المغرب وأمريكا.. هل تقود ولاية ترامب الثانية إلى فتح قنصلية أمريكية في الصحراء المغربيّة؟

راية المغرب وسط مدينة الداخلة، جوهرة الصحراء المغربية

في 20/11/2024 على الساعة 13:00, تحديث بتاريخ 20/11/2024 على الساعة 13:00

منذ اللحظة التي استعاد فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مقاليد الحكم في بلده عبر ولايةٍ ثانية اعتبرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكبر « عودة في التاريخ »، بدأت أنظار المحللين السياسيين والإعلاميين تتّجه صوب الصحراء المغربية، على أساس أنّ العودة الثانية لدونالد ترامب إلى سدّة الحكم بالبيت الأبيض، سيكون لها نتائج إيجابية على الدبلوماسية المغربية، سيما وأنّ ترامب كان قد اعترف في ولايته الأولى بمغربية الصحراء وقرّر فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة.

بدايات الاعتراف الأمريكي

لكنْ مع أفول ترامب من السلطة في 20 يناير 2021 وصعود الرئيس السابق للولايات المتحدّة الأمريكية جو بايدن، تم تجميد هذا القرار الأمريكي حول القنصلية. الأمر الذي دفع مجموعة من الأكاديميين المتخصصين في العلاقات الدولية والمُحللين السياسيين إلى اعتبار ولاية ترامب الثانية، سيكون لها مفعول كبير على تاريخ العلاقات الدبلوماسية المغربية الأمريكية. خاصّة وأنّ الاعتراف الدولي بمغربيّة الصحراء في السنوات الأخيرة، سيُعزّز عملية استئناف القرار الأمريكي ويدفع ترامب إلى تفعليه.

فقد سبق للرئيس الأمريكي أنْ صرّح في ولايته الأولى عام 2020 بسيادة المغرب على أرضه، والذي اعتُبر حقيقة حدثاً كبيراً وعلامة فارقة في تاريخ العلاقات الدولية بين المغرب وأمريكا، خاصّة وأنّ المغرب أوّل بلد في العالم اعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما دفع بالنظام الجزائري في ذلك الإبان إلى التنديد بهذا القرار الأمريكي الصائب و« التباكي » على مختلف شاشات العالم. فقد كان ردّ ترامب على الجزائر والعالم من خلال ما كتبه على منصّة تويتر قائلاً: « لقد وقعتُ اليوم إعلاناً أعترف بالسيادة المغربية على الصحراء ». ورأى أنّ « اقتراح المغرب الجاد والواقعي للحكم الذاتي هو الأساس لحلّ عادل ودائم لتحقيق السلام الدائم والازدهار ». وتابع كلامه قائلاً: « لقد اعترف المغرب بالولايات المتحدة عام 1777 ومن ثمّ، فمن المناسب أنْ نعترف بسيادتهم على الصحراء الغربية ».

ومنذ تلك اللحظة ونظام الكابرانات بالجزائر وميليشيات البوليساريو تحاول تضليل العالم، حيث عملت بعد تأخّر كبير على اصدار بيان يوم السبت 12 دجنبر 2020 عبر وكالة الأنباء تُعبّر فيه عن موقفها تجاه القرار الرئاسي للعاصمة واشنطن حول مغربية الصحراء قائلة « إعلان 4 دجنبر المُعلن عنه في 10 من نفس الشهر ليس له أيّ أثر قانوني، لأنّه يتعارض مع جميع قرارات الأمم المتحدة، وخاصّة قرارات مجلس الأمن بشأن مسألة الصحراء الغربية ». ورغم الجدل الإعلامي الفارغ الذي رافق هذا البيان، إلاّ أنّ ترامب بدا مُتماسكاً في موقفه وأصيلاً في اعترافه بمغربيّة الصحراء.

لم يكُن لنظام الكابرانات الفاشل، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، إلاّ أنْ يلوذ بنظرية المؤامرة في ذلك الوقت حسب ما عبّر عنه رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد بأنّ بلاده « مُستهدفة من جهات خارجية ». ورغم حرصه على استغلال الزوبعة التي كانت الجزائر تتربّع فوقها على مستوى الأزمات الداخلية المتكرّرة التي ماتزال تتخبّط فيها إلى حدود اليوم، داعياً الجزائريين إلى التكتل مع السُلطة القائمة والوقوف إلى جانبها، إلاّ أنّ لا أحد من المجتمع آمن بما يتفوّه به من أكاذيب سياسية، في وقتٍ كان فيه الناس قد ضاقوا مرارة الوضع السياسيّ الخانق من جرّاء نظامٍ سياسيّ ديكتاتوري وفاشل.

ورغم أنّ إدارة الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن، لم تعمل على تفعيل قرار ترامب بإقامة قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة، إلاّ أنّ مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى جوي هود خلال زيارته للمغرب ولقائه مع وزير الخارجية ناصر بوريطة صرّح بأنّ « اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المملكة على الصحراء الغربية المُتنازع عليها مازال دون تغيير ».

المغرب وأمريكا.. علاقة ضاربة في القدم

يقول الأكاديمي والباحث في التاريخ والعلوم السياسية الدكتور خالد أوعسو بأنّ « تناول العلاقات المغربية الأمريكية يستدعي استحضار البعد التاريخي على اعتبار أنّ المغرب أوّل دولة اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية. مع حصول المغرب على الاستقلال ودخول العالم في مرحلة الحرب الباردة، كان موضوعياً أنْ تتعزّز جوانب العلاقات بين الطرفين بالنظر إلى تناغم « الاختيارات والتموقعات « خلال الحرب الباردة مع ما أطر ذلك من تداخل الرمزية التاريخية مع الاعتبارات الجيوسياسية والأمنية التي ترتبط بموقع المغرب وحجم تأثيره ».

ويرى أنّه مع « وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، تم إعطاء نفس لهذه العلاقة من خلال إعادة ضخ نفس جديد للمصالح الثنائية نظراً لنزعته البراغماتية - الواقعية وميولاته العملية التي اتجهت إلى تسريع القرارات، فكان الاعتراف في الولاية السابقة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية حدثاً تاريخياً بحجم العلاقات الممتدة في الزمن بين المغرب وأمريكا ».

قنصلية أمريكية في الصحراء

ويرى أوعسو أنّه « اليوم ومع الولاية الثانية للرئيس ترامب المأمول، أوّلاً هو التفعيل الديبلوماسي والسياسي للقرار الأمريكي، ثانياً جر ما تبقى من القوى الكبرى والحلفاء– اعتباراً لثقل أمريكا السياسي والاقتصادي- للتناغم مع الموقف المغربي ».

لذلك يعتقد بأنّ « كل الشروط اليوم متاحة لتحقيق ذلك خلال الولاية الثانية سيما مع تعيين بعض الأشخاص ضمن فريقه ».

وخلص خالد أوعسو أنّ « عملية ترجمة الاختيارات ستؤدي إلى الإسهام في دفع عملية التسوية السياسية إلى أقصى الحدود من خلال حشد الدعم الدولي والأممي وتمكين المنطقة من فرص أكثر لخلق بيئة إقليمية سياسياً واقتصادياً ملائمة للانخراط بشكل قوي في منظومة الاقتصاد العالمي ضمن إطار رابح ـ رابح، ولعل الالتزامات السابقة والمبادرات القائمة تخدم هذا الاتجاه (اتفاقيات أبراهام - مبادرة الأطلسي) ».

مهما يكن يرى « أن المدخل الاقتصادي سيكون ممراً آمناً وموضوعياً نحو إحداث قنصلية بالداخلة بالنسبة لأمريكا وغيرها وما زيارة السفير الفرنسي رفقة رجال أعمال واعتراف إسبانيا ووجود التزامات عملية (الربط الجوي) موازاة مع مواقف إيجابية أخرى إلا دليلاً على ترابطات الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي. كسب المغرب رهان اعتراف دولي ومبادرات اقتصادية تدريجية، لكنها قوية ومؤثرة وما إحداث قنصلية أمريكية وغيرها إلا مسألة وقت ليس إلا ».

حين ساعد المغرب أمريكا واعترف باستقلالها

من جهته يُؤكّد السفير الدبلوماسي السابق في كينيا الدكتور المختار غامبو بأنّ « العلاقة بين المغرب وأمريكا، كانت وستبقى دائماً متميّزة خصوصاً في شقها الدبلوماسي والسياسيّ والعسكري وما اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمغربيّة الصحراء في سنة 2020 إلاّ باعتباره تتويجاً للمنحى التصاعدي الذي عرفته هذه العلاقات منذ بدايتها، أيْ إبّان اعتراف المغرب باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777. لا يجب أنْ ننسى التغريدة الشهيرة على تويتر للرئيس ترامب التي ربط فيها بين الاعترافين كأن الرئيس الأميركي يدعو الأمريكيين إلى إعادة قراءة تاريخهم من جديد واكتشاف الأمم العريقة التي وقفت بجانب دولةٍ فتية كانت في أمس الحاجة إلى مساعدة خارجية للحصول على استقلالها من دولة وازنة وقويّة وكيف ضحى المغرب بمصالحه مع الإمبراطورية البريطانية من الحرية الإنسانية يبقى سؤالاً مهماً لماضي وحاضر العلاقات المغربية الأمريكية.

ويرى غامبو الذي قضى أكثر من 20 سنة أستاذاً بالجامعات الأمريكية بأنّه من « التجلّيات المعاصرة لهذا الإلهام اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية للمغرب منذ سنة 2004 كأكبر حليف استراتيجي خارج منظمة حلف الشمال الأطلسي وكذلك اتفاقية التبادل الحرّ في سنة 2006 دون نسيان أنّ تنسيق البلدين في عملية الأسد الإفريقي أصبحت من الثوابث الأمنية في علاقتهما بغضّ النّظر عن نوعية الحزب الحاكم. لذلك لا يُمكن حصر العلاقة القويّة بين البلدين في الإدارة الأمريكية، لأنّ أغلب المؤسّسات السياسيّة كالكونغرس والمُنظمات غير الحكومية كمعهد واشنطن مثلاً، بالإضافة إلى المؤسسّات الإعلامية والأكاديميات تعتبر المغرب قوّة إقليمية لا بديل لها في إفريقيا والشرق الأوسط، خصوصاً بما يتعلّق بالسلم الإقليمي والاستقرار السياسي ».

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 20/11/2024 على الساعة 13:00, تحديث بتاريخ 20/11/2024 على الساعة 13:00