على الرغم من هزيمته يوم أمس في مباراته التي جمعته بفرنسا، سيبقى أسود الأطلس إلى الأبد أول فريق عربي وإفريقي يلعب في نصف نهائي كأس العالم. إنجاز ضخم يوجه ضربة قوية للنظام السياسي-العسكري الجزائري، الذي يمر حاليا بفترة ضغط لم يعشها من قبل، بسبب المسار غير المسبوق للمنتخب الوطني المغربي في أهم تظاهرة رياضية، مسار أشاد به الجميع في كل أنحاء العالم.
يواصل أسود الأطلس، رغم هزيمتهم الأولى الليلة الماضية في الدوحة، ملحمتهم البطولية. سيلعبون مرة أخرى يوم السبت المقبل في المباراة النهائية الصغيرة ضد كرواتيا، في محاولة لانتزاع مكان على منصة التتويج في كأس العالم. لم تنته معاناة النظام الجزائري بعد، كما تظهره وسائل الإعلام الموالية له، التي تجنبت مرة أخرى ذكر اسم المغرب، لأنها تعرف جيدا أن هزيمته أمام فرنسا له في الحقيقة طعم النصر العظيم.
وهكذا، انتشى الموقع الجزائري "ألجيري الآن" (algeriemaintenant)، وعنون مقاله "فرنسا ستواجه الأرجنتين في نهائي كأس العالم"، بينما ذهب موقع الشروق أونلاين إلى أبعد من ذلك عندما عنون مقالا له: "نهائي تاريخي بين فرنسا والأرجنتين"...
أما بالنسبة للتلفزيون الجزائري العمومي، والذي أقيل مديره العام في نهاية الأسبوع الماضي بسبب إشارته إلى مباراة المغرب والبرتغال، فقد التزم مقدموه الصمت هذه المرة، ونفس الأمر بالنسبة لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.
لكن هل من المفارقة حقا أن يدعم النظام الجزائري المنتخب الفرنسي وليس المنتخب المغربي؟ كلا، سيرد مناضلو الحراك الشعبي الجزائري، الذين لطالما اعتبروا الجنرالات الذين يحكمونهم بقبضة من حديد استمرارا للسياسة الاستعمارية، من خلال فرض دكتاتورية دموية استمرت منذ عام 1962.
ربما المفارقة هي أنه على الرغم من كل الدعاية والخطابات حول الاستعمار و"الذاكرة" التي يواصل هذا النظام الترويج لها من خلال ذرف دموع التماسيح على ملايين الشهداء الذين لا يعرف عددهم بالضبط، والتي غالبا ما يضخمها بإعلانه عن أرقام خيالية، فإن كراهيته للمغرب هي التي يظهرها في وضح النهار.
كراهية تزداد شدة إلى درجة أن النظام الجزائري ينتهك أحد مقدسات البلاد، إذ أن النشيد الوطني الجزائري يحتفظ بمقطع معادي لفرنسا التي يدعمها اليوم. يقول المقطع:
"يا فرنسا قد مضى وقت العتاب
وطويناه كما يطوى الكتاب
يا فرنسا إن ذا يوم الحساب
فاستعدي وخذي منا الجواب".
مما لا شك فيه أن نشيد الأخوة ردد أمس، في بداية المباراة بين المغرب وفرنسا، في جميع البيوت والمقاهي الجزائرية، دعما لأسود الأطلس. لأن الشعب الجزائري ليس جاحدا بخلاف نظامهم الذي يخنقه ويقمعه. ويتذكر دائما أنه خلال فوز ثعالب الصحراء بكأس إفريقيا للأمم 2019 بالقاهرة، ابتهج المغاربة بعد دعمهم للجزائريين حتى النهاية.
كما لم ينس الشعب الجزائري رسالة التهنئة الحارة التي بعث بها الملك محمد السادس عبر الرئيس الجزائري المؤقت آنذاك الراحل عبد القادر بن صالح عقب تتويج المنتخب الجزائري.
وعلى الرغم من كل الدعاية للقومية العربية التي يتبجح بها النظام الجزائري ودعوته لرص الصف العربي وتجاوز كل الخلافات التي تمزق أعضاء جامعة الدول العربية، وهي المنظمة التي تترأسها الجزائر حاليا، إلا أن الرئيس عبد المجيد تبون لم يبعث، خلافا لنظرائه الأفارقة والعرب والآسيويين والأوروبيين والأمريكيين وغيرهم، رسالة إلى الديوان الملكي يهنئ فيها ملك المغرب والشعب المغربي على الإنجاز التاريخي لأسود الأطلس الذين سطروه بمداد من الذهب في مونديال قطر.
بمثل هذا الموقف البغيض، تكشف الجزائر عن وجهها الحقيقي وتغوص أكثر في عزلتها، التي لم تعد إقليمية أو قارية فحسب، بل أصبحت عالمية.