حصيلة تبون: عندما تتحفنا وكالة الأنباء الجزائرية بقصاصة حبلى بالأكاذيب والحقائق المغلوطة

Le président algérien Abdelmadjid Tebboune.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. DR

في 06/03/2024 على الساعة 21:08

في محاولة يائسة لتلميع صورة رئيس الدولة الجزائرية ومحو قائمة إخفاقاته الثقيلة، تتحفنا وكالة الإعلام الجزائرية بلؤلؤة حقيقية، حيث يتم تقديم تقهقر الجزائر كعلامة على العظمة، وعزلتها كدليل على الاستقلالية، وفقرها كمؤشر على السيادة. شيء لا يصدق.


هذه المرة، تجاوزت وكالة الإعلام الجزائرية الرسمية والبوق الدعائي للنظام القائم كل الحدود. ماذا قدمت لقرائها؟ لؤلؤة حقيقية. قصاصة قصيرة إلى حد ما، لكنها تحبل بالكثير من الأكاذيب والحقائق المغلوطة عن حصيلة « عهد » الرئيس عبد المجيد تبون. حصيلة مليء بالإخفاقات المتكررة على كافة الجبهات، ومنها تخرج الجزائر (أو لا تخرج) أضعف من أي وقت مضى. وكالة الأنباء الجزائرية لا يهمها هذا الأمر، والعزلة التامة التي تعاني منها البلاد على الساحة الدولية، يتم تقديمها، بدءا من العنوان، على أن الأمر يتعلق بـ »استقلال استراتيجي ». إنه لأمر رائع حقا. بالمعنى الحرفي والمجازي معا. المقصود من هذا التمرين هو تقديم ملخص لكل « انتصارات الجزائر »، على نفسها وعلى الآخرين، وكذا الرؤية « الاستباقية » وبعيدة النظر لرئيس سابق لعصره.

منذ البداية، تخبرنا القصاصة-الحصيلة (اللعنة، لم نكن نعرف ذلك) أن الجزائر قد عادت إلى الواجهة: هذا التأكيد الذي غالبا ما يلوح به، لم يكتس كل معناه الا في سنوات رئاسة تبون. ومع مرور الأشهر تمكنت الجزائر من إعلاء صوتها وأضحت دبلوماسيتها أكثر قوة واقتراحها الدولي أكثر تأثيرا ». المتعة ستكون مضمونة بلا شك. لكن الأمر كله يتعلق بمعرفة أين ومتى تم سماع هذا « الصوت » بالضبط وما هو بالضبط هذا « الاقتراح الدولي ». هل عندما تم سحب بساط رئاسة الجامعة العربية من تحت قدميها على يد السعودية؟ أو عندما سحبت مالي والنيجر والعديد من الدول الأخرى رسميا منها أي دور في منطقة الساحل؟ أو عندما أُعلن أن مشروع عهد عبد المجيد تبون، وهو الدخول إلى مجموعة بريكس، قد ولد ميتا؟ أو بالأحرى عندما خسرت الجزائر كل أوراقها أمام إسبانيا وأهدرت نهائيا كل ريع ذاكرتها أمام فرنسا؟ أو ربما حتى عندما تقوم روسيا والصين، « حليفاها » اللتان أدارتا ظهورهما لها بشكل نهائي، بأنشطة أكثر أهمية بكثير من خلال الرهان على البلدان التي لها « ثقل ونفوذ »، على حد تعبير رئيس الدبلوماسية الروسية ذو الشخصية الكاريزمية؟ آه، ولكن لا تزال هناك الموزمبيق وسيراليون لإرشائهما من أجل إنشاء جبهة إفريقية مناهضة للمغرب في مجلس الأمن. وهو العداء الذي يمثل السياسة الخارجية وحتى الداخلية الوحيدة للنظام.

ويستنجد الجزائر بإبراهيم رئيسي، رئيس إيران، الدولة المعزولة أيضا على الصعيد الدولي، وتفرش له السجادة الحمراء، وسجادة الصلاة في المسجد الكبير بالجزائر العاصمة، وتوقع معه على اتفاقيات وهمية وعنصرها الوحيد الملموس هو فتح البلاد بأكملها أمام التوسع الشيعي. وهذا ما يسمى التعاون الثقافي. ويبدو أن ملالي إيران، الاستراتيجيون الجيدون، مبتهجون لكل ذلك. نظرة عامة صغيرة:

في « البلد الذي يسير بالمقلوب »، وفق التعبير المناسب لمؤلفي كتاب « الداء الجزائري »، فإن هذه العزلة لها اسم: « العودة إلى الواجهة ». نحن في خضم الخيال العلمي. « الجزائر العائدة إلى الواجهة هي جزائر تزعج. هذا التأكيد صحيح هو الآخر فالاثنان ملازمان لبعضهما البعض »، هكذا ما كتبته وكالة الأنباء الجزائرية. ونقوم بتصفية الحسابات مع « النظام القديم » الذي كان يتباهى بوهم القوة على مدار عقدين من الزمن. « إن الواقع المؤلم لموازين القوى الدولية لم يكن في صالح ظهور جزائر مسموعة وذات حضور ووطنية لدرجة أن الجزائر فقدت نفوذها وأصبحت مجرد نمر من ورق ». بجب الاعتراف بأنها مكتوبة بشكل جيد. لكن هناك سؤال واحد: ما الذي تغير منذ ذلك الحين؟ لا شيء على الاطلاق.

الجزائر الجديدة لتبون تتبنى أسلوب « القطيعة »

تعترف وكالة الأنباء الجزائرية بسهولة أن الجزائر الجديدة تبنت في عهد تبون أسلوب « القطيعة » وأن مواقف الرئيس أصبحت « انفعالية وعصبية »، دون الاكتراث بـ »ماذا سيقوله الآخرون؟ ». هذا عظيم، ولكن لماذا؟ لكي يكون « ثابتا على المبادئ وشجاعا في مواقفه وبراغماتيا في أعماله ». حسنا هذا جيد، ولكن ما النتيجة على أرض الواقع؟ لا شيء على الإطلاق. وهكذا تعترف الوكالة قائلة: « من خلال محاولة إرضاء القوى الغربية والشرقية، لم تحصل الجزائر على استثمارات أجنبية مباشرة ولا على التزامات ولا على الاعتراف ولا على تحالفات استراتيجية ولا حتى على الاحترام الذي تستحقه كأمة ». حسنا، ماذا قدمت السياسة « الاستباقية » للرئيس عبد المجيد تبون؟ مرة أخرى لا شيء على الإطلاق، فلم تتحقق الاستثمارات الأجنبية الموعودة ولم تحصل الجزائر على التزامات ولا على اعتراف ولا على تحالفات... ولا حتى على احترام.

هذا رائع. ولكنه خاطئ. إن أكثر المتملقين هو عبد المجيد تبون نفسه. إن خنوعه لفلاديمير بوتين، الذي يوصف بأنه « صديق الإنسانية »، أو للرئيس الصيني، على أمل يائس في الحصول على دعمهم للانضمام إلى مجموعة البريكس، لا يزال يتذكره الجميع. والأدهى من ذلك هو أنه لم يجن بتملقه أي شيء كمقابل. فلم الحديث إذن عن « عودة الجزائر إلى الواجهة »...

إن الجزائر الجديدة أكثر تصميما على تأكيد قوتها، و »استعراض عضلاتها ». وهناك أدلة على ذلك. وتستشهد وكالة الأنباء الجزائرية بالقمة العربية التي نظمت في الجزائر العاصمة، والتي شكلت فشلا ذريعا مع عشاء لا ينسى في فندق شيراتون، ومنتدى دولي للغاز، بالنسبة لأولئك الذين لم يكونوا على علم بذلك، لأنه مر دون أن ينتبه إليه أحد. مرورا بطبيعة الحال بالعديد من الأحداث الدولية. قمة دولية لوضع حد للتغيرات المناخية؟ اجتماع لإنهاء الجوع والحرب في العالم؟ كأس عالم للأخوة العالمية؟ لكن لا. في الجزائر، يتم الاكتفاء فقط بالألعاب المتوسطية التي عادت منها العديد من الوفود وهي تشعر بالاشمئزاز من سوء التنظيم، وكذلك كأس أفريقيا...للاعبين المحليين، مع رافق ذلك من ارتجال وتصرفات ساقطة وأعمال عنصرية. « كانت كل هذه المراحل محطات من اجل إعادة الجزائر على خارطة العالم »، كما كتبت الوكالة. نتلهف لمعرفة البقية.

أخطاء بخصوص مؤلفين

عندما تفقد الجزائر نفوذها الضئيل في المنطقة، تقول وكالة الأنباء الجزائرية إن « الجزائر استعادت الجزائر فضاءها الحيوي » وأن رئيسها « قبل بالاختلال في التوازن لفرض رؤيته ». ولإبراز ثقافتها، تستشهد الوكالة الجزائرية في قصاصتها بـ »روائية مغربية » التي تقول إن « الدبلوماسية تفشل دائما عندما يكون ميزان القوى متوازنا. لم نر أبدا الأقوى يقبل الاقتراحات الدبلوماسية للآخر ». ويييه ! لكن من هي هذه الروائية؟ بعد التحقق، وستعذرنا وكالة الأنباء الجزائرية، إنها موريل باربيري، مؤلفة الكتاب الرائع « أناقة القنفذ »، الذي صدر عام 2006 وبيع منه مليون نسخة حتى الآن. موريل باربيري، المولودة في الدار البيضاء، هي فرنسية. على سبيل المزحة، سنقول إنه لا يوجد أحد مثالي.

وبطبيعة الحال، إذا تم الإعلاء من الوحشية، فذلك لأن الأعداء موجودون في كل مكان. فهناك « أنصار الجمود داخليا، تلك اللوبيات ومجموعات الضغط التي لا تريد رؤية انطلاق أو استكمال أي مشروع ونجاح أي إصلاح وإحداث أي تغيير وبعث أي ديناميكية ». ومن الواضح أن هناك التيار السائد الذي يحمي « الكيان الصهيوني ». وفي الجزائر، « أضحى أن تكون قويا إلا مع الأقوياء عقيدة عن قناعة ». جملة تستحق فعلا التصفيق! ماهي الطريقة؟ « لصمود داخل الأمم المتحدة أمام أولئك الذين يطلبون منا الصمت -لمصلحتنا الخاصة- هو فعل تحد للدبلوماسية غير المتماثلة ». بشاخ ! ولكن متى، وكيف ومن طرف من؟ طالما أن وكالة الانباء الجزائرية تجيب، فذلك صحيح. نقطة. وكذلك من خلال « دفع حدود الممكن في العلاقات الدولية وهو ما يتطلب مرونة وشجاعة كبيرة ». وهنا مرة أخرى، هناك خطأ. تحدث ستيف جوبز، مؤسس شركة أبل الشهير، والذي استشهدت بجملته، بالأحرى عن « مجال تشويه الواقع »، أي تأثيره على الأشخاص الذين يلتقيهم (مستخدمون أو زبناء أو موردون أو صحفيون) والذين يجعلهم يرون الواقع من خلال عيون جوبز. عبد المجيد تبون هو آيفون الرؤساء. لكن كتبته عليهم يعيدوا النظر في كلاسيكياتهم، وبالتالي، القيام بتحيين معلوماتهم.

لكن لنكن مطمئنين، فإن عمي تبون هو رجل لطيف في أعماقه. إنه له قلب رقيق وإن بدا غليظا. فاللوم كل اللوم يقع على الظروف والأعداء. « وخلاصة القول أن الرئيس تبون لم يبحث أبدا عن البريستيج الدولي بل لديه هدف واحد أو بالأحرى مؤشر وحيد قد بدأ يظهر الآن للعيان ألا وهو استقلالية الجزائر الاستراتيجية »، توضح الوكالة الجزائرية. عبد المجيد تبون أُسيء فهمه: « فدبلوماسيته الرئاسية لم تفهم في جوهرها ولا حتى في رؤيتها على المدى الطويل ».

تبعية تامة.. باسم الاستقلالية

ثم تنطق بالكلمة المفتاح: الاستقلالية. السيادة المطلقة. قالها العم تبون في بداية ولايته الأولى: « من لديه دينار فليأت ليأخذه ». إنه تعريف للتماسك. ثابت في المبادئ. ويتجلى هذا السعي من أجل الاستقلال الاستراتيجي، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الجزائرية، في الطاقة والغذاء والماء والجيش والصناعة والبنية التحتية. « في عالم غير مستقر، لا توجد أي دولة في مأمن من الزوال حتى وإن كان لها دستور وراية وحدود »، تلخص الوكالة. لكن ماذا عن دولة وهمية لا دستور لها، ولا حدود لها، ولا أرض لها، ولا شعب لها، وهي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الوهمية؟

لكن ما هي الأكذوبة التي ما زال عبد المجيد تبون يحاول إقناع الجزائريين بها؟ ماذا يحدث عندما تستورد الجزائر حتى منتجات النفط والغاز المكررة؟ عار على بلد غني بهذه المادة. أما المنتجات الغذائية، فلا يمكن الحديث عنها. الجزائر تستورد كل شيء بسعر مرتفع جدا. مشاهد طوابير لا تنتهي لشراء كيس حليب أو كيس طحين أو كيلو حمص. لدرجة أن الرئيس يقضي وقته في وضع مبادرات استراتيجية للغاية على الطاولة... لتزويد البلاد بالعدس واللوبيا. وفضلا عن ذلك، فهو يلقب بـ »مول الهري » في غرب الجزائر. ومع ما يحدث، سوف نتعرف على صفة واحدة على الأقل لدى الجزائريين: روح الدعابة.

عندما تتحدث عن الاستقلالية في قطاع المياه، فإن وكالة الأنباء الجزائرية تشير بالتأكيد إلى انقطاع المياه لمدة يومين من كل ثلاثة في مدن كبرى مثل وهران، أو تلك المسجلة لساعات في عدة مناطق بالعاصمة الجزائر. تم تحويل المدن الصغيرة إلى العصر الحجري في هذا المجال.

ولا شك أن هناك السيادة العسكرية لـ »القوة الضاربة ». إلا أن الجزائر تستورد كل شيء ولا تنتج شيئا. وبما أن مورده الروسي لم يعد في عجلة من أمره لبيع الأسلحة أو الذخيرة له، فقد قام قائد الجيش الشعبي الوطني، سعيد شنقريحة، بجولة في معارض الأسلحة على أمل الحصول على الإمدادات. دون نجاح كبير.

في بلد التصنيع، الجزائر ليس لديها شيء. مصنع فيات الشهير، الذي تم التطبيل له، ونفته رئيسة الحكومة الإيطالية، ينتج سيارات... لا تنقصها حتى العجلات، كما كان الحال في زمن محيي الدين طحكوت. أما فيما يتعلق بالبنية التحتية، فيفضل عبد المجيد تبون عدم التطرق إلى البناء الضروري للبلاد، بل إلى المشاريع الوهمية التي لا مستقبل لها، مثل طريق تندوف-الزويرات، الذي تم افتتاحه مرتين وليس مرة واحدة، في 2018 و2024، لكنه يظل مشروعا غير قابل للتحقيق.

الواقع الجزائري هو فيلم وثائقي يخشاه النظام بشدة، ويعدنا بمنحنا لمحة (حقيقية). دعونا نسمي « سأنام في مكانك »، برنامج تلفزيوني فرنسي مذهل يقدمه أنطوان دو ماكسيمي، الذي زار الجزائر مؤخرا. تحكي مقتطفات من البرنامج، المتوفر على موقع يوتيوب، الكثير عن حالة الفقر المدقع في بلد من المفترض أن يكون إمارات المنطقة المغاربية. إنه أمر محزن ببساطة.

وبعيدا عن هذه الأمثلة التافهة، فإن كل شيء على ما يرام في البلد التي تسير فيه الأمور بالمقلوب. « لا يمكن لأي شعب أن يضمن بقاءه ككيان وهو عاجز عن الحصول على غذائه ومائه وانجاز موانئه وسككه الحديدية واستخراج معادنه والدفاع عن نفسه وتفجير قدراته الإبداعية. وعليه، فإن الحركية الدبلوماسية للرئيس تبون لم يشجعها سوى هذه الارادة القوية في صون الشعب الجزائري والدولة الجزائرية »، هذا ما كتبته الوكالة فيما يشبه المنشور الانتخابي ووصية نظام محتضر. بين الكلمات المعسولة والواقع المحزن، يجب انتظار الطوفان.

والأخطر من ذلك هو أن هذه الوصية التبونية يجب النظر إليها من زاوية التحليل النفسي. إن التصرفات الهستيرية للرئيس الجزائري والتي يمكن أن تتطور إلى صراع مسلح على أربع حدود للجزائر على الأقل، والعزلة التي فرضت على البلاد، فضلا عن دهشة الممثليات الأجنبية، أدت إلى هذا الاعتراف المذهل. لكن عبد المجيد تبون، المتكئ على الأريكة، يبحث عن معالج يحول الأفعال الفاشلة إلى نجاحات.

وهذه هي ميزة هذه القصاصة التي نقدمها هنا كاملة، كدليل واضح على الأمراض العصية على الشفاء لنظام يحتضر.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 06/03/2024 على الساعة 21:08