لهذا، يتطلب هذا المشروع الترافعي تأهيل الفاعلين المدنيين وإبراز الاجتهادات والجهود والمقترحات من أجل إعمال القواعد العلمية والمعطيات التاريخية والاقتصادية والحقوقية في الترافع حول القضية الوطنية، وتمكين المجتمع المدني من وسائل ممارسة حقه في الترافع، مع السعي إلى مواكبته وتأطيره ومده بكل المعطيات والدلائل التاريخية والقانونية والسياسية والحقوقية، وعلى المستوى التطبيقي، يجب العمل على تعزيز مهارات وتقنيات الترافع المنبري، والترافع الرقمي والترافع الفني، كما يجب العمل على تجديد الخطاب الترافعي عن مغربية الصحراء وفق ميكانيزمات وبراديغمات جديدة، مع ضرورة مواكبة مستجدات القضية الوطنية ورهانات التسوية الأممية، وتمليك المهارات المرتبطة بالكفاءات في مجال التناظر الإعلامي وصناعة الرأي العام حول القضية الوطنية، وتيسير تبادل التجارب والخبرات الترافعية من خلال التكوين والمواكبة، عن طريق مجموعة من الخبراء المختصين من أجل تقوية القدرات في مجال الترافع.
وفي هذا الإطار، نجد أن المراكز البحثية الوطنية مطلوب منها أن تنخرط في هذا المشروع الوطني، على اعتبار أن المراكز البحثية هي بمثابة مصدر للرصد والتوجيه والتوعية وبلورة الرأي العام، حيث غدت وسيلة لتكريس شرعية صنع القرار في مختلف الدول والأنظمة السياسية، كما أن الدراسات التي تقدمها مراكز الأبحاث السياسية والاستراتيجية تبلور نظرة الرأي العام، حيث أنها تعتمد على الفكر والمعرفة لطرح حلول للتحديات، كما تشكل هذه المراكز أداة مهمة في بناء الوعي الوطني وتحليل الواقع وتقديم رؤى مستقبلية من أجل الدفاع عن مشروعية وعدالة قضيتنا الوطنية وفق مرجعيات أكاديمية ذات رؤية استشرافية، والعمل على إنتاج الأفكار وإيجاد السبل لإنزالها وتطبيقها وقياس مدى فعاليتها، وتقديم الخطط والاستراتيجيات المبنية على أسس علمية لأصحاب الشأن من أجل اتخاذ القرارات على أسس متينة، تبعا للحقائق العلمية والمعطيات الواقعية.
ومن أجل كل هذا، يجب أن ترتكز المراكز البحثية على مجموعة منتقاة من الخبراء والأكاديميين والاستراتيجيين مشهود لهم بالقدرة على الابتكار والإبداع وإعداد السيناريوهات والاستشراف للمستقبل واكتشاف المشكلات قبل وقوعها والتهيؤ لمواجهتها وبلورة الخيارات الممكنة، وإقامة شبكة علاقات مع مراكز البحوث والفكر العالمية بغية خدمة القضية الوطنية، وأن تنفتح هذه المراكز على الرأي العام من خلال الاستقراء وتنويره بمستجدات القضية الوطنية وتعبئة الجبهة الداخلية بروح وطنية عالية، انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى تعزيز الجبهة الداخلية، وتثمينا وتشجيعا للبحث العلمي في القضايا ذات البعد الوطني.
إننا أمام مشروع تعبوي دائم ومستمر ومتجدد، يترجم مايؤكده عاهل البلاد: «قضية الصحراء هي قضية وجود وليست قضية حدود» و «النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات».
إن قضية الصحراء المغربية، تعكس في العمق ذاك الرباط المقدس بين الملك والشعب للحفاظ على الهوية المغربية التي بنيت طيلة قرون على أساس الوحدة الترابية والوطنية.