رأينا في مقالاتي السابقة أن الخلاف الترابي بين المغرب والجزائر نشأ من عمليات اقتطاع أراضي من المغرب.
كان الجنرال دوغول الذي قرر منح الاستقلال للجزائر يدرك جيدا أن هناك مشكلة حدودية واضحة مع المغرب. وبما أن الجنرال كان صديقاً للملك محمد الخامس، الذي وشحه دوغول بوسام « رفيق التحرير »، فقد اقترح على الأخير أن يتم حل هذه المسألة عن طريق المفاوضات المباشرة.
ثم تمت دراسة الخلاف الحدودي الجزائري-المغربي من قبل لجنة مختلطة من الخبراء.
طالب المغرب بجزء كبير من غرب الجزائر، « الصحراء الشرقية »، التي كانت مغربية، ولا سيما مناطق واحات توات وتيديكلت وقورارة، إلخ.
أما بالنسبة لفرنسا، فقد كانت مستعدة لتلبية بعض المطالب المغربية، ولكن ليس كلها.
لم تنجح المفاوضات الفرنسية-المغربية لأن الملك المغربي، الذي كانت لديه رؤية واضحة للتضامن المغاربي، لم يرغب في حل المشكلة « من وراء ظهر » الجزائريين. خلال المحادثات التمهيدية، كان موقف محمد الخامس الذي عبر عنه للطرف الفرنسي واضحا للغاية:
« كل مفاوضات مع الحكومة الفرنسية حاليا بشأن مطالبات وحقوق المغرب ستعتبر طعنة في ظهر أصدقائنا الجزائريين الذين يقاتلون، وأنا أفضل انتظار استقلال الجزائر لأطرح مع إخواني الجزائريين الخلاف الحدودي ».
باختياره التعامل مباشرة مع القادة الجزائريين المستقبليين، في 6 يوليوز 1961، وقع المغرب مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية اتفاقا ينص على أن مشاكل الحدود القائمة بين البلدين سيتم حلها عن طريق المفاوضات، وذلك بمجرد حصول الجزائر على استقلالها. كان هذا الاتفاق الموقع من قبل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية واضحا:
« إن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تعترف من جهتها أن المشكلة الترابية التي يطرحها الترسيم للحدود الذي فرضته تعسفا فرنسا بين البلدين سوف يجد حلا له في المفاوضات بين حكومة المملكة المغربية وحكومة الجزائر المستقلة.
ولهذا، قررت الحكومتان إنشاء لجنة جزائرية-مغربية ستجتمع في أقرب وقت ممكن لدراسة وحل هذه المشكلة بروح من الأخوة والوحدة المغاربية » (بروتوكول اتفاق بين حكومة جلالة ملك المغرب والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية موقع يوم 6 يوليوز 1961.
غير أنه في 15 شتنبر 1963 تمت الإطاحة بفرحات عباس من السلطة، وخليفته، أحمد بن بلة، الذي فرض على رأس السلطة من قبل جيش الحدود الذي يقوده العقيد بومدين، لم يعتبر نفسه ملزما بالالتزامات التي تعهدت بها الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية...
أقل ما يمكن أن يقال هو أن العاهل المغربي، الذي قدم بادرة حسن نية وأبدى لباقة نادرة تجاه الجزائر، تنكرت له الجزائر، التي اعتبرت الوريثة الكاملة لحدود الجزائر الفرنسية، التي كان الجزء الشرقي منها بأكمله تم اقتطاعها من الأراضي المغربية.