الصحراء.. مسار منطقي لا هدف بحد ذاته: دلالات الانتقال من المينورسو إلى «المانساسو»

A gauche, Mohammed Loulichki, ancien ambassadeur du Maroc auprès de l'ONU. Au centre, des éléments de la Minurso.(W. Belfkih/Le360).

على اليسار، محمد لوليشكي، السفير المغربي السابق لدى الأمم المتحدة. في الوسط، أفراد من بعثة المينورسو. (وليد بلفقيه/Le360)

في 29/08/2025 على الساعة 13:15

مع اقتراب الذكرى الخمسين لنشوب نزاع الصحراء، تبرز أطروحة جريئة تكتسب زخما متزايدا: تحويل بعثة المينورسو إلى بعثة أممية جديدة تحمل اسم «المانساسو»، تكون مهمتها ليس تنظيم استفتاء مستحيل التحقق، وإنما مواكبة خطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. غير أن المقاربة من منظور الرباط ترى في هذا التحول نتيجة طبيعية وليس غاية بذاتها، ضمن الرؤية الأوسع للقرار المقبل لمجلس الأمن المرتقب في أكتوبر. فالمحطة المفصلية الحقيقية تكمن في تكريس الخطة المغربية كمرجعية وحيدة للمفاوضات، وما عداها يأتي تبعا لذلك.

هذه الفكرة يقودها الدبلوماسي المغربي المخضرم محمد لوليشكي، السفير السابق للمغرب لدى الأمم المتحدة في جنيف (2006-2008) ونيويورك (2001-2003 و2008-2014)، كما شغل منصب السفير-المنسق للحكومة لدى بعثة المينورسو (1999-2001). اليوم، يتحدث بصفته « زميل أول » في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد (PCNS)، مستنداً إلى خبرة راسخة في الدبلوماسية وحل النزاعات.

في ورقة سياسات مرجعية نشرها في أبريل 2025 بعنوان: "نحو الحكم الذاتي للصحراء.. دينامية متقدمة»، يطرح لوليشكي تصوراً صادماً: ليس فقط تعديل اختصاصات المينورسو (بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية)، بل تغيير اسمها ومهمتها أيضا. فحسب تحليله، من المرتقب أن تتحول ابتداءً من أكتوبر المقبل إلى بعثة جديدة باسم «المانساسو» (بعثة المساعدة على التفاوض حول نظام الحكم الذاتي في الصحراء الغربية). هذه الخطوة ستأتي في إطار قرار جديد لمجلس الأمن يحدث تحولا جوهريا: «الحكم الذاتي يشكل نقطة البداية والنهاية للعملية التفاوضية الجديدة». هذا التحول سيكرس مقاربة الرباط بجعل الحكم الذاتي الأفق الوحيد للتسوية.

ومع اقتراب موعد صدور القرار، تتعاظم قوة الفكرة لتتحول إلى تيار رئيسي؛ إذ تتكاثر التعليقات، وتتوسع دوائر الدعم، لتفرض المقترح نفسه كإحدى النقاط الجوهرية في القرار المنتظر. الصحافة الدولية سلطت الضوء على المسألة، ما يؤشر على أن الزخم تجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية. صحيفة « لوفيغارو » الفرنسية كتبت: «للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً، القوى الكبرى تتجه نحو تعديل التفويض الأممي نفسه، واستبدال المينورسو بالمانساسو، بعثة لا تنظم الاستفتاء، بل ترافق الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية».

الجوهر أهم من الأداة

في خلفية هذا التحول يلوح منعطف تاريخي. فبينما يبلغ النزاع نصف قرن، تستعد الأمم المتحدة لإنهاء ثلاثة عقود من الجمود المرتبط بالاستفتاء. ولأول مرة، لن يضع مجلس الأمن خيارين متناقضين في الميزان، بل سيكرس الحكم الذاتي كخيار وحيد للتسوية السياسية، مُزكّيا بذلك الرؤية الاستراتيجية التي تبناها المغرب منذ سنوات طويلة.

من منظور الرباط، فإن الحركية التي أثارها احتمال تغيير وضع البعثة الأممية تستدعي شيئاً من التبصر ووضع الأمور في سياقها الصحيح. فالمملكة تتجنب أي نزعة انتصارية متسرعة، وتفضل إعادة ترتيب هذه المرحلة ضمن مسارها المنطقي. وكما أوضحت مصادر دبلوماسية: «ينبغي ألا يُخطأ في تحديد الهدف. الرهان الأول والأساسي هو القرار المرتقب، وما ينبغي أن يفضي إليه من حل. ما لا يجب أن يغيب عن الأذهان هو الرؤية الشاملة؛ فالمهمة، سواء تم حلّها أو تقليصها أو تغيير اسمها، لن تكون سوى نتيجة طبيعية لتحول جوهري في المضمون».

بمعنى آخر، فإن مراجعة تركيبة البعثة الأممية بالصحراء وصلاحياتها لا تمثل غاية في حد ذاتها، وإنما ستظل مجرد انعكاس لقرار سياسي أوسع: التوجه الذي سيعتمده مجلس الأمن لمسار التسوية. وهنا يبرز أن الجوهر أهم من الأداة. ما تنتظره الرباط – أو على الأقل تأمل فيه – هو تحول فعلي، يتمثل في تكريس مبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الأساس الوحيد للمفاوضات المقبلة.

هذا التوجه يستند إلى رافعة حاسمة، تتمثل في كون « القلم الممسك » بقرارات مجلس الأمن الخاصة بالصحراء هو واشنطن. والولايات المتحدة لا تتوقف عن تجديد دعمها القوي والراسخ لسيادة المغرب على صحرائه ولخطة الحكم الذاتي. وقد أكدت التطورات الدبلوماسية الأخيرة ذلك بوضوح.

ففي مطلع غشت، وجّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة إلى الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، أكد فيها بلا لبس اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب، واعتبر مبادرة الحكم الذاتي «الأساس الوحيد لتسوية عادلة ودائمة لهذا النزاع». وقبل ذلك بأسابيع قليلة، في 8 أبريل 2025 بواشنطن، جدد وزير الخارجية ماركو روبيو الموقف ذاته خلال لقائه ناصر بوريطة، مؤكداً أن «الولايات المتحدة ستسهم في كل تقدم يفضي إلى بلوغ هذا الهدف».

في هذا السياق، تبرز أهمية القرار المنتظر في أكتوبر باعتباره المحطة المنطقية لهذه الاستراتيجية. أما الجولة الإقليمية الأخيرة للمبعوث الأمريكي مسعد بولوس، التي شملت محطة مطولة ولافتة بالجزائر، فقد شكلت إشارة قوية إلى أن التحول في المقاربة لم يعد احتمالاً نظرياً، بل هو قيد التحضير.

«المغرب، من جهته، يعمل على أن يشكل قرار 7 أكتوبر المقبل نقطة تحول حقيقية، ولكن على مستوى الجوهر»، يقول مصدر دبلوماسي. ذلك أن قرارات مجلس الأمن الأخيرة تضع فعلاً الحل المغربي في الواجهة، لكنها لا تزال متحفظة، تجمع بين صيغ جديدة وأخرى متقادمة تنتمي إلى مرحلة تجاوزها الزمن. ويضيف المصدر نفسه: «يلزم القيام بعملية تنظيف مفاهيمي شاملة، وحينها ستطرح مسألة المينورسو بشكل تلقائي».

اقتطاعات مالية

لكن إعادة النظر في البعثة الأممية تقف عند تقاطع عدة عوامل. أبرزها يرتبط بعقيدة الإدارة الجمهورية الأمريكية، التي تعارض بشكل جذري عمليات حفظ السلام، معتبرة إياها غير فعالة ومكلفة. ففي أبريل الماضي، اقترح مكتب الإدارة والميزانية (OMB) بالبيت الأبيض وقف التمويل الأمريكي للبعثات الأممية بشكل كامل، متهما قوات القبعات الزرقاء بالفشل في لبنان ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وفق ما أوردته وكالة «رويترز».

المعامل الثاني يرتبط بالجانب المالي، الذي يُعدّ نقطة الضعف الحقيقية للبعثات الأممية. فبالنسبة لواشنطن، تكلفتها أصبحت باهظة للغاية. الولايات المتحدة، التي تُعتبر المساهم الأول في تمويل الأمم المتحدة، تتحمل بمفردها 22% من الميزانية العادية الأساسية (3.7 مليارات دولار) و27% من ميزانية عمليات حفظ السلام (5.6 مليارات دولار). غير أن إدارة ترامب وضعت خطا واضحا: إما وقف تمويل هذه البعثات، أو إعادة تقييمها واحدة تلو الأخرى قبل الإفراج عن أي دولار. جميع قطاعات المنظمة الأممية معنية بهذا التوجه التقييدي.

بعثة المينورسو، بدورها، لم تسلم من هذه الضغوط. فمكاتبها في العيون بادرت إلى تعليق جميع عمليات توظيف الموظفين المحليين، امتثالاً للتوجيهات الصادرة عن المقر الرئيسي في نيويورك، وفق ما علم موقع Le360. وعلى نطاق أوسع، دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى عقد اجتماعات أزمة لإنقاذ البرنامج العام للمنظمة. والخلاصة الصادمة تفرض نفسها: بلا مال، لا وجود لأي عمل.

كما يذكّر أحد المتابعين المطلعين، فإن «المحيط المقرب من دونالد ترامب أعلن في أكثر من مناسبة عزمه على تقليص الميزانيات المخصصة للأمم المتحدة بشكل جذري، خصوصاً بعد صدور قرارات اعتُبرت مناقضة للمصالح الأمريكية. وفي هذا السياق تحديداً يجب فهم انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية ومن اليونسكو». وبذلك، قد تكون بعثات حفظ السلام هي التالية على لائحة الانسحابات.

المعامل الثالث يرتبط بشكل مباشر بقضية الصحراء. فالولايات المتحدة ترى أن بعثة المينورسو طالت مدتها وأظهرت محدوديتها. فبدلا من الدفع نحو حل، ساهمت في تكريس حالة الجمود. وكما لخّص مصدرنا: «إذا ما حصل تحول في المنهج، عبر إصدار قرار يكرّس حصريا خطة الحكم الذاتي ويُعتمد من طرف مجلس الأمن، فمن الطبيعي أن يُعاد تكييف جميع آليات الأمم المتحدة أو يُلغى بعضها بشكل كامل».

وقد ظهرت الملامح بالفعل. ففي تقريره السنوي الأخير حول الوضع في الصحراء الغربية، أشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أنّ عام 2025 شهد تقليص كل من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، واليونيسف، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، وعدد من المنظمات غير الحكومية مساعداتها الموجهة لمخيمات تندوف بالجزائر، وذلك نتيجة مباشرة لتخفيضات المانحين.

الزخم الدبلوماسي لا يمكن إنكاره. فالتصويت على القرار الجديد يتزامن مع الذكرى الخمسين لاندلاع النزاع. لكن، كما يوضح مراقبنا، فإن الطابع الرمزي للتاريخ لا يغيّر شيئاً: «ليس تاريخ الذكرى هو الذي يحدد الهدف أو يفرض الاستعجال. ما يجب النظر إليه هو السياق الجديد كلياً، والملائم إلى حد بعيد، والذي يتعين استغلاله بأقصى قدر. لكننا لسنا وحدنا في الساحة. في الجهة المقابلة، الخصم – ولنسمّه الجزائر – يتحرك ويستعد لفعل كل شيء من أجل الصحراء».

ومع الدعم الدولي الواسع لخطة الحكم الذاتي، يبدو الظرف تاريخيا: لم يكن ملف الصحراء قط أقرب إلى تسوية نهائية كما هو اليوم. غير أن هذه النافذة ترافقها تحديات ومقاومات. ورغم أن الحذر يبقى ضرورياً، إلا أن مصدرنا يشدد على وجود فرصة حقيقية لتطوير مضمون قرار مجلس الأمن في أكتوبر المقبل. ليختم قائلا: «إذا لم نفعلها اليوم، فمتى سنفعل!»

تحرير من طرف طارق قطاب
في 29/08/2025 على الساعة 13:15