الذعر يستبد بالنظام الجزائري. وهذا ما يبرز بوضوح من البيان الصادر يوم الخميس 25 يوليوز عن وزارة الخارجية للبلد الجزائر، ونشرته اليوم الوكالة الرسمية للنظام ووسائل إعلامه. ويخبرنا البيان أن فرنسا غيرت رسميا موقفها من قضية الصحراء وأنها تقدم « دعما صريحا لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء في إطار السيادة المغربية ». وهو قرار « أبلغته السلطات الفرنسية رسميا إلى السلطات الجزائرية في الأيام الأخيرة ». وهذا، فيما لم تصدر فرنسا بعد بيانا بشأن هذا الموضوع، ولم يصدر أي رد فعل من المغرب حتى الآن.
ويخبرنا البيان أيضا أن الجزائر « أخذت علما، بأسف كبير، واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي » الذي اتخذته السلطات الفرنسية، ولكن لابد من الإشارة إلى الطابع الفاتر والخجول لرد الفعل. إن عبارات مثل « القوى الاستعمارية، القديمة منها والحديثة، تعرف كيف تتماهى مع بعضها البعض وكيف تتفاهم مع بعضها البعض وكيف تمد يد العون لبعضها البعض »، وأن « ما يزيد من عدم مقبولية هذا القرار، أنه يصدر من دولة دائمة العضوية بمجلس الأمن » هي مجرد عبارات لتعزية النفس.
وكذلك الحال بالنسبة للتهديدات التي وردت في نهاية البيان، والتي مفادها أن الحكومة الجزائرية « ستستخلص كافة النتائج والعواقب التي تنجر عن هذا القرار وتحمل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك »، هي تهديدات لا تليق بنظام معتاد على ردود الفعل العنيفة والحادة. مما يطرح التساؤل عما إذا كانت موجة الحر التي تضرب الجزائر هذه الأيام هي السبب في التخفيف من غلواء حكام الجزائر الطاعنين في السن.
فالكل يتذكر رد الفعل الجزائري على دعم السلطات الإسبانية لمغربية الصحراء. فقد استشاطت الحكومة الجزائرية غضبا من مدريد، بعد أن قامت الجارة الإيبيرية، في 14 مارس 2022 (بالفعل!)، بتغيير جذري في موقفها بشأن نزاع الصحراء، لصالح المغرب. وفي 19 مارس من نفس العام، استدعت الجزائر سفيرها سعيد موسي، وهو نفس الشخص الذي يشغل منصب سفير لبلاده في باريس، احتجاجا على القرار الإسباني. وفيما بعد، وبالضبط في يونيو 2022، قرر النظام الجزائري التعليق « الفوري » لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة في 8 أكتوبر 2002 مع المملكة الإسبانية. غير أن نظام الجزائر اضطر صاغرا إلى الحفاظ على إمداداته من الغاز إلى إسبانيا
وبعد 19 شهرا من الأزمة الحادة والابتزازات والسعي المضني من أجل التغيير المنشود في الموقف الإسباني بشأن دعمه الذي لا رجعة فيه للمغرب فيما يتعلق بالصحراء الغربية، ظل الوضع كما هو، ووجد النظام الجزائري نفسه في طريق مسدود. وبكل مرارة، أعلن عن تعيين سفير جديد له في مدريد في نونبر الماضي.
هذه المرة، يكشف موقف النظام في الجزائر ورد فعله المبكر قبل كل شيء عن ذعره. إن الرد الخجول يذكرنا بالصمت المطبق الذي التزمه نظام الجزائر عندما أعلن دونالد ترامب، يوم 10 دجنبر 2020، أن الولايات المتحدة تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وكتب تغريدة على تويتر حينها قائلا: « لقد وقعت اليوم إعلانا يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. إن اقتراح المغرب الجاد والواقعي للحكم الذاتي هو الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لتحقيق السلام الدائم والازدهار ».
وهو الموقف الذي لم يتغير قيد أنملة منذ ذلك الحين، على الرغم من الآمال الخائبة للجزائر في رؤية إدارة بايدن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء. ولكن لم يحصل ذلك كما ذكرت بذلك مؤخرا السفيرة الأمريكية بالجزائر إليزابيث مور أوبين، التي أشارت بوضوح إلى أنه لن يكون هناك أي تراجع عن دعم واشنطن لمغربية الصحراء ومخطط الحكم الذاتي. وأوضحت في حوار مع صحيفة « لا باتري نيوز » (La Patrie News)، أحد الأبواق الرئيسية الناطقة باسم النظام، أن إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء هو « واقعة تاريخية ». وهنا مرة أخرى ابتلعت الطغمة العسكرية لسانها. وهكذا، في البلاد التي تسير فيها الأمور بالمقلوب، فإن ردود الفعل لا علاقة لها بأي مبدأ، بل تتعلق بالبلد الذي يوجد أمامها. وبالتالي، أمام إسبانيا تخرج الطغمة العسكرية المدفعية الثقيلة قبل أن تهدأ الأمور بسرعة. وعندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة، فإنها تلزم الصمت. وفي أما فرنسا، فإن رد الفعل يكون محتشما. حتى وإن لم يعرف بعد ما إذا كان النظام الجزائري سيكتفي بهذا البيان المحتشم.
ويبقى أن نعرف أن الرد المبكر هو واقعة غير عادية في العادات والأعراف الدبلوماسية، كما يوضح لنا ذلك أحد الدبلوماسيين. وأضاف قائلا: « لا يمكن اتخاذ موقف قبل الإعلان الرسمي. ويبدو لي أن الهدف الواضح هو محاولة للتخفيف من تأثير هذه الخطوة التاريخية ».
ومن الواضح أن هذا لن يحدث. وفضلا عن ذلك، لا يستبعد أن يكون الهدف من هذه المناورة هو استباق رئيسي الدولتين، الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون. وبغض النظر عن الطابع الفولكلوري، هناك حقيقة مفادها أن نظام الجزائر لم يعد قادرا على فعل أي شيء حيالها: الاعترافات التي تتضاعف ولا يمكنه البقاء في منطق هستيري وعزل نفسه عن المجتمع الدولي. إن الخطابات، ومستوياتها المختلفة من حيث الخضوع أو العنف، لن تغير شيئا في الواقع.