مصطفى الطوسة يكتب: تبون.. غائب لا يُرى وصامت لا يُسمع رغم كل شيء

مصطفى الطوسة

في 01/09/2025 على الساعة 16:00

مقال رأيرافقت تعليقات ساخرة عديدة الفيديو الذي بثّه التلفزيون الجزائري، والذي كان يفترض أن يجسد عودة عبد المجيد تبون إلى ممارسة مهامه الرئاسية بشكل طبيعي. وقد خلص الجميع إلى استنتاج واحد: النظام العسكري الجزائري عاد إلى ممارسات قديمة تعود إلى زمن الراحل عبد العزيز بوتفليقة، حين كان لا بد من اللجوء إلى كل أساليب المونتاج التلفزيوني، وسياسة «الفوتوشوب» والترقيع البدائي، من أجل صناعة وقائع سياسية متخيلة.

ويطرح سؤال جوهري في كل الأوساط المهتمة بتطورات الأزمة الجزائرية: إذا كان الرئيس عبد المجيد تبون قادرا ومتفرغا لترؤس لجنة أمنية كما أراد التلفزيون الجزائري إظهاره، فما الذي منعه من الإدلاء بتصريح بالصوت والصورة، وهو المعروف بشغفه بالثرثرة أمام وسائل الإعلام؟ وما الذي منعه، في الواقع، من تقديم تعازيه مباشرة لضحايا حادث حافلة الحراش، الذي أثار حزنا عميقا في الجزائر؟

وتزداد أهمية هذا التساؤل مع الدراما الكبيرة التي كانت تتكشف بشأن فراغ السلطة في الجزائر، بكل ما صاحبها من فرضيات حول أن الرئيس إما أن يكون معاقًا لأسباب طبيعية مثل العمر والمرض، أو أن يكون معاقًا بسبب رغبة من المؤسسة العسكرية التي كانت تريد وتستعد لتغيير واجهتها المدنية. حتى الإقالة المفاجئة للوزير الأول الحالي وتعويضه بمؤقت لم تزد المشهد سوى غموضا.

ولم يكن غريبا أن ترافق الفيديو، الذي بثه التلفزيون الجزائري، موجة من التعليقات الساخرة. وجميعها خلصت إلى الاستنتاج نفسه: أن النظام العسكري الجزائري عاد إلى ممارساته القديمة في عهد الراحل عبد العزيز بوتفليقة، حين كان عليه اللجوء إلى كل حيل المونتاج، و«سياسة الفوتوشوب»، والتصنع الحرفي لخلق حقائق سياسية وهمية. بالنسبة للمشاهد في ذلك الوقت، سواء كان جزائريا أم أجنبيا، كان يجب أن يقتنع بأن كل شيء طبيعي في قمة هرم الدولة. وقد تم تداول مقاطع فيديو أخرى على صفحة الرئاسة على «فيسبوك» بهدف الترويج لصورة زائفة عن الحياة الطبيعية. ومن سخرية القدر، أن هذا النشاط لم يرض فضول أحد.

اليوم، مع تبون، تعيش الجزائر تقريبا نفس السيناريوهات التي عرفها أواخر عهد بوتفليقة: رئيس يظهر عبر «كادر» وصور مصممة على المقاس، بينما الحقيقة أن السلطة تُمارَس في الظل داخل ثكنات الجنرالات، الذين لا شاغل لهم سوى إدامة نظامهم القائم بشكل أساسي على النهب الاقتصادي.

«هذا الغموض الذي يحيط بشخص تبون، سواء كان متعمدا أو مفروضا، قد يشعل أيضا غضبا شعبيا داخليا. فالحراك الجزائري الشهير، الذي أسقط طموح بوتفليقة في ولاية خامسة، كان نتاج رفض شعبي لخدع التجميل السياسي والتزوير والمسرحيات التي حاولت تمرير رئيس عاجز»

—  مصطفى الطوسة

توجد عشرات الأسباب التي كان من المفترض أن تدفع تبون إلى الخروج عن صمته لو كان الأمر باختياره: أزمة متفاقمة مع فرنسا بسبب قضية تقييد منح التأشيرات، توتر ثنائي غير مسبوق، واختفاء رئيس جزائري عن الأنظار في مثل هذا السياق أمر سياسي غير مقبول في باريس، لأنه يثير شهية التحقيقات والاستقصاءات. ومع ذلك، ما يزال النظام الجزائري يتمتع ببعض أدوات الإعلام الفرنسي التي تخفف عنه وطأة الأسئلة المحرجة.

«أين الرئيس تبون؟» هي صرخة سياسية تبناها لفترة من الوقت بعض المؤثرين الجزائريين المصنفين ضمن المعارضة للنظام، ولكن من الغريب أنها لم تُطرح بعد بنفس الإلحاح من قبل الصحافة الدولية. وربما هذه الأخيرة تنتظر تطور الأحداث قبل أن تتساءل بجدية عن هوية من يملكون السلطة في الجزائر وعن كيفية ولادة شخصية رئاسية أخرى من المفترض أن تكون واجهة مدنية لهذا الحكم العسكري الدكتاتوري.

أما تبون، الذي جعل من مغامرة «البوليساريو» الانفصالية ومن العداء التاريخي للمغرب محورا لسياساته، فإن الأسابيع المقبلة حاسمة بالنسبة له. فمعطيات عديدة تشير إلى أن الأمم المتحدة تتجه نحو تثبيت خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو تطور سياسي سيجعل مهمة تبون في الحكم أكثر تعقيدا. اليوم هو غائب – على الأرجح لأسباب داخلية – وغدا قد يتحول البعد الإقليمي لفشل نظامه إلى عامل إطالة غيابه إلى أجل غير مسمى.

هذا الغموض الذي يحيط بشخص تبون، سواء كان متعمدا أو مفروضا، قد يشعل أيضا غضبا شعبيا داخليا. فالحراك الجزائري الشهير، الذي أسقط طموح بوتفليقة في ولاية خامسة، كان نتاج رفض شعبي لخدع التجميل السياسي والتزوير والمسرحيات التي حاولت تمرير رئيس عاجز. وقد انتفض الشارع ضد مزوري السلطة في الجزائر. وكان من الممكن أن ينجح هذا التمرد لولا أن توقف فجأة بسبب جائحة كوفيد-19. فالجزائريون الذين ملؤوا الشوارع بغضبهم وإحباطاتهم أُجبروا على التخلي مؤقتا عن مطالبهم بالتغيير وتأجيل تعطشهم للإصلاح.

اليوم، ومع تكرار نفس الفيلم الكئيب في قمة هرم الدولة وفي سياق من الإخفاقات الاقتصادية والسياسية الأكثر تفاقما، أصبحت كل الظروف الموضوعية مهيأة لاستئناف هذه الاحتجاجات الشعبية. والفرق هذه المرة هو أنها ستجري تحت عين المجتمع الدولي الذي وصل فيه مستوى التعاطف مع النظام العسكري الجزائري إلى أدنى مستوياته. فجزائر بوتفليقة كان لا يزال بإمكانها الاعتماد على بعض الصداقات الدولية التي قد تخفف من صدمة الانتقادات. أما جزائر تبون فهي وحيدة، ومعزولة، ومحاطة بشبكة متينة من العداوات والخصومات، وهذا نتيجة فشل شامل.

تحرير من طرف مصطفى الطوسة
في 01/09/2025 على الساعة 16:00