في ربيع العام الماضي، كانت الجزائر تستشيط غضبا. فما إن أعلن عن مناورات «شرقي 2025» العسكرية المغربية-الفرنسية، حتى هاج النظام الجزائري: استدعاء السفير الفرنسي، تصريحات ديبلوماسية غاضبة، وحالة تأهب قصوى في وسائل الإعلام الرسمية. ووصفت العملية، التي كان من المقرر إجراؤها في الراشيدية في الخريف، بأنها استفزاز مباشر «على الحدود مع الجزائر». بعد ستة أشهر، قامت مروحيات فرنسية ومدرعات مغربية بمناورات في جبال الأطلس... ولكن الجزائر التزمت الصمت. لم يسمع أي احتجاج، ولا تصريح رسمي، ولا حتى سطر واحد في وسائل الإعلام. التناقض صارخ.
عندما كان « شرقي » لا يزال مجرد مشروع، كانت ردة فعل الجارة الشرقية تكاد تقترب من الهستيريا الدبلوماسية. أدانت الجزائر رسميا « عملا عدائيا » من باريس، معتبرة هذه المناورات تهديدا لأمنها. حتى أن وزارة الخارجية الجزائرية استدعت الدبلوماسي الفرنسي ستيفان روماتي لإبلاغه بـ« خطورة » المشروع.
قيل آنذاك في الجزائر أن العملية تحمل اسما شرقي « المثير »، وهي ريح ساخنة تأتي من الشرق، وفسرته السلطات الجزائرية على أنه إشارة إلى موقعها الجغرافي. كان هذا التبرير مثيرا للسخرية: فمدينة بشار، أقرب مدينة جزائرية إلى الراشيدية، تقع على بعد أكثر من 200 كيلومتر من موقع المناورات.
صمت مطبق
ومع ذلك، ابتداء من 6 أكتوبر، نفذت القوات المسلحة الملكية والجيش الفرنسي المراحل المخطط لها. شملت نشر وحدات، واشتباكا تكتيكيا، وعمليات إنزال جوي، ومحاكاة هجوم. وانضمت دبابات أبرامز المغربية إلى مروحيات تيغر (Tigre) وإن أش 90 الفرنسية. وأكد سلاح البر الفرنسي على موقعه الرسمي على جودة الشراكة وتكامل القوات.
وفي المقابل، لم يصدر أي رد فعل من الجزائر. لا بيان صحفي، ولا استنكار علني، ولا تغطية إعلامية خاصة. يتناقض هذا الصمت بشكل جذري مع الخطابات النارية في شهر مارس الماضي. موقف يدعو إلى الاستغراب خاصة إذا علمنا مدى الجرأة التي تبديها الجزائر عندما يتعلق الأمر بالصراخ.
Lors de l'exercice militaire Chergui 2025. (Armée de terre)
لكن هل كان للنظام حقا خيار آخر سوى الصمت؟ الأمر غير مؤكد. فبعد مزايدات شهر مارس، كان من شأن إطالة الجدل خلال المناورات أن يفاقم عزلة الجزائر على الساحة الدولية، ويؤكد افتقارها التام لأية شرعية بخصوص هذا الموضوع. فعند التدقيق، تجري الطغمة العسكرية الجزائرية نفسها مناورات واسعة النطاق على الحدود المغربية، غالبا مع روسيا. في عامي 2022 و2023، لم تثر مناورات « درع الصحراء » في حماقير، على بعد 50 كيلومترا من المغرب، أي رد فعل رسمي من الرباط. وهكذا، من خلال الاحتجاج أولا ثم التزام الصمت لاحقا، تتجنب الجزائر خطر الوقوع في أثر عكسي محرج. فكيف يمكن لها أن تدين لدى جارها ما تمارسه هي نفسها؟
تجدر الإشارة إلى أن الإعلان عن مناورة « شرقي » جاء في وقت كانت تسعى فيه الجزائر إلى صرف الانتباه عن شؤون داخلية حساسة، أبرزها اعتقال الكاتب بوعلام صنصال -الذي لا زال يقبع في السجن في الجزائر- والتوترات مع باريس بشأن طرد جزائريين غير نظاميين، واتهامات بالتجسس على الأراضي الفرنسية. كان الهدف من الهيجان الدبلوماسي آنذاك هو إعادة توجيه الأزمة إلى أرضية أسمى، هي الوطنية والتنافس الإقليمي. ولكن بعد انصراف الأضواء الإعلامية إلى شيء آخر، أصبح استمرار الجدل غير مجد. ومن هنا جاءت استراتيجية الصمت.
والأهم من ذلك، وبعيدا عن هذه الحسابات الضيقة، فإن مناورة « شرقي » ليست استثنائية بالنسبة للمغرب وفرنسا. فالمناورة تندرج في إطار برنامج حافل للتعاون العسكري. ونشير على سبيل المثال إلى مناورات «العقرب» في بنكرير. هذه المناورات المنتظمة جزء من شراكة استراتيجية طويلة الأمد، متجذرة في ميادين التكوين وقابلية التشغيل البيني والاستعداد المشترك للتحديات الأمنية، لا سيما في منطقة الساحل. وبذلك، يعزز المغرب مكانته كلاعب إقليمي موثوق ومهني. من جانبها، تحافظ فرنسا على موطئ قدم عملياتي في منطقة محورية بعد انسحابها من الساحل. ولا يوجد في كل ذلك، موضوعيا، ما يثير صرخات الغضب والاستنكار التي يطلقها النظام الجزائري.
في الحقيقة، يثير النظام الجزائري ضجة من أجل لا شيء. الجزائر، بتعبيرها عن غضبها قبل الأوان، ثم التزامها الصمت أمام الأمر الواقع، تكشف عن قصور دبلوماسيتها وعبثية ردود أفعالها الهستيرية. تجري مناورات « شرقي 2025 » في أجواء هادئة. أما رياح الشرق فقد توقفت فجأة.





















