اختيار المغرب لاحتضان الدورة المقبلة للجمعية العامة للشرطة الدولية «إنتربول» حدث أمني بدلالات دبلوماسية وسياسية قوية، يؤكد مرة أخرى أن النجاعة في الأداء الأمني لا تقتصر على الوظائف التقليدية وحفظ النظام العام، وإنما تنعكس في المكانة التي يخص بها المجتمع الدولي هذه المؤسسة بما يعزز وظائف الدبلوماسية الأمنية ويجعلها قادرة على ترصيد المكاسب التي تحققت وجعلت من المغرب عامل استقرار إقليمي ودولي.
لا شك أن عامل الاستقرار محدد أساسي لتنظيم هذه النوعية من الاجتماعات الكبرى. لأن الأمر يتعلق بحدث يضم كبريات أجهزة المخابرات والمؤسسات الأمنية في العالم. نشاط جهاز أمني هو بمثابة شرطي العالم يعتمد أسلوب التنسيق والتعاون في محاربة الجريمة بكل أنواعها. هذا التنسيق الذي يتم عبر مكاتب مركزية للإنتربول بعدد من الدول الأعضاء في هذا الجهاز. المغرب كان من البلدان الأولى التي تتوفر على مكتب مركزي للإنتربول بالرباط إذ لعب أدوارا مركزية في تنفيذ نشرات الإنتربول من خلال التعاون الدولي في مجال محاربة الجريمة العابرة للحدود منها جرائم الإرهاب والاتجار بالبشر و«كارتيلات» الاتجار الدولي للمخدرات. ما جعل المكتب المركزي الوطني للأنتربول بالرباط واحد من الأجهزة النشطة في مجالات البحث والتحري وتقاسم البيانات الجنائية والمعلومات.
تختص «الأنتربول» بتقييم التحديات الأمنية على الصعيد الدولي وتحليل الأنماط الإجرامية المستجدة، وبحث استراتيجيات مواجهتها من منظور جماعي ومتقاطع. واحتضان المغرب لأشغال هذه المنظمة هو أيضا اعتراف بجهود المملكة وتعاونه مع جهاز الإنتربول لمحاربة كل أشكال الجريمة المنظمة. فالمغرب شريك موثوق لهذه المنظمة الدولية، سواء في مجال مكافحة الجريمة عبر تنفيذ المذكرات الدولية الخاصة بالأشخاص المبحوث عنهم (نشرات حمراء) أو بجمع المعلومات الاستخباراتية والجنائية (نشرات خضراء) أو من خلال عمليات التسليم المراقب للمخدرات لدى الدولة/ الوِجهة وكذا العمليات السرية.
إن أكبر تحد يواجه الأمن الدولي اليوم هو منطقة الساحل، فإلى جانب الحاجة إلى الدعم العملياتي والاستخباراتي توجد تحديات تكمن في تنفيذ مذكرات دولية صادرة في مجال مكافحة الارهاب في الساحل، ومنها تحديدا نشرات جمع معلومات حول هويات بعض الاشخاص وتحديد أمكان تواجدهم. هذا المعطى يجعل المغرب اللاعب الأساسي في المنطقة وهو الذي راكم تجارب مهمة في مجال مكافحة التطرف العنيف في هذه الجغرافيا الافريقية وكانت له مساهمات استخباراتية قوية خلال الحرب الفرنسية على الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء (عملية برخان).
لقد أدركت المصالح الأمنية المغربية مبكرا أن تطور الجرائم عبرـ وطنية يتطلب تنسيقا إقليميا ودوليا يتجاوز التعاون الثنائي التقليدي المبني على تنفيذ الإنابات القضائية أو مذكرات التعاون. داخليا، نجح المغرب في بناء نموذجه الخاص في تحييد الأخطار الإرهابية عبر تفكيك استباقي لشبكات الإرهاب. على الصعيد الدولي، انخرط المغرب في تطوير شبكة من «ضباط الاتصال» حول العالم، بمقر الاتحاد الأفريقي في أديسا أبابا ولدى واشنطن وباريس ومدريد ولدى مكتب التنسيق لمكافحة المخدرات بمنطقة البحر الأبيض المتوسط بالعاصمة الفرنسية باريس. ينضاف هذا المخطط إلى تنفيذ عدد من الشراكات الامنية مع بلدان شمال البحر الأبيض المتوسط وأمريكا وبلدان إفريقية. وهي شراكات تخدم استراتيجيته مع الإنتربول الذي يستخدم هذه البنية في توفير بيانات حول المبحوث عنهم والأشخاص المرتبطين بتنظيمات الجريمة المنظمة.
إن اكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم هي التهديدات الأمنية الناشئة. وتحديدا الاتجار في البشر والهجرة وشبكات تجنيد المقاتلين في التنظيمات الارهابية والجرائم السيبرانية والتحويلات المالية التي يمكن ان تقع في أيدي المنظمات الارهابية. هذه التهديدات تستفيد اليوم من الطفرة التكنولوجية ومجالات الرقمنة، وقد تستفيد مستقلا من الاستخدام المعيب للذكاء الاصطناعي!