منذ حوالي أسبوع والمدينة تعيش مواجهات متفرقة بين رجال الأمن بمختلف فئاتهم مع متظاهرين موالين لبوليساريو أو من بات يطلق عليهم "انفصاليو الداخل" أو "بوليساريو الداخل"، هذه المواجهات تتخذ طابعا عنيفا حينا، وأقل عنفا وحدة أحايين أخرى.
استفزاز
لا يتجاوز نطاق هذه المواجهات محيط حي معطى الله وشارع السمارة، حيث يفضل الموالون لبوليساريو النزول إلى الشارع في أوقات معينة لاستفزاز قوات الأمن، من خلال تحريض بعض الأطفال القاصرين والنساء لترديد الشعارات ورفع أعلام جمهورية الوهمية، منادين بتحقيق مصير شعب الصحراء، ونعت المغرب بالدولة المحتلة.
وفي مرات قليلة يعمد هؤلاء المتظاهرون، الذين لا يتجاوز عددهم، حسب روايات مسؤولين محليين بضع مئات، وفي روايات المنظمين ببضع عشرات المئات، إلى إحراق الإطارات المطاطية وإضرام النيران فيها، ورشق القوات العمومية بالزجاجات الحارقة، دون نسيان أن بعض الأطفال كثيرا ما يلجؤون إلى رشق قوات الأمن بالحجارة في محاولة لاستفزازهم. حجارة تستهدف رجال الأمن لكنها أحيانا تخطيء هدفها وتصيب المدنيين، هؤلاء غالبا ما يثيرهم الفضول للوقوف على ناصية الطريق لمشاهدة أطوار المواجهات.
سكون وحذر
في باقي أحياء المدينة يسود السكون والهدوء، ولا وجود إطلاقا لمثل هذه المناوشات أو المواجهات إلا عبر الأخبار التي تتناقلها الألسن بقليل من الاهتمام وكثير من التهويل والخوف أن تمتد إليها ذات يوم.
كان شارع مكة، وهو أحد الشوارع الرئيسية بالمدينة وقلبها النابض، يعيش حياة طبيعية، عشية الاثنين الماضي، المحلات التجارية بدأت في فتح أبوابها كعادتها، فقد جرت العادة أن يقفل التجار محلاتهم إلى ما بعد صلاة العصر، وهي عادة تسري على أغلب متاجر المدينة، والمقاهي المتراصة على طول الشارع تستقبل زبناءها، وحركة المرور مزدحمة في أغلب المقاطع، وفجأة سمع صفير سيارة إسعاف. البعض قاده الفضول إلى معرفة ما يجري والكثير بدا غير مبال بذلك.
ولم يعر المتعودون على مثل هذا الوضع أي اهتمام بالأمر، أسر إلى مرافقي الذي كان يجلس بجواري في المقهى "باينة غادي تشعل عاوتاني"، وقبل ان يتم حديثه ظهرت في الشارع كوكبة من سيارات القوات العمومية تتعقب سيارة الإسعاف، متجهة نحو ما بات يطلق عليه عموم السكان "بؤرة التوتر".
لم يكن اهتمام الناس العاديين بالتعزيزات الأمنية المتوجهة إلى حي معطى الله إلا من خلال عدد سيارات القوات المساعدة والأمن الوطنين فكلما كان عددها مرتفعا كان ذلك دليلا على قوة المواجهات، وكلما قل عددها فإن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مناوشات يشارك فيها بالكاد بضع عشرات الأطفال، وهي مناوشات استفزازية لا غير.
شارع السمارة
قادنا الفضول إلى التوجه نحو شارع السمارة الذي تتفرع منه الأزقة المؤدية إلى حي معطى الله، هناك كانت حركة المرور مزدحمة بكل كبير، وكان رجال الأمن يجدون صعوبة قصوى في تنظيمها، أما المارة فقد كانوا يتلمسون طريقهم بكل سهولة للوصول إلى مساكنهم، يتوقفون تارة لمعاينة مشهد طفل يحمل علما جمهورية البوليساريو يلوح به للحظات قبل أن يختفي بين الأزقة. أو لمتابعة رجال الأمن وهم يركضون خلف شاب رماهم بحجر، أو لمشاهدة جمع من النسوة وهن يرددن شعارات مؤيدة لبوليساريو.
ولحسن الحظ أن ذلك اليوم لم يعرف وقوع إصابات، رغم أن المتظاهرين قاموا برشق رجال الأمن بالحجارة، كادت إحداها أن تصيب أحد المارة.
الوالي يتحدث
وحسب والي الأمن بالعيون فإن الأحداث التي انطلقت منذ الخميس الماضي سجلت وقوع 70 جريحا في صفوف رجال الأمن، حالة اثنين منهم حرجة وتستدعي تدخلا طبيا عاجلا. ويتوقع المسؤول الأمني استمرار هذه المناوشات في الأيام المقبلة مقللا من خطورتها في الوقت نفسه، لأن الأمر لا يبعث على القلق إطلاقا، على حد تعبيره.
سكان العيون اعتادوا هذه المشاهد حتى غدوا يتحلقون عشية كل يوم عند مداخل الأزقة التي تعرف مثل هذه الاضطرابات شبه يومية، يتسارعون إلى الوقوف في الصفوف الأمامية كأنهم على موعد لمشاهدة حلقة من حلقات مسلسل لا ينتهي، همهم الوحيد الاحتماء بجدار أو بواقية متجر لتفادي إصابتهم بحجر قد يخطيء هدفه ويصيبهم.
وليست العيون وخدها التي تعيش مثل هذه الأحداث التي تفجرت في الأيام الأخيرة، والناتجة عن نجاح المغرب في التصدي لمقترح توسيع مهمة بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء إلى مراقبة حقوق الإنسان، بل شهدت مدينة السمارة أحداثا مماثلة، بينما يسود الهدوء المشوب بالحذر باقي مدن الجنوب.