ويأتي هذا التتويج بعد عام واحد فقط من انتخاب المغرب لرئاسة مجلس حقوق الإنسان الدولي، وهو ما يؤكد الثقة التي تحظى بها المملكة داخل الأوساط الدولية، خاصة في مجال حقوق الإنسان.
وتعكس هذه المكانة الدعم المستمر الذي يحظى به المغرب ومرشحوه من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والذي يُترجم في تقلدهم مناصب دبلوماسية رفيعة ضمن الهيئات الأممية.
وفي هذا السياق، يرى نوفل البوعمري، المحامي والمحلل السياسي، أن انتخاب المغرب لرئاسة اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان يُبرز أهمية الدور الذي يلعبه على المستوى الحقوقي الأممي، إذ إن هذه اللجنة، التي تتألف من 18 خبيرا، تضطلع بمهام التفكير في سبل النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها.
وأوضح البوعمري، في تصريح لـLe360، أن هذا الانتخاب يُعزز من مسار الانتصارات التي حققها المغرب داخل الأجهزة الأممية المعنية بحقوق الإنسان، ويؤكد قدرة المملكة على الاضطلاع بأدوار كبرى في هذا المجال.
إقرأ أيضا : جنيف: انتخاب المغرب في رئاسة اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان
وأكد البوعمري على أن هذا التعيين يُعد بمثابة « شهادة اعتراف أممية » بما حققه المغرب داخليا من تطورات في مجال حقوق الإنسان، إلى جانب كونه تتويجا للتفاعل الإيجابي للمملكة مع مختلف الآليات الأممية المعنية بحماية الحقوق الأساسية وترسيخ ميثاق الأمم المتحدة.
وبهذا الإنجاز الجديد، يضيف المحلل السياسي، يؤكد المغرب التزامه الراسخ بمواصلة جهوده في تعزيز حقوق الإنسان على الصعيدين الوطني والدولي، بما ينسجم مع سياسته الرامية إلى تكريس المبادئ الكونية لحقوق الإنسان والمساهمة الفعالة في تطوير المنظومة الحقوقية الأممية.
مكاسب المغرب من هذا المنصب
1. تعزيز الحضور المغربي في الهيئات الحقوقية الأممية
يُضاف هذا الانتخاب إلى رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان في العام الماضي، مما يعزز مكانته كفاعل رئيسي في مجال حقوق الإنسان داخل الأمم المتحدة.
2. اعتراف أممي بالتقدم الحقوقي المغربي
يعد هذا الانتخاب شهادة على التقدم الذي أحرزه المغرب في مجال حقوق الإنسان داخليا، إذ إنه يرسخ صورة المغرب كدولة منخرطة بجدية في احترام المعايير الحقوقية الدولية.
3. دعم دبلوماسي من الدول الأعضاء
فوز المغرب بهذا المنصب يعكس حجم الدعم الذي يحظى به داخل الأمم المتحدة، حيث إن انتخاب البرنوصي جاء نتيجة ثقة الدول الأعضاء بقدرة المغرب على الإسهام في حماية حقوق الإنسان عالميا.
4. ترسيخ أدواره في تنزيل ميثاق الأمم المتحدة
يعكس هذا الإنجاز التزام المغرب بتفعيل مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، لا سيما فيما يتعلق بالتفاعل الإيجابي مع الآليات الأممية المعنية بحقوق الإنسان، مما يعزز مصداقيته الدولية.
5. تكريس موقع المغرب كدولة داعمة لحقوق الإنسان
يؤكد هذا الانتخاب قدرة المغرب على لعب أدوار محورية في النهوض بالحقوق والحريات، ليس فقط على المستوى الوطني، بل أيضاً على الصعيد الدولي من خلال اقتراح حلول عملية لتعزيز حقوق الإنسان.
6. تعزيز مكانة الدبلوماسية المغربية في المحافل الدولية
يُشكل هذا الفوز امتدادا لنجاحات المغرب في تولي مناصب دبلوماسية أممية رفيعة، مما يعكس رؤية واضحة لتعزيز حضوره في المشهد الدولي عبر بوابة حقوق الإنسان.
7. التأثير في رسم السياسات الحقوقية الدولية
تتيح رئاسة اللجنة الاستشارية للمغرب فرصة المساهمة في صياغة السياسات والتوصيات المتعلقة بحقوق الإنسان على مستوى عالمي، ما يمنحه تأثيراً أوسع في القرارات الحقوقية الدولية.
8. ترسيخ ريادة المغرب في شمال إفريقيا والعالم العربي
يرسخ هذا الانتخاب موقع المغرب كأحد الدول العربية الرائدة في مجال حقوق الإنسان داخل المنظومة الأممية، ويمنحه قوة تفاوضية أكبر في الملفات الإقليمية والدولية.
9. تعزيز الشراكات الدولية في المجال الحقوقي
يساهم هذا المنصب في توسيع شبكة علاقات المغرب مع الهيئات الحقوقية العالمية، ما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون الحقوقي والدبلوماسي.
10. تقوية الموقف المغربي في القضايا الوطنية
من شأن هذا الإنجاز أن يُعزز موقف المغرب في الملفات ذات البعد الحقوقي داخل الأمم المتحدة، ويظهره كدولة تحظى بثقة المجتمع الدولي في معالجة القضايا الحقوقية.
نادية أمل البرنوصي: مسيرة أكاديمية وحقوقية متميزة
في مسيرة أكاديمية حافلة، استطاعت نادية أمل البرنوصي أن تحجز لنفسها مكانة مرموقة في مجال القانون الدستوري وحقوق الإنسان، حيث جمعت بين التدريس الجامعي، والبحث العلمي، والمساهمة الفعالة في تطوير التشريعات الدستورية على المستوى الوطني والدولي.
حصلت البرنوصي على دكتوراه الدولة سنة 1998 من جامعة محمد الخامس بالرباط، بعدما نالت الإجازة ودبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية من الجامعة ذاتها، بالإضافة إلى دكتوراه السلك الثالث من جامعة مونبلييه الفرنسية. هذه الخلفية الأكاديمية القوية جعلتها واحدة من أبرز المتخصصين في القانون الدستوري بالمغرب.
اشتغلت أستاذة للقانون الدستوري في جامعة محمد الخامس، والمدرسة الوطنية العليا للإدارة، كما درّست في الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية، والمعهد الملكي للإدارة الترابية، ومدرسة الحوكمة والاقتصاد، والجامعة الدولية بالرباط. ولم يقتصر تأثيرها على المغرب، بل امتد إلى جامعات مرموقة في فرنسا وتونس، حيث عملت أستاذة زائرة في جامعات مونبلييه، وإيكس أون بروفانس، وباريس.
مساهمة في صناعة الدستور والقوانين
برزت نادية أمل البرنوصي كواحدة من الشخصيات الفاعلة في تطوير القوانين والتشريعات بالمغرب، حيث كانت عضوا في اللجنة الاستشارية لمراجعة دستور 2011، وشاركت في صياغة القانون المتعلق بإنشاء المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي. كما كانت جزءا من المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وترأست اللجنة المعنية بإمكانية الولوج إلى التعليم للجميع منذ 2014.
حضور قوي في الهيئات الحقوقية
لم تقتصر مسيرتها على العمل الأكاديمي والتشريعي، بل امتدت إلى مجال حقوق الإنسان، حيث تشغل عضوية اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان منذ 2020، وأعيد انتخابها في 2023 لولاية تمتد حتى 2026.
كما أنها عضو في اللجنة الأوروبية للديمقراطية عن طريق القانون، المعروفة بـ « لجنة البندقية »، إضافة إلى عضويتها السابقة كمستمعة لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب في قضايا حساسة مثل إلغاء تجريم الإجهاض.
دور دولي بارز
امتد تأثير البرنوصي إلى الساحة الدولية، حيث شغلت منصب نائبة رئيس الجمعية الدولية للقانون الدستوري، ونائبة رئيس الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري. كما كانت عضوا مؤسسا للجمعية العربية للقانون الدستوري، ورئيسة الشبكة الإفريقية للقانون الدستوري.
إلى جانب ذلك، كانت عضوا في المجلس العلمي لمنتدى القانون التعليمي العالمي، والجمعية الفرنسية للقانون الدستوري.
بحث علمي وإنتاج فكري
ساهمت البرنوصي في إثراء البحث العلمي عبر العديد من الدراسات والمقالات والتقارير العلمية، وكانت عضواً في هيئة تحرير المجلة الفرنسية للقانون الدستوري، وشاركت في مجموعة البحث والدراسات حول العدالة الدستورية بمعهد لويس فافورو في فرنسا.
من بين أعمالها المنشورة، دراسة حول « الثقة في المؤسسات » بالتعاون مع المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، وكتب جماعية مثل « الشباب والمواطنة في المغرب » مع اليونسكو، و »تأملات في الدستور الجديد لعام 2011″.
تكريمات مستحقة
اعترافا بإسهاماتها الكبيرة، وشّحها الملك محمد السادس سنة 2011 بوسام قائد من « وسام العرش »، تقديرا لدورها في تطوير القوانين وتعزيز الديمقراطية في المغرب.
كما حصلت في 2018 على وسام فارس من « جوقة الشرف » الفرنسية، وهو تكريم رفيع يُمنح لمن قدموا إنجازات بارزة في مجالات الخدمة العامة والثقافة والعلوم.
امرأة القانون والديمقراطية
نادية أمل البرنوصي ليست مجرد أكاديمية مرموقة، بل هي شخصية بارزة في المشهد الحقوقي والقانوني، جمعت بين البحث العلمي، والمساهمة في صناعة التشريعات، والدفاع عن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. بفضل مسيرتها الحافلة، أصبحت اسما لا يمكن تجاوزه في مجال القانون الدستوري، سواء في المغرب أو على الساحة الدولية.




