حقيقة لمسها الباحث، فالحرب الباردة بين البلدين تحول دون أي تطور، آخر فصولها الملاسنة التي جرت، أخيرا، في مقر الأمم المتحدة بين المندوب الدائم المغربي ونظيره الجزائري حول الصحراء، مما أطاح بخطوات التقارب الهشة بين البلدينن، وأكد مجددا أن نزاع الصحراء يُسمم علاقاتهما الثنائية والمناخ الإقليمي.
تفاصيل المواجهة أوردتها نشرة الأمم المتحدة، إذ انتقد المندوب الجزائري، مراد بن مهيدي، خلال مناقشة ملف الصحراء محاكمة خمسة وعشرين صحراويا أمام المحكمة العسكرية بتهمة ارتكاب أعمال عنف لدى إجلاء السكان من مخيم "اكديم إيزيك”.
واعتبر المندوب الجزائري أن بعثة الأمم المتحدة الخاصة بتنظيم الاستفتاء في الصحراء المعروفة باسم "المينورسو" "فريدة من نوعها لأنها لا تشمل جهازا خاصا بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان، مشيرا إلى أنها لم تستطع التدخل في قضية مخيم "اكديم إيزيك" بسبب هذا القصور، إلا أن المندوبة المغربية اعترضت عليه بقوة وطالبت بنقطة نظام، فرد عليها المندوب الجزائري، ثم طلبت الدبلوماسية المغربية حق الرد مجددا لتعزو الموقف الجزائري إلى اقتراب ميعاد التجديد الدوري لبعثة الأمم المتحدة الخاصة بتنظيم الاستفتاء في الصحراء في شهر أبريل من كل سنة، "ما يُلهب الانتقادات الجزائرية للمغرب" على ما قالت المندوبة، موضحة أنه "ليس للجزائر أن تعطي دروسا للمغرب".
تصريحات تعيد العلاقات مع الجارة الشرقية إلى نقطة البداية، فالحديث عن أي تقارب مجرد سراب، وتنبؤات كل الخبراء في العلاقات الدولية تعتبر أن كل تطور إيجابي في العلاقات الثنائية لن يتجاوز تبادل زيارات الوزراء المكلفين ببعض القطاعات الاقتصادية في مجالات محدودة، وأن التطبيع بين الطرفين مجرد سراب مادامت لم تُحل مشكلة الصحراء بشكل نهائي، فهل مازال المغرب يراهن على علاقات طبيعية مع الجارة الشرقية؟
كل الأحداث تشير إلى أن المغرب صرف نظره عن أي تقارب مع الجزائر، لاعتقاده أن تدخل الجزائر في قضية الصحراء يعصف بكل المبادرات، بدليل التصريح الأخيرة لرئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، في قناة ا"فرانس 24 "، حين صرح أن "كل العالم يعرف أنه لو أرادت الجزائر تسوية نزاع الصحراء في يوم واحد لسُوي فعلا"، مضيفا أن الجزائر "هي المسؤولة أيضا عن استمرار غلق حدودها المشتركة مع المغرب. ومن المؤسف أن تظل قضية الصحراء التي تخضع لمنطق قديم، عنصر تسميم للعلاقات بيننا، علما أن جلالة الملك قرر فتح الحدود من الجانب المغربي"، حسب قول رئيس الحكومة، ما زاد من حنق الجزائريين.
التوتر يحل محل التوتر
إن العلاقات المتوتر بين البلدين تبرهن على أن المشكل سياسي بالدرجة الأولى، ويحتاج إلى مبادرات سياسية من أعلى مستوى، علما أن المغرب طالب أكثر من مرة الجزائر بفتح الحدود كمدخل سياسي واقتصادي أساسي لتوطيد العلاقة بين البلدين، لكن الجزائر لا تنظر إلى هذا الموضوع إلا بمنطق الربح والخسارة، مما دفع المغرب إلى طي صفحة المبادرات.