وفي هذا الإطار، أنشأت العديد من الدول مدارس دبلوماسية، من بين مقراراتها لغة الجسد وكيفية استخدام اللغة الإيمائية، لما لها من أثر بالغ في إيصال الفكرة دون التلفظ بأي كلمة وخاصة في اللقاءات الرسمية وكذلك طبيعة ومستوى استخدام هذه اللغة لأن لغة الجسد أو علم الحركة يعتبر هو النسق الرمزي الذي يحقق إيصال الفكرة بعيدا عن الخطاب اللغوي، ولعل هذا ما يؤكد ويبرر الرأي الذي تبناه الخبير الدولي Sandro Rado، ومفاده أن لغة الجسد تمثل قاعدة كل اللغات طالما تجذرت أصولها في الإحساس الخاص بالجسد.
إن لغة الجسد تستخدم في نقل المعلومات والمواقف وتبادل الرسائل بشكل غير لفظي، وفي كثير من الأحيان تكون اللغة غير المنطوقة أكثر بلاغة وصدقا لكونها تعبير عفوي خال من الكلمات المنمقة التي يلجأ إليها البعض لأهداف معينة لا تعبر بالضرورة عما يقصد ويريد، لأن التلاعب بالكلمات أسهل من التلاعب بالحركات والإيماءات ونبرات الصوت، وبالتالي إن لغة الجسد تمنح المفاوض فرصة مهمة لتحليل الخصائص النفسية والسلوكية للطرف الآخر والتعرف على مفاتيح القوة والضعف في شخصيته، وكلما زاد إتقان لغة الجسد تنامت قدرتنا على التأثير في الآخرين. وفي هذا الصدد، نتذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان يحرص على الضغط بقوة على يد رؤساء الدول الذين يصافحهم لإظهار نوع من القوة والسلطان على الطرف الآخر.
مناسبة هذا الكلام مقال أورده الموقع الجزائري «أوراس»، بعنوان: «تبون في قمة السبع الكبار.. من قوة الخطاب إلى صرامة لغة الإشارة».
لقد انبرى صاحب المقال في الإشادة بمشاركة الرئيس تبون الذي صنع الحدث وأظهر المكانة التي باتت تحتلها الجزائر في المجموعة الدولية، من خلال بعض الإشارات التي قام بها مع بعض زعماء الدول، لدرجة تخيل أن «اللقاء المطول الذي جرى بإقامة تبون وحضره وزير الخارجية أحمد عطاف، وتجوال الرئيسين وهما يقبضان يد بعضهما، منح مراقبين فرصة تصنيف الخطوة في خانة الرد على اليمين المتطرف في فرنسا، كما كشف أن الرئيس ماكرون يعاني ضغطا داخليا رهيبا من اليمين والشارع».
ويزيد صاحب المقال في توضيح استهاماته مشيرا إلى أن «نظرات الرئيس الأمريكي بايدن ورئيسة الحكومة الإيطالية ميلوني إلى الرئيس الجزائري تبون وهو يصافح بابا الفاتيكان تصدرت النقاشات وكشفت عن رسالة واضحة من الجزائر لعديد الأطراف التي تسارع في كل مرة إلى إصدار تقارير حول الحريات الدينية تنتقد الجزائر بدون وجه حق، كما هي رسالة حول تسامح الجزائريين».
لقد تعلمنا في أبجديات علم الاتصال الدبلوماسي، أن حركة العين وهي في حالة ذهول، لا تعني إعجابا وإنما استغرابا ناتجا عن عدم معرفة الطرف الآخر المصافح، وأن الإفراط في التودد والترحاب يبين أن علاقة الطرفين أبعد ما تكون عن الندية وتظهر أن اللقاء يجمع ما بين طرف قوي وطرف ضعيف.
إن المبالغة في الترحاب والإفراط في «التواصل الجسدي» والربت على الكتف والإمساك باليد والضحك المبالغ فيه... يخرج عن أعراف البروتوكولات الرسمية.
زيادة على ذلك، ما هو معنى دلالة تلك الصورة التي صدمت الرأي العام الدولي ومختلف وسائل الإعلام العالمية، حين وجه الرئيس تبون ضربة قوية على يد وزير خارجيته أحمد عطاف حين مصافحة هذا الأخير للرئيس الفرنسي، حيث اعتُبرت «فضيحة بروتوكولية!».
هذا المشهد، أعطى للملاحظين دلالة قوية كيف ترسم السياسات والتوجهات بقصر المرادية بل والبحث في من يضرب من؟
إن لغة الإشارة أظهرت لنا ذلك الارتباك الذي بدا واضحا خلال الصورة الجماعية التي التقطت لزعماء الدول الحاضرين، حين نبه الرئيس الفرنسي زعيم القوة الضاربة إلى ضرورة التوقف عن الحديث والتوجه إلى الكاميرا، وهو إخلال بروتوكولي يعطي سيئة عن صورة بلد ما زال يتلقى الأوامر.
إن لغة الجسد في عالم الدبلوماسية تعكس هيبة الدولة وسلطانها،ن ذكر هذا ليس تشفيا، وإنما غيرة على شعب شقيق مغلوب على أمره يسير به نظام عسكري إلى الهاوية...