ويساهم الخطاب السياسي في توثيق الأخبار الواردة فيه ومنحها شرعية قانونية تساعد في جعلها تتناسب مع الموضوع الرئيسي لهذا الخطاب. وليحقق غايته يجب أن يكون الخطاب السياسي مقنعا حتى يقتنع المخاطب بصدقية الخطاب، كل هذا ضمن سياق متماسك ولغة مقنعة ومنطقية إلى جانب مكونات تعبيرية أخرى كالصورة ولغة الجسد.
ترى هل تمكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من خلال اللقاء الدوري الذي عقده مؤخرا مع ممثلي وسائل الإعلام من امتلاك آليات وتقنيات الخطاب السياسي؟
إن الملاحظة الأولى التي تسترعي الانتباه، أن السيد الرئيس ومن خلال دراسة ملامح الصورة وطريقة الكلام، بدا مرتبكا غير واثق من نفسه، مكثرا العديد من الحركات في الكثير من الأوقات، رغم أن خرجته الإعلامية يبدو واضحا للعيان أنها خضعت للتوضيب والمونتاج. ورغم ذلك أطلق العنان لخيالاته ومستملحاته، حيث قام بتقديم العديد من المغالطات، حيث أكد أن الجزائر ستنتج مليار و400 مليون متر مكعب من مياه تحلية البحر يوميا، حيث زعم أن بلاده «أصبحت أول بلد إفريقي وثالث بلد عربي في إنتاج المياه باستخدام تقنية تحلية مياه البحر».
وكشف الرئيس عبد المجيد تبون عن الخطوط العريضة لمشروع تعديل قانون الأحزاب ملمحا إلى أن «هناك أحزاب انفجرت إلى عدة أحزاب أخرى وهذا بسبب غياب إسمنت قانوني، سنحاول وضعه في مشروع قانون الأحزاب القادم».
نظرية «الإسمنت القانوني»، والتي سيتنافس العديد من المداحين في شرحها وتبسيطها إلى الشعب المغلوب على أمره، وربما تصبح تخصصا جديدا في علم السياسة، يراد بها تقليص عدد الأحزاب المؤطرة للجماهير والإبقاء على أحزاب السلطة وحدها من خلال وضع شروط تعجيزية في قانون الأحزاب الجديد.
ومن المضحكات المبكيات، أن السيد الرئيس صرح بأن بلاده تواجه مؤامرة خارجية كبرى تتعلق بالعدس واللوبيا من خلال التلاعب بأثمانها حتى لاتصل إلى أشقائنا في الجزائر!
إن السيد الرئيس يختزل كل الخيبات والويلات التي يعاني منها الشعب في «العصابة»، أزمة الطوابير وغلاء الأسعار وندرة المواد الاستهلاكية ونهب الأموال وتبديرها، والاستخفاف بأرواح المواطنين جراء الحرائق المنتشرة في كل أنحاء الجزائر.. مردها إلى «العصابة» من الداخل، وإلى عدو خارجي مفترض، حتى عملية الإطفاء المتخلفة يقف وراءها العدو والعصابة!!
السيد الرئيس، نعلم جيدا أنكم بدأتم التسخينات لحملتكم الانتخابية، ونراقب عن كثب حرب المواقع التي يعرفها نظامكم العسكري، لذا أنتم تبررون فشلكم في التسيير عن طريق الالتجاء إلى نظرية المؤامرة بغية تشكيل متخيل جمعي يخدم هذه اللحظة التاريخية من الزمن الجزائري، من أجل تبرير القمع الداخلي وغلاء المعيشة وانسداد الأفق لجحافل العاطلين.
إنها حيلة لم تعد تنطلي على أحد رغم أنكم تضفون الكثير من المساحيق الجمالية على هذا العدو المفترض طلبا لاصطفاف شعبي خلف حكومتكم عن طريق خلق قضايا وهمية تشغل الأشقاء عن مناقشة واقعهم البئيس.
العدو الحقيقي السيد الرئيس، هو عدم القدرة على خلق تنمية حقيقية رغم الثروة البترولية الهائلة والتي كان بإمكانها أن تجعل شعب الجزائر يعيش التقدم والرفاه. العدو الحقيقي هو إهدار الثروات وتكديسها في الأبناك الأجنبية وشراء الأصوات والذمم. العدو الحقيقي هو الفوارق وعدم وجود عدالة اجتماعية وقمع الحراك وإخراس الأصوات الشريفة التي تحذر من انهيار داخلي وشيك.
السيد الرئيس، رجاء وأنت تجيب عن سؤال حول الوعود الـ54 الشهيرة التي شكلت جوهر برنامج حملتك الانتخابية السابقة، حيث أكدت أنه تم تحقيق 75في المئة منها وأن الباقي سيتحقق في عام 2024، تذكر دموع الثكالى وأنين المظلومين والمحتاجين..إنها الحقيقة الغائبة، وإن لم تستحِ، فقل ما شئت...