أبان الرئيس الجزائري عبد المجيد مرة أخرى أنه لم يتغير، أي أن مستواه لا يليق بالوظيفة الرئاسية التي يتحملها منذ ثلاث سنوات. خلال خرجة إعلامية جديدة فيما أصبح يعرف بـ"اللقاء الدوري مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية"، تحدث مساء الخميس، ولكن دون أن يقول أي شيء ذي أهمية حول العديد من الموضوعات الداخلية والجهوية.
الانطباع الأول الذي يستشف من هذا الخرجة الإعلامية هو أن اسم المغرب يبدو الآن وكأنه من المحرمات لدى صحفيي القطب الإعلامي العمومي في الجزائر. وهكذا، وربما خوفا من الطرد كما وقع مع المدير العام السابق للتلفزيون العمومي الجزائري الذي تمت إزاحته لمجرد ذكر فوز المغرب على البرتغال في ربع نهائي مونديال قطر، سأل صحفي قناة الجزائر الدولية تبون عن أصداء وساطة بين الجزائر و"دولة أخرى". من الواضح أن الأمر تتعلق بالوساطة الوهمية المنسوبة إلى العاهل الأردني عبد الله الثاني بين الجزائر والمغرب، والتي قيل بأنها الهدف الرئيسي لزيارته الأخيرة إلى الجزائر، مع العلم أن ملك الأردن، مثله مثل العديد من القادة العرب البارزين، قاطعوا القمة العربية التي عقدت في الجزائر في نونبر الماضي دعما للمغرب.
ونفى الرئيس الجزائري أي وساطة بين الجزائر والرباط بعبارات أقل ما يقال عنها أنها ديماغوجية. وقال: "يجب أن نعرف شيئا واحدا، لو كانت هناك وساطة فالشعب الجزائري أولى بسماع المعلومة". ومع ذلك، فإن هذه الوساطة الوهمية، مثل سابقاتها، تم اختلاقها من قبل الطغمة العسكرية الجزائرية نفسها. فمصادر جزائرية هي التي "سربت" معلومات لصحيفة لافانغوارديا الإسبانية مفادها بأن الوساطة التي تقودها الأردن تهدف إلى إعادة فتح خط الغاز المغاربي-الأوروبي الذي أغلقته السلطات الجزائرية من جانب واحد منذ أكثر من عام، ويتلوها استئناف تدريجي للعلاقات الدبلوماسية بين الرباط والجزائر، والتي قطعتها الجزائر من جانب واحد في غشت 2021.
وصرح مصدر دبلوماسي مأذون لـLe360 أنه لا توجد وساطة بين المغرب والجزائر على جدول الأعمال، سواء كانت آتية من العاهل الأردني أو من أي جهة أخرى. وأوضح مصدر Le360 أن "الوساطة في تعريفها السياسي لا تتم دون موافقة مسبقة من الطرفين المعنيين". وأضاف: "ليس فقط أنه لا توجه مثل هذه المبادرة إلى المغرب، بل إن جميع الدول الشريكة للمملكة تعرف جيدًا أن الرباط تعتبر أنه لا حاجة إلى وسيط بين المغرب والجزائر"، مشيرا إلى أن الملك محمد السادس دعا باستمرار إلى حوار مباشر بين البلدين الجارين.
لذلك، وسيرا على خطى وزير خارجيته، ينفي الرئيس الجزائري وساطة اخترعها نظامه. يتساءل المرء إلى متى ستستمر هذه السلسلة اللامتناهية من الوساطات الوهمية في بلاد الطغمة العسكرية.
وفضلا عن ذلك، وفيما يتعلق بالعلاقات المغربية الجزائرية، فإن النظام الجزائري كان دائما يسير عكس تيار إرادة الشعب الجزائري. في الآونة الأخيرة، أظهر الأخير مرة أخرى تعلقه بالأخوة مع المغاربة، وذلك من خلال الإعراب بشكل كبير عن ابتهاجه بكل من إنجازات أسود الأطلس خلال المونديال الأخير الذي نظم في قطر. هذا الحدث لا يزال لم يتم هضمه من الطغمة الحاكمة. سأل الصحفيان تبون عن المونديال، لكن من زاوية عدم مشاركة الجزائر في هذه الكأس العالمية.
وكان رد الرئيس الجزائري، المصدوم للغاية، خارج السياق. وقال إنه يشعر "بخيبة أمل" شديدة لتغيب الجزائر عن بطولة كأس العالم التي تنظم لأول مرة في بلد عربي "قريب منا جدا"، لكن دون أن يهنئ ولو للحظة واحدة المغرب على مساره في المونديال، وهو المسار الذي مكن المغرب الكبير وإفريقيا والعالم العربي من تحقيق إنجاز تاريخي في تاريخ كرة القدم العالمية. ثم قال تبون كلمات تتجاوز اللعبة وكرة القدم وحتى كأس العالم. وعزا عدم مشاركة المنتخب الجزائري إلى "إرادة الله"، قائلا إن الله وحده يعلم لماذا لم تتأهل الجزائر إلى مونديال قطر. هذا هو التفسير الميتافيزيقي لعدم تأهل منتخب ثعالب الصحراء.
كما أظهر الرئيس الجزائري حالة الفصام التي يعاني منها الشيبانيون الذين يحكمون الجزائر من خلال تصوير نفسه كداعية لوحدة الوطن العربي، مستخدما عبارات حالمة للإشادة بكل المكاسب التي يمكن جنيها من توحيد الصفوف بين الدول العربية. يبدو أن تبون ينسى أنه يعمل مع الطغمة العسكرية الذي نصبته في الحكم لمنع التقارب بين شعوب الدول العربية، كما يتضح من إغلاق الحدود البرية والجوية مع جاره الغربي.
صحيح أن تبون لم يتطرق إلى ملف الصحراء المغربية في مقابلته يوم الخميس، لكنه أشار إلى "تشويش" بشأن خط أنابيب الغاز النيجيري-الجزائري، وهو منافس غير واقعي لخط أنابيب الغاز المغربي-النيجيري، على اعتبار أن الخط الأول لا يمكنه عبور مناطق شاسعة حيث يفرض الإرهابيون قانونهم.
وكعادته، انخرط الرئيس الجزائري في التلاعب بالأرقام الفلكية. فقد أعلن، بالإضافة إلى استرداد 20 مليار دولار من أموال الدولة المهربة، أنه في إطار المحاولات من أجل الحصول على عضوية بريكس، تخطط بلاده لزيادة صادراتها السنوية ورفعها إلى... 200 مليار دولار!
وألقى تبون باللائمة على أعضاء حكومته في الإخفاق في تنفيذ "برنامجه"، وتفاخر بأنه يتمتع بمزاج "طبيعي" يسمح له "بالسير بسرعة أعلى مقارنة بالآخرين". كل هذا الكلام يمكن تفسيره بأنه حملة سابقة لأوانها للترشح لولاية رئاسية ثانية. قامت بعض الجماعات في صفوف الجنرالات بالفعل بحث أبواقها الخاصة من أجل تشويه حصيلة تبون كرئيس. هل يعتبر الجنرالات أن اختيار تبون كان خطأ؟ بالنظر إلى الانتقادات التي بدأت تظهر في صفوف بعض اليوتوبرز المعروفين بأنهم أبواق الجيش، وحملة تبون المبكرة، فإن كل شيء يوحي بأن هناك مواجهة تلوح في الأفق بين الجنرالات والرئيس الحالي الذي لا يملك صفات رئيس دولة.
وخلال هذه المقابلة، ذرف تبون دموع التماسيح بسبب الوضع الاجتماعي السيء للجزائريين. وتساءل: "عندما يستيقظ المواطن في الخامسة صباحا بحثا عن كيس من الحليب، هل هذا خليق ببلد ينتج النفط؟". إنها الجملة الحكيمة الوحيدة التي برزت من خلال ثرثرته.