من خلال اعترافه بمغربية الصحراء الغربية، وهي حقيقة تاريخية وثقافية وإثنية ودينية وسياسية واقتصادية، أثار الرئيس ماكرون غضب الجزائر التي فقدت صوابها وهددت فرنسا بـ« الانتقام ».
ولكن عن أي انتقام تتحدث الجزائر؟
1- من الصعب تصور أن الجزائر ستتخذ قرارات تمس بمصالحها وتقدم على تعليق العلاقات الجوية والبحرية مع فرنسا، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر بشكل خاص على الجالية التي تضخ يوميا عملات حيوية في الاقتصاد الجزائري الضعيف.
2- الغاز الجزائري لا يمثل سوى 8% من الاستهلاك الفرنسي، وبالتالي فهو ليس إنتاجا استراتيجيا يمكن استعماله كأداة لـ« الانتقام » من باريس. ولا حتى من الاتحاد الأوروبي. ففي عام 2023، صدرت الجزائر 34.9 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى السوق الأوروبية، بينما يستورد الاتحاد الأوروبي حوالي 520 مليار متر مكعب سنويا... الجزائر لا تنتج إلا حوالي 130 مليار متر مكعب من الغاز من إنتاج عالمي يبلغ 3850 مليار متر مكعب، وهي نسبة متواضعة جدا.
وفضلا عن ذلك، يمثل الاستهلاك الداخلي حوالي 54 % من إنتاج الغاز الوطني، وبالتالي لا تملك الجزائر في الواقع سوى 40 مليار متر مكعب من الغاز قابلة للتصدير. وهو الأمر الذي لا يسمح لها بالادعاء بأن الغاز قد يستعمل كأداة لـ« الانتقام ». أما بالنسبة لتصريحات وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب عن ثمانية اكتشافات « كبيرة » في مناطق بشار وعين صالح وجانت وإليزي وورقلة التي ستمكن « على المدى المتوسط » من إنتاج 200 مليار متر بدلا من 130 مليارا حاليا، فإنها لن تغير من الوضع شيئا.
إقرأ أيضا : المؤرخ برنارد لوغان يكتب: لماذا اختلقت الجزائر قضية الصحراء الغربية؟
وهكذا، وعلى افتراض أن هذه التوقعات مبنية على 70 مليار متر مكعب إضافية سيتم إنتاجها « على المدى المتوسط »، حيث سيستهلك ثلثها على الأقل محليا، فإن الأمر يتعلق على الأكثر بكمية إضافية قابلة للتصدير تبلغ 50 مليار متر مكعب، أي يتعلق بإجمالي حوالي 80/90 مليار متر مكعب لسوق الاستيراد الأوروبي، كما قلت في بداية هذا المقال، من 520 مليار متر مكعب (رقم 2023).
3- يمثل النفط الجزائري في المتوسط 9 % فقط من الاستهلاك الفرنسي، ومع وفرة النفط في السوق الدولية، فإن هذا المنتوج لم يعد استراتيجيا يمكن استغلاله كأداة لـ« الانتقام » من فرنسا.
4- أما بالنسبة لتجارة فرنسا مع الجزائر، حيث أنها تبلغ في المتوسط 12 مليار أورو فقط مقابل تجارة خارجية فرنسية إجمالية تبلغ 770 مليار أورو، فلا يمكن مرة أخرى تصور أن تكون وسيلة لـ« الانتقام ».
بالنسبة لفرنسا، من الناحية الاقتصادية، الجزائر غير موجودة، وإذا كان هناك « انتقام » للأسف الشديد، فإنه سيكون في الاتجاه الآخر.
خاصة فيما يتعلق بما يلي:
1- تسهيلات السفر المقدمة للجزائريين الراغبين في القدوم إلى فرنسا، غالبا من أجل تلقي العلاج. بالنسبة لفرنسا، سيكون من السهل جدا عليها مواءمة هذا السخاء الممنوح للجزائريين مع الإجراءات المفروضة على مواطني البلدان المغاربية الأخرى.
2- يمكن فرض رسوم فعالة على التحويلات الحرة الهائلة للجزائريين المقيمين في فرنسا إلى بلدهم الأصلي، إما عبر القنوات الرسمية أو عبر القنوات « غير المهيكلة ».
3- الاستثمار الأجنبي المباشر الفرنسي في الجزائر والذي يصل في المتوسط إلى 2.4 مليار أورو من إجمالي 6 مليار أورو، مما يجعل فرنسا تحتل المركز الثالث خلف الولايات المتحدة وإيطاليا، ولكن في المركز الأول خارج المحروقات. لأن الاستثمار الأجنبي المباشر الفرنسي يتم تنفيذه في اتجاه التنويع الأساسي للاقتصاد الجزائري، خاصة في قطاع الميكانيك أو الصيدلية.