ويأتي هذا التضليل في سياق حملة متواصلة يسعى من خلالها النظام العسكري الجزائري إلى تزييف الحقائق حول الوضع في منطقة الصحراء، في محاولة لتحويل الأنظار عن الاعترافات الدولية المتوالية بسيادة المغرب على صحرائه، لا سيما بعد إعلان فرنسا دعمها الواضح لمغربية الصحراء، وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمملكة، فضلا عن خطاب الملك بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء، وما تلاه من فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واستعداد عدد من الدول الإفريقية واللاتينية للاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وأدان المكتب الجهوي لفرع جهة العيون الساقية الحمراء للفيدرالية المغربية لناشري الصحف استغلال الإعلام الجزائري لحادثة السير التي تعرض لها الصحفيان المغربيان محمد دنفور، مدير نشر موقع «الساقية نيوز»، وعالي الكوري من جريدة «نون بوست»، واللذان تعرضا لحادثة خلال رحلة عمل.
واستنكرت الفيدرالية استغلال الإعلام الجزائري للوضع الصحي والإنساني لهذين الصحفيين من أجل « تزييف الواقع والتطبيل لانتصارات البوليساريو الوهمية ».
وقد اعتبر متابعون مغاربة هذا التصعيد الإعلامي الجزائري جزءا من حرب الوكالة التي يحاول النظام الجزائري إقحام المغرب فيها، سعيا إلى خلق «عدو خارجي» وهمي لصرف انتباه الشعب الجزائري عن قضاياه الداخلية.
وفي تعليقه على هذا الأسلوب الدنيء في التضليل، دعا الصحفي المغربي محمد واموسي المواطنين المغاربة إلى توخي الحذر عند نشر صورهم في المستشفى أو في حالات الإصابة العرضية، حيث أصبح الإعلام الجزائري يستغل أي صورة لمغربي مصاب لنسبها إلى « ضحايا » الهجوم، واصفا ذلك بممارسات إعلامية مخزية لا تعكس إلا قلة الحيلة.
انتصارات وهمية
أبواق الإعلام الجزائري، المدعومة من النظام العسكري، لم تتوقف عند هذا الحد، بل عملت على نشر مقاطع مصورة للحظات من الاحتفالات الوطنية بمناسبة المسيرة الخضراء في المحبس، مجردة من الصوت حتى تخفي أصوات المغاربة وهم يرددون « عاش الملك »، في محاولة بائسة لطمس هذا التفاعل الوطني. كما عمدت تلك المنصات إلى الترويج لانتصارات وهمية، متجاهلة حقيقة أن المقذوف الذي أُطلق باتجاه المنطقة سقط في أرض خالية، دون أن يسفر عن أية خسائر.
الهجوم الأخير من ميليشيا البوليساريو يعكس حالة الارتباك الشديد التي تعاني منها الجبهة وداعموها، لا سيما في ظل سلسلة من الإخفاقات المتلاحقة على الصعيدين الإقليمي والدولي. فقد جاءت هذه الهجمة بعد اعتراف فرنسا الرسمي بمغربية الصحراء، والزيارة التاريخية للرئيس إيمانويل ماكرون إلى المغرب، إلى جانب الخطاب الملكي الواضح والصريح بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.
ومع اقتراب نهاية عضوية « الجمهورية الوهمية » في الاتحاد الإفريقي، بدأت تظهر معالم سياسة عسكرية جزائرية تسعى لجر المغرب إلى مواجهة مباشرة أو حرب بالوكالة، كوسيلة لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية المتفاقمة في الجزائر. وقد جاءت تصريحات وزير الخارجية ناصر بوريطة، يوم الجمعة الماضي، كتنبيه واضح لهذه التحولات، حيث قال إن « المؤشرات تشهد على رغبة الجزائر في إشعال حرب بالمنطقة »، مشيرا إلى أن المغرب يعي تماما خطورة هذه الاستفزازات، التي يراد منها زعزعة الاستقرار الإقليمي.
عمل انتحاري طائش
في تعليقه على هذا الهجوم، وصف رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني هذا العدوان بـ »العمل الطائش »، مؤكدا أنه لن يغير من الواقع شيئا، بل يعزز من النجاحات الدبلوماسية للمغرب.
وأضاف العثماني أن القوات المسلحة الملكية المغربية تمكنت من تمشيط المنطقة وقصف مواقع الميليشيات التي أطلقت المقذوفات، ما أسفر عن سقوط خمسة قتلى وسبعة جرحى في صفوف المهاجمين.
بدورهم، علق نشطاء مغاربة على هذه الواقعة بوصفها « هجوما انتحاريا جزائريا »؛ إذ يرى البعض أن عناصر البوليساريو يعلمون أنهم لن يتمكنوا من العودة بعد تنفيذ الهجوم، مدفوعين بعملية غسيل دماغ لتدمير أنفسهم.
وفي سياق متصل، نشر الحقوقي نوفل الباعمري مقطع فيديو يظهر أحد عناصر البوليساريو الذي كان يبث لحظات « الفخر » بهجومه قبل أن يتم قصفه بطائرة مغربية من دون طيار، حيث علق الباعمري على الفيديو قائلا: « لقد وجد مصيره وذهب إلى جهنم ».
وهكذا، تضح ملامح التضليل الإعلامي المتزايد في الجزائر في ظل الضغوط المتصاعدة التي يواجهها النظام العسكري المستولي على الحكم في البلاد، خاصة مع تزايد التهديدات بطرد « الجمهورية الوهمية » من الاتحاد الإفريقي، مما قد يحد من استغلال هذه القضية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وفي المقابل، يثبت المغرب من خلال سياسته الحكيمة والتزامه الراسخ بسيادته الوطنية، أنه ماض في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، رغم الاستفزازات المتواصلة ومحاولات النظام الجزائري ودميته البوليساريو لتزييف الحقائق وتضليل الرأي العام.