عندما تتحول خرقة إلى مادة للفضيحة: آخر مهزلة للبوليساريو بالاتحاد الإفريقي

مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا. 2013 Getty Images

في 11/07/2025 على الساعة 07:00

خلال اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي في مالابو، المنعقد يوم الخميس 10 يوليوز في غينيا الاستوائية، تم تحويل غياب علم ما يسمى بـ«الجمهورية الصحراوية» (جبهة البوليساريو)، نتيجة إغفال بروتوكولي، إلى «سرقة» مزعومة نسبتها الجبهة إلى الوفد المغربي. وعاجزة عن تقديم أي مساهمة في القضايا المدرجة على جدول الأعمال، لجأت البوليساريو إلى افتعال رواية كاذبة لتغطية فراغها السياسي والاستمرار في سردية «الضحية»، ولو باستغلال خطأ لوجستي (ويا له من خطأ!) لتشويش أشغال منظمة تتأذى أصلا من وجودها.

راية « مختفية »، وقاعة مؤتمرات تحولت إلى مسرح عبثي، وآلة دعاية انطلقت دون كوابح. آخر فصول البوليساريو داخل أروقة الاتحاد الإفريقي كشف مجددا آلية التضليل التي تعتمدها الجبهة، لإخفاء غيابها التام عن المشهد السياسي والفكري والمؤسساتي.

كل شيء بدأ بمقعد فارغ... أو بالأحرى، سارية علم دون علم. بينما كان وزراء خارجية الدول الإفريقية يأخذون أماكنهم لجلسة تقنية من أشغال المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي، يوم الخميس 10 يوليوز 2025 بمالابو، اعتقد وفد البوليساريو أنه وجد الفرصة لإحياء أسطورته المعتادة. غياب « علمه » وفّر له ذريعة مناسبة، وأكد في الآن ذاته أنه لا مكان له في هذا الاجتماع، ولا ما يقدّمه فيه.

ولملء الفراغ وتبرير المخصصات التي يتقاضونها من الداعم الجزائري، سارع المدعو محمد يسلم بيسات، الذي يزعم أنه وزير الشؤون الخارجية والشؤون الإفريقية لما يُعرف بـ« RASD »، رفقة المدعو لامّان أباعلي، من يُسمى بـ« السفير » في إثيوبيا والممثل لدى الاتحاد الإفريقي، إلى اتهام الوفد المغربي بـ« سرقة » خرقة تمثل « علم » كيانهم الوهمي.

لكن لا بد من قول الأمور بصراحة: لم تحدث أي سرقة على طريقة أفلام الجاسوسية. رواية البوليساريو زعمت أن أحد أعضاء الوفد المغربي انتزع ذلك « العلم »، في حين أن الأمر لا يعدو كونه مجرد خطأ لوجستي من طرف بروتوكول الاتحاد الإفريقي، الذي نسي ببساطة وضع خرقة البوليساريو بين أعلام الوفود. وهذا بحد ذاته يعكس مدى هشاشة حضور هذا الكيان داخل الاتحاد.

كان يمكن للأمر أن يُحل بسهولة: تنبيه البروتوكول، إعادة وضع الخرقة، ومواصلة الأشغال. لكن البوليساريو كعادتها، اختارت التضخيم.

وعاجزة عن تقديم أي موقف أو اقتراح بشأن القضايا المدرجة، خاصة وأنه من الصعب تبرير بنود مالية لكيان خيالي، استغلت الجبهة هذه « الدراما » لشغل الإعلام. وعبر وكالة الأنباء الجزائرية (APS) ووكالة البوليساريو (SPS) وشبكات التواصل، انطلقت الحملة: « الوفد المغربي سرق علم الجمهورية الصحراوية! »، اتهام صاخب ومدروس لإخفاء الحقيقة المُحرجة: لا أحد يهتم بأصواتهم أو بوجودهم.

مصدر مطّلع سخر من هذه المهزلة قائلا: «من المضحك الحديث عن سرقة خرقة ملوثة إلى درجة أن لا أحد يجرؤ حتى على لمسها، فكيف يُسرق شيء كهذا؟ يحتاج الأمر إلى بدلة واقية!»

هكذا تجيد البوليساريو فن التهويل: تحويل نسيان إلى « فضيحة »، فالفضيحة إلى « سلاح »، بهدف تلميع حضورها المتآكل داخل الاتحاد، ولو على حساب مصداقية المنظمة القارية. وبينما يُناقش « العلم المفقود »، تبقى أولويات الاتحاد الحقيقيّة: الأمن، التعاون، التكامل الاقتصادي، في الهامش.

وليس هذا السلوك بجديد على البوليساريو. فمنذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، لا تكفّ الجبهة عن افتعال الحوادث لتعطيل أشغال القمم واللقاءات. فعندما يغيب الجوهر، يصبح الضجيج هو الخيار الوحيد: تشتيت انتباه الإعلام، ملء الفضاء الرقمي، تكرار مسرحيات مفبركة، كل ذلك لإخفاء خواء مشروع سياسي اندثر أمام الدينامية المغربية التنموية والدبلوماسية بالصحراء.

للتذكير، في دجنبر 2022، وخلال لقاء نظمه الاتحاد الإفريقي في فندق بجوهانسبورغ بجنوب إفريقيا حول التعاون بين البرلمان الإفريقي ولجنة الممثلين الدائمين، اعتدى ممثل غير رسمي للبوليساريو على المغرب ومؤسساته. يتعلق الأمر بنفس محمد يسلم بيسات، الذي كان حينها « سفيرا » في بريتوريا. ورغم أنه لم يكن يملك أي صفة شرعية للحضور، استغل المناسبة للهجوم على المغرب وصحرائه.

وخلال تقديم خلاصات اللقاء، وبعد أن بقي صامتا طوال الجلسات، انفجر بيسات بوابل من الشتائم في حق المغرب. ليرد عليه محمد عروشي، سفير المملكة لدى الاتحاد، بقوة، واصفا إياه بـ«المرتزق». وقد كانت تلك ثالث مرة يتورط فيها هذا الشخص في مثل هذا السلوك، بعد أن فعلها سابقا في اجتماع مغلق لوزراء العدل، ثم في قمة سابقة حين انتقد عضوية المغرب في مجلس السلم والأمن.

وحيث فشلت لغة العنف، تحوّلت الجبهة إلى التباكي المصطنع. وهذا يؤكد أن البوليساريو لم تعد تملك غير خلق الضجة لتبرير وجودها. تكتيك بائس مبني على العاطفة والتضليل. لكن بمرور الوقت، أصبحت الحيلة مكشوفة، ومعظم دول إفريقيا باتت تتطلع إلى المستقبل: الاستثمار، التجارة، والاستقرار.

أما تلك الخرقة التي يلوّح بها كـ«رمز للمقاومة»، فلم تكن سوى دليل على أن البوليساريو لم يعد لها من سلاح سوى الضجيج. وأمام واقع الميدان، الذي تجسده – على سبيل المثال لا الحصر – المواقف الداعمة مؤخرا من دول مثل غانا وكينيا لسيادة المغرب على صحرائه، فإن الضجيج ينتهي دائما بالخفوت.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 11/07/2025 على الساعة 07:00