« المشهد » وقع يوم الخميس 9 ماي، في مجلس المستشارين، خلال جلسة مخصصة لعرض الحصيلة المرحلية للحكومة. بدأ رئيس الحكومة عزيز أخنوش خطابه بمهاجمة رأي نشره قبل يومين، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول شباب ما بين 15 و35 سنة لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين « NEET ». وهي وضعية يوجد فيها حوالي 4.3 مليون مغربي، منهم 1.5 مليون في الفئة العمرية ما بين 15 و24 سنة.
وبالتالي فإن هذه الظاهرة الكبيرة توضح شكلاً من أشكال عدم فعالية سياسات مختلف الحكومات المتعاقبة، وتهدد التماسك الاجتماعي والاستقرار من خلال تعميق الهشاشة واللامساواة.
سننتقل إلى جوهر ردود رئيس الحكومة، مع الاحتفاظ فقط بهجومه المباشر على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهي مؤسسة دستورية غير سياسية ومستقلة، مهمتها تقديم مؤشرات (جيدة) فيما يتعلق بحالة الأمة. وأكد أخنوش قائلا: « ألاحظ أن توقيت نشر تقرير هذا المجلس يتزامن مع عرض حصيلتنا. أتمنى أن تكون ظرفيته عادية ولا يلتقي مع عرض حصيلة الحكومة المرحلية، وإلا فإن الأمر سيطرح إشكالية مع المؤسسات الدستورية »، ملمحا إلى تعمد للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، الذي يرأسه أحمد الشامي، إصدار هذا التقرير في هذا التوقيت بهدف التشويش على الحصيلة المرحلية للحكومة. وقال مع ذلك أنه: « يرجح مبدأ الشك ».
غير أنه من خلال التصرف بهذه الطريقة، فإنه يتجاوز صلاحياته إلى حد كبير، ويقتضي الفصل بين السلطات، فإن « مبدأ الشك » التي يدعي منحه لمجلس الشامي غير مناسب على الإطلاق في مثل هذه الظروف.
وليس هذا خطأ عزيز أخنوش الأول عندما يتعلق الأمر بمؤسسات الحكامة التي لا يمكن للمغرب إلا أن يفتخر بها. إن اللقاء الذي جمع مدراء النشر في وسائل الإعلام الرئيسية في البلاد في فبراير الماضي، أي بعد يوم من نشر المندوبية السامية للتخطيط لتقريرها حول البطالة، لا يخفى على أحد. ولم يكن الغرض منه سوى تشويه الأرقام المثيرة للقلق التي قدمتها المندوبية السامية للتخطيط، ولا سيما معدل البطالة القياسي الذي تجاوز 13 %، وفقدان أكثر من 500 ألف منصب شغل في عام 2023.
أرقام رفضتها السلطة التنفيذية، معتبرة أن المندوبية السامية للتخطيط تحدثت فقط عن 50 ألف منصب شغل تم إحداثها في 2023، في حين أحصى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 350 ألف منصب شغل. والأدهى من ذلك، أن مناصب الشغل المعنية البالغ عددها 500 ألف لم تفقد، بل فقط « أخفيت »، لأن بعض الأشخاص كذبوا على أطر... المندوبية السامية للتخطيط بهدف الاستفادة من المساعدات الاجتماعية.
من المؤكد أن التقليل من أهمية ملاحظة أو مناقشة أو حتى انتقاد المعطيات المقدمة في تقرير صادر عن مؤسسة دستورية هي ممارسة شائعة في المجال السياسي. لكن التشكيك في حسن نية الفريق الذي أصدر تقريرا عن تطور المجتمع هو انحراف يرقى إلى مستوى التخويف المتعمد الذي يستهدف مؤسسة مستقلة تتجرأ على تقديم معطيات مخالفة لرؤية السلطة التنفيذية.
ويؤكد خبير في القانون الدستوري قائلا: « إن هذه الآليات، سواء كانت سيادية أو قضائية أو للحكامة، لا توفر المعطيات اللازمة لأي سياسة عمومية فحسب، بل هي الضامن لمصداقية المغرب على الساحة الدولية، لا سيما لدى المانحين، الذين تحتاجهم حكومة أخنوش في هذه الأوقات. إنهم ليسوا خصوما سياسيين، بل هم على العكس من ذلك أدوات للمساعدة في صنع القرار ». ثم أضاف بنوع من السخرية: « إذا تم إغلاق بويا عمر، فذلك بفضل تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول الصحة العقلية. وإذا كان موزعو المحروقات حدوا من شهيتهم، فذلك بفضل الإجراءات التي فرضها مجلس المنافسة ».
فهل يسعى رئيس الحكومة، من خلال التشكيك في شرعية المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والإيحاء بأن هذه المؤسسة تخدم أجندة سياسية، إلى ممارسة شكل من أشكال الرقابة على المؤسسات الدستورية؟ لأن توسيع نطاق العمل الحكومي ليشمل المؤسسات غير السياسية يعد بمثابة رقابة على المؤشرات السيئة على تطور المجتمع، وهو ما لا يخدم بأي حال من الأحوال دولة القانون والمؤسسات.