إنه "جيمي" كما يطلق عليه أصدقاؤه، الذي يحلم بجزائر كبيرة آمنة ومتضامنة، وكان ينشر الحب والجمال في كل مكان.
جمال الإنسان هاله مشهد الحرائق التي اشتعلت بمنطقة الأربعاء "ناث إيراثن" بولاية تيزي وزو، فتوجه إلى هذه المنطقة عاري الصدر يحمل حقيبته على ظهره متضامنا مع أهالي المنطقة، حيث أكد، في تصريح لقناة "أوراس" بعدما قطع مسافة تزيد عن مئتي كلم، قائلا: "بهذه المناسبة الأليمة التي تعيشها منطقة القبائل، أهلنا وخاوتنا وأولادنا، رحم الله جميع الموتى وعزائي لجميع الفريق الذي معنا، وصلت أمس ليلا ولم أنم للوقوف إلى جانب إخوتي، لقد أعطوني درسا في التضامن والشجاعة والقوة...".
فجأة وبدون، مقدمات ألقي القبض على جمال من طرف شرطة الجزائر، التي اتهمته بإضرام النار، وتقوم بعد ذلك بتسليمه إلى مجموعة من الأشخاص، ويتم حرقه أمام أعين الجميع!! في مشهد هز ضمير البشرية، حيث قدم من طرف قوى الشر قربانا لآلهة النار متوخين من ذلك مآرب أخرى...
مباشرة بعد هذا المشهد الوحشي، أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني في الجزائر أن "شبكة مختصة في الإجرام تقف وراء مخطط تصفية الشاب جمال بن اسماعيل، للاشتباه في تورطه بحرق غابات بولاية تيزي وزو شرقي الجزائر"، وحسب السلطات الجزائرية فإن معظم الحرائق التي اندلعت في الجزائر مفتعلة ومدبرة وأن المسؤولية تقع على عاتق حركتي "رشاد" و"الماك" وأن جهات خارجية تقف وراء هذه الحرائق.
في المقابل انتقد نشطاء وخبراء جزائريون تضارب الرواية الرسمية للسلطات الجزائرية بشأن أسباب الحرائق وخلفيات جريمة مقتل وحرق الشاب الجزائري جمال بن اسماعيل، حيث خرج الناشط الجزائري المقيم في فرنسا، هشام عبود، بتصريحات وصفت بـ"الخطيرة" في مقطع فيديو متداول على يوتيوب وأشار إلى هوية أحد الموقوفين المتهمين في مقتل الشاب جمال بن اسماعيل، والذين عرضت اعترافاتهم على التلفزيون الجزائري، وقال إنه نفس الشخص الذي يعمل في حديقة منزل الجنرال المتقاعد خالد نزار، وعرض عبود صورا من الحساب الشخصي في فيسبوك للمتهم يثبت من خلالها هويته الحقيقية، واتهم الناشط الجزائري الجنرال خالد نزار ومن معه بالتورط في حرق الغابات وبجريمة مقتل وحرق الشاب جمال بن اسماعيل.
في نفس السياق، نجد أن الصحفي الاستقصائي الجزائري أمير ديزاد كشف النقاب على عدة ملفات ومستندات تخص سياسيين وجنرالات عسكريين في الجزائر، وكشف عن معطيات تخالف الروايات الرسمية للسلطات الجزائرية، حيث قال: "كفى من الكذب على الشعب... ماحدث هو صراع الأجهزة والمخابرات وكلاهما يتحمل المسؤولية... من تم توقيفهم هم مشاركون في الجريمة، المجرم الحقيقي، العقل المدبر للجريمة هم الجنرالات وهم لازالوا طلقاء..."، كما ذكر الصحفي الجزائري بعض من اعتبرهم متورطين في إشعال الحرائق وفي جريمة مقتل جمال بن اسماعيل.
من جانبه، أدان العضو المؤسس في حركة "رشاد" والمعارض الديبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت، في بث مباشر نشره عبر صفحته الخاصة على فيسبوك، جريمة مقتل الشاب جمال وكذا الحرائق التي طالت البلاد، حيث أشار إلى من وصفهم بـ"العصابات" واتهمهم بالوقوف خلفها وقال: "هي عملية منظمة يقصد بها ضرب مجموعة من العصافير(...) الإلهاء عن قضية المياه والفقر في الصحراء من جهة، ومن جهة أخرى مقتل شاب عربي في منطقة القبائل في إشارة إلى زرع الفتنة(...).
هكذا أصبحنا أمام جدل كبير حول ظروف مقتل جمال بن اسماعيل لدرجة أن الجزائر سيطرت على الحرائق، غير أن الجدل بشأن خلفيات هذه الحرائق، وبشأن الشهيد، لم يخمد بعد.
ثمة سؤال كبير يطرح: كيف تم إخراج الشهيد من سيارة الشرطة وتم إعدامه وحرق جثته وفصل رأسه عن جسده المتفحم..!؟ دون أن تتدخل الشرطة أو تطلق طلقات تحذيرية...!!
لقد أجابت عن ذلك محكمة الجنايات الابتدائية في هذا الأسبوع بالعاصمة الجزائرية ، حيث أنزلت عقوبة الإعدام بحق 49 متهما من شباب القبائل في جريمة القتل الجماعي للفنان جمال بن اسماعيل بتهمة إحراق مواطن والتمثيل بجريمته في منطقة القبائل.
لكن ثمة سؤال يطرح الآن بقوة، مامدى مصداقية هذه الأحكام؟ وهل من تحقيق دولي في هذه النازلة؟ تلك أسئلة ننتظر عنها إجابات مسؤولة من لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومن كافة المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية.
دم الشهيد جمال يسائلنا جميعا، وحده البحث عن الحقيقة يستطيع إنصاف الدم المغدور...