجب التأكيد عليه، هو في حالة نشوب نزاع مسلح بين المغرب والجزائر، فإن المعتدي هو النظام الجزائري. وهذا يذكرنا تماما بـ »حرب الرمال » التي تريد دعاية النظام الجزائري تحويلها إلى عدوان مغربي، في حين يعلم كل المؤرخين أن الثنائي بن بلة-بومدين تعمدا إصدار أوامر بشن هجمات ضد الجيش المغربي حتى لا يتركوا أي خيار للمجاهدين الحقيقيين، مقاتلو الداخل الذين كانوا موالين للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، والذين حملوا السلاح ضد جيش الحدود بقيادة بومدين، سوى الانضمام إلى القوات التي تدافع عن حدود البلاد.
- الدرس الرابع والمهم للغاية في هذا الكتاب هو أن باريس تعرف بالفعل الدولة المغاربية التي تشكل تهديدا لأمن فرنسا. وهذه الدولة هي الجزائر.