ومن أشهر التعريفات في هذا المجال، تعريف ريتشارد سنايدر »Richard Snyder »حيث يعرف هذه العملية بكونها اختيار بديل من البدائل يخضع لتوجيه فريق العمل والمستشارين الذين يوضحون مآل كل بديل، ومايترتب عليه.
وقد تختلف عملية صناعة القرار من دولة لأخرى حسب تركيبة النظام السياسي ، إلا أنه رغم هذا الاختلاف فإن هناك مبادئ مشتركة في صنع السياسة الخارجية، كما أنها لاتكون أحادية الجانب وتوقيفية النظر، أو تغرف من جيوسياسة ميتافيزيقية أدت بكثير من الأنظمة السياسية إلى الهلاك.
وقد اختلفت آراء الباحثين في تقسيم قرارات السياسة الخارجية، حيث نجد مثلا أن ويليام كوبلن « William Caplin » قد قسمها إلى ثلاثة أقسام ، القرارات العامة وهي بعيدة المدى، والقرارات الإدارية وهي محدودة الأجل، وقرارات الأزمة وهي تنجم عادة نتيجة لعمليات التفاعل بين الدول.
ونجد أن عملية صنع القرار، تستشرف المستقبل، حيث تهدف إلى التمكن من السيطرة عليه، كما أنها تهدف إلى مساعدة صانعي القرار على اتخاذ قرارات وسياسات رشيدة من أجل استباق الأزمات ومنع حدوثها.
نتحدث هنا عن الاستشراف الاستراتيجي والذي يمثل استباقا يستعد للفعل « Preactive » ويستحدث الفعل « Proactive » وينير العمل الحاضر بناء على ضوء المستقبلات الممكنة والمأمولة، وفق الخيارات الاستراتيجية.
سياق هذا الكلام، التصريح المستفز واللامسؤول للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخرا لقناة الجزيرة القطرية كون » العلاقة بين الجزائر والمغرب، وصلت إلى نقطة اللاعودة ».
إن هذا التصريح ينم عن نرجسية مفرطة بالذات، وحقد مرضي تجاه المملكة المغربية، ولايعبر عن بعد نظر لدلالات مثل هذا الكلام والنتائج التي يمكن أن تترتب عليه بالنسبة لشعوب المنطقة، بل يتمادى في زيادة التوتر والتصعيد، ويظهر نوايا حكام الجزائر لإطالة زمن النزاع خدمة لأجندة دولية معروفة.
إن مستقبل الشعوب متعدد وغير محدد، وهو مفتوح على تنوع كبير من المستقبلات الممكنة، وبالتالي لايمكننا الركون إلى حتمية « اللاعودة » في التخطيط لمستقبل الشعوب، مع العلم أن مثل هذه الأخطاء في التحليل والتوقع، يجب أن نتعامل معها بحذر، رغم كونها توقعات عشوائية، لأنها تعكس سلوكيات حكام الجزائر التي تغرف من يقينيات وهمية، مستحضرين خلفيات هذا التصريح، حيث أن مصطلح »نقطة اللاعودة »، يقصد به في تحليل الخطاب السياسي، النقطة التي يتعين على شخص ما أن يكمل إنجاز مافعله، لأن العودة إلى الخلف خطيرة أو مستحيلة.
ومع ذلك، ستبقى يد المغرب ممدودة للسلام وهو في كامل استعداده وجاهزيته لكل الاحتمالات.. لقد سئل يوما « ألبرت آينشتاين » لماذا يبدي اهتماما بالمستقبل، قال: " ببساطة لأننا ذاهبون إلى هناك »..