نفت وزارة الدفاع الجزائرية، في بيان صحفي تلي مساء الاثنين 28 نونبر على التلفزيون العمومي وتناقلته عدد من وسائل الإعلام المحلية، تنظيم أي "تمرين تكتيكي مشترك جزائري- روسي جنوبي البلاد"، قبل أن تضيف أن "التمرين التكتيكي المشترك الذي كان مبرمجا ضمن نشاطات التعاون مع الجيش الروسي في إطار مكافحة الإرهاب لم يتم إجراؤه".
هل يتعلق الأمر بتكذيب أم بإلغاء صريح؟ ولماذا الانتظار حتى اليوم الذي كان من المفترض أن ينتهي فيه هذا التمرين للإعلان عن عدم إجرائه؟
ومع ذلك، فإن النظام الجزائري هو نفسه الذي سوّق إعلاميا لهذه المناورات العسكرية بشكل مبالغ فيه منذ إعلانها في الربيع الماضي من قبل وكالة سبوتنيك الروسية. وهذا النظام نفسه هو الذي يتهم الآن الصحافة الدولية بنشر معلومات كاذبة.
"العديد من وسائل الإعلام الدولية تناولت مؤخرا معلومات مفادها تنفيذ تمرين تكتيكي مشترك جزائري روسي جنوب البلاد"، بحسب ما أكدته الطغمة العسكرية الجزائرية متناسية أن صحافتها المحلية نشرت هي الأخرى هذه المعلومات.
بل إن الطغمة العسكرية الجزائرية أعلنت أن "جميع التمارين العسكرية مع الجانب الروسي أو مع أي شريك آخر يتم الإعلان عنها من قبل وزارة الدفاع الوطني". وهكذا تم تكذيب وحتى التضحية على مذبح أكاذيب النظام الجزائري بسبوتنيك، الوكالة الروسية الرسمية الأولى التي أعلنت في 5 أبريل 2022 عن برمجة المناورات الروسية الجزائرية في بشار، وكذلك المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا التي سارعت للتأكيد على أن هذه المناورات، رغم أنها تجرى على الحدود المغربية، "لا تستهدف أي دولة أخرى".
وأخيرا، فإن الخوف من الدول الغربية هو الذي أجبر النظام الجزائري على تكذيب نفسه وحلفائه الروس. في الواقع، هذا التخبط الذي يكشف حيرة النظام الجزائري وافتقاره للرؤية الواضحة، مرتبط بالتهديدات بفرض عقوبات من قبل الدول الغربية على هذا النظام الذي وصفه وزير سابق في عهد بوتفليقة بأنه "نظام مجرم".
نتذكر أنه منذ شتنبر الماضي، طلب العشرات من أعضاء الكونجرس الأمريكي من وزارة الخارجية وضع الجزائر على قائمة "أعداء الولايات المتحدة". فقد طالب نحو ثلاثين من أعضاء الكونجرس الأمريكي، بقيادة السيناتور ماركو روبيو والنائبة ليزا ماكلين، وزير الخارجية أنطوني بلينكين بفرض عقوبات بموجب الصلاحيات التي فوضها له الرئيس الأمريكي، ضد الجزائر، من خلال تفعيل "قانون مكافحة أعداء أمريكا". والواقع أن الجزائر متهمة بتمويل، من خلال مشترياتها الضخمة للأسلحة الروسية، الحرب التي بدأتها في بداية هذا العام موسكو في أوكرانيا.
في 16 نونبر، تصرف نحو عشرين من أعضاء البرلمان الأوروبي بالطريقة نفسها، وطالبوا أعلى سلطات الاتحاد الأوروبي بمراجعة اتفاقيات الشراكة التي تربط الاتحاد الأوربي بالجزائر، وذلك بسبب دعمها للدعم الذي تقدمه لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. تم إرسال رسالة بهذا الصدد إلى رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، وإلى المفوض المسؤول عن الدبلوماسية الأوروبية، جوزيب بوريل.
كيف سيكون رد فعل الحليف الروسي بعد رفض أحد زبنائه الثلاثة الأوائل من حيث التسلح في العالم لهذه المناورات العسكرية؟ ومن المرجح جدا أن تهدئ الطغمة العسكرية الجزائرية غضب موسكو الحتمي، وسيدفع ثمنا باهظا من خلال شراء المزيد من الأسلحة الروسية.
المناورات العسكرية التي أُلغيت في بشار، كان من المفترض أن تكمل تمرينين أخريين أجرتهما روسيا والجزائر في عام 2022. يتعلق الأمر بمناورات فوستوك 2022 العسكرية، التي شاركت فيها الجزائر في شرق روسيا، والمناورات البحرية التي تم تنظيمها بشكل مشترك في أكتوبر 2022 قبالة سواحل الجزائر.
أثارت هذه المناورات العسكرية، إلى جانب الشراء الهائل للأسلحة الروسية من قبل الجيش الجزائري والارتفاع الصاروخي في ميزانيته العسكرية التي وصلت في عام 2023 إلى 23 مليار دولار، مخاوف في منطقة البحر الأبيض. حتى أن بعض وسائل الإعلام الفرنسية أشارت إلى أن المغرب كان مستهدفا بشكل واضح من خلال هذه المناورات العسكرية، وخاصة تلك التي كانت مقررة في بشار، على بعد حوالي 50 كيلومترا من حدوده مع الجزائر.
وكتبت صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" في 14 نونبر 2022: "من المثير للغاية أن الجزائريين اختاروا بشار، بحسب تعليق ضابط كبير في بلد متوسطي".
من الواضح أن النظام الجزائري قد أدرك خطأه وألغى بكل بساطة المناورات التي أشادت بها جميع وسائل الإعلام منذ عدة أشهر. دليل آخر على أن سفينة النظام تسير على غير هدى.