في مقال نشر على الصفحة الأولى لجريدتها، وفيما بعد على موقعها الإلكتروني، رحبت الخبر بما أسمته « الموقف التاريخي للعربية السعودية اتجاه الجزائر ».
وراء هذا العنوان الطنان، نكتشف « الحدث » التي تتحدث عنه، والذي لا يتعلق إلا بزيارة مزعومة قام بها عبد الله بن ناصر البصيري، سفير المملكة العربية السعودية بالجزائر، إلى إقامة الجنرال المتقاعد خالد نزار.
استنادا إلى « مصدر مطلع جدا »، أوضحت الخبر أن هذه الزيارة تأتي في ظل الصراع بين الجزائر وبيرن، بعد قرار السلطات القضائية السويسرية بمتابعة خالد نزار من أجل تهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهي الجرائم التي ارتكبت خلال العشرية السوداء ما بين 1991 و2001، والتي أفجعت الجزائر وأودت بحياة أكثر من 200 ألف ضحية.
بالنسبة للديبلوماسية الجزائرية التي لا تملك أي مكسب خيالي للتباهي به والتي تتلقى النكسات الديبلوماسية الواحدة تلو الأخرى، هذه الزيارة إلى إقامة خالد نزار قدمت على أنها دعم سعودي للنظام الجزائري، الذي لوح، منذ أسبوع، بالعقوبات ضد سويسرا. كما أنها قدمت على أنها نوع من اعتراف بالذنب من قبل العربية السعودية، التي اتهمها نزار في سنة 1991، حينما كان وزيرا للدفاع، بدعم الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المنحلة). وأوحت الجريدة أن الرياض تعترف بأن « الجزائر واجهت وحدها حربا بطولية ضد الإرهاب »، كما تدعي الدعاية المحلية، وبأن اتهامات بارتكاب جزائر الحرب وجرائم ضد الإنسانية الموجهة لخالد نزار وجنرالات آخرين في الجيش الجزائري غير مستندة على أي أساس.
ولإعطاء بعد آخر لهذا « الموقف التاريخي » للعربية السعودية، أوضحت صحيفة الخبر أن مصدرها أكد لها أن « زيارة البصيري لخالد نزار لقيت ارتياحا كبيرا من قبل الرئاسة الجزائرية، وتقديرا عاليا يعكس احترام المملكة العربية السعودية وقيادتها للجزائر ».
غير أنه لا نجد داخل هذا الثلاثي نزار-العربية السعودية-تبون إلا خلافات عميقة. بين تبون ونزار، الأمور ليست على ما يرام، كما أن العلاقات بين الرئيس الجزائري والرجل القوي حاليا في العربية السعودية، محمد بن سلمان، متدهورة بشكل كبير منذ سنوات.
بطبيعة الحال، تسريب هذه المعلومة التي نشرتها الخبر وضع خالد نزار في حرج كبير، مما دفعه إلى الإسراع في نفي أية زيارة للسفير السعودي له.
في التكذيب المقتضب الذي وجه إلى الخبر وصحيفة المساء الجزائرية (Le Soir d’Algérie)، وجد خالد نزار صعوبة في إخفاء امتعاضه وحيرته. في الجمل الثلاثة التي لا رابط بينها، قال إنه لم يلتق بالديبلوماسي السعودي، قبل أن يضيف أنه منذ تقاعده، « لم يعد له أي نشاط رسمي » وأنه « امتنع دائما عن التدخل في تدبير شؤون الدولة ». وختم بتقديم الشكر لأحمد عطاف، رئيس الديبلوماسية الجزائرية، الذي كلفه مؤخرا بتصعيد اللهجة ضد سويسرا.
من خلال هذا التكذيب، حاول نزار إخفاء شيئين اثنين، ولكنه لم يفلح.
من جهة، يحاول أن يتظاهر بأنه لا يطلب ضعوطات العربية السعودية، التي لها صوت مسموع لدى سويسرا، من أجل إلغاء المتابعات القضائية ضده من أجل ارتكاب تهم ثقيلة جدا، والتي قد تصل إلى قيادات حالية داخل الطغمة العسكرية الحاكمة، من بينها رئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة ومدير الاستخبارات الخارجية جبار مهنا. وهذا اللجوء إلى العربية السعودية من أجل تهدئة الأمور مع سويسرا هو يفسر ارتياح الرئاسة الجزائرية، ممثلة ليس في عبد المجيد تبون، ولكن في قادة « الدولة العميقة »، وهم كلهم متورطون في جرائم العشرية السوداء في الجزائر وشركاء خالد نزار في ارتكاب جرائمه.
ومن جانب آخر، من خلال إنكار زيارة سفير العربية السعودية إليه في مقر إقامته، من بين عدد كبير من الزوار الذين يتوافدون عليه، حاول نزار ألا يعطي مصداقية لما يقوله العديد من المراقبين من أنه مازال يمسك بخيوط السلطة وبأن المسؤولين عن جرائم العشرية السوداء هم الذين يسيرون حاليا الجزائر. الكل يعرف، سواء داخل الجزائر أو خارجها، أن خالد نزار ومحمد مدين المعروف باسم توفيق هما اللذين يسيران خيوط اللعبة السياسية في الجزائر منذ نهاية سنوات الثمانينات من القرن الماضي، باستثناء الفترة الممتدة من 2015 إلى 2020، الفترة التي فر فيها خالد نزار إلى إسبانيا وضع محمد مدين في السجن.
كما أن الحراك الشعبي لم يكن مخطئا عندما كان يرفع شعارات مركزية توجه أصبع الاتهام للجنرالين المتقاعدين خالد نزار وتوفيق. العشرية السوداء تلاحق أكثر من أي وقت مضى المسؤولين عنها. كل من يعتقد بأن هذا القوس الدموي أصبح جزءا من الماضي فهو واهم. فالعشرية السوداء ليست فقط موضوع الساعة، بل إن مستقبل الجزائر يرتبط بها.