في ظل إمساك العسكر بزمام الحُكم في الجزائر فإن علاقاتها مع المغرب لن تكون طبيعية أبدا

الرئيس عبد المجيد تبون والجنرال سعيد شنقريحة

الرئيس عبد المجيد تبون والجنرال سعيد شنقريحة . DR

في 04/10/2022 على الساعة 19:00

لم تشهد العلاقات المغربية الجزائرية قط مثل هذه القطيعة الجذرية كما وقع في عهد "الجزائر الجديدة". هل وصلت هذه القطيعة إلى نقطة اللاعودة؟ لا، كما يقول الصحفي الطيب دكار، في كتابه الجديد، لكن بشرط أن تصبح الجزائر ديمقراطية وتقطع مع 60 عاما من حكم العسكر. قراءة.

في كتابه الجديد تحت عنوان: "الجزائر: عدم الاستقرار السياسي يطيل القطيعة مع المغرب" والصادر عن منشورات فكر، يستعرض الطيب دكار، المراسل السابق لوكالة المغرب العربي للأنباء في الجزائر، حصيلة العلاقات المغربية-الجزائرية ما بين 2019 و2022.

الكتاب هو في الواقع مجموعة من المقالات التي نشرها صحفي لاماب، بين 2019 وأبريل 2022. كتابات تتعلق بكل من مسارات الأزمة الجزائرية-الجزائرية، التي تولدت جراء محاولة فرض ولاية خامسة لعبد العزيز بوتفليقة، الذي كان مقعدا وطريح الفراش منذ عدة سنوات، ولكنها تتعلق أيضا بالعلاقات المغربية-الجزائرية، التي توجد اليوم في نفق مسدود.

© Copyright : DR

المدير السابق لمكتب لاماب في الجزائر من 1989 إلى 1995، ثم من 2002 إلى 2006، كان شاهد عيان على تطور الأحداث وخاصة أول تجربة ديمقراطية التي ولدت ميتة في الجزائر: دستور فبراير 1989 وترسيخ التعددية وفوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البلدية عام 1990 والحصول على المركز الأول في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في دجنبر 1991 وانقلاب الجنرالين خالد نزار ومحمد مدين المعروف باسم "توفيق" على هذه العملية في عام 1992، وهو الانقلاب الذي أدخل الجزائر في دوامة الحرب الأهلية أو العشرية السوداء... خلال هذه الفترة التي عرفت إجهاض المسلسل الديمقراطي في الجزائر، عرفت عودة الدفء للعلاقات بين الملك الراحل الحسن الثاني والجنرال الشاذلي بن جديد، وكذا لقاء في الجزائر العاصمة بين المرحوم الحسن الثاني ورئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، عباسي مدني، وهو ما اعتبره الطيب دكار أول انفراج وجيز في العلاقات بين الرباط والجزائر.

ويضيف صاحب الكتاب أنه حتى لو وقع تدهور في العلاقات بين البلدين مع انتخاب عبد العزيز بوتفليقة في عام 1999، وهو الرئيس الذي اختاره الجنرالات ودعموه، ولكن انتهى الأمر بهم بإقالته تحت ضغط الحراك الشعبي، في أبريل 2019، فإن السلطة السياسية-العسكرية الحالية في الجزائر هي التي قوضت هذه العلاقات.

وبحسب الطيب دكار، فإن رئيس أركان الجيش الجزائري الجديد، سعيد شنقريحة، هو من يقف وراء اللغة الجديدة "العنيفة وغير الدبلوماسية والتشهيرية تجاه المملكة"، وهي اللغة التي تمتح منها مجلة الجيش الناطقة بلسان الجيش الجزائري.

اقترن "وصول شنقريحة بتعيين عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر بعد انتخابات مطعون في نزاهتها، هو رجل "مسكون" بكراهية مقتية ضد المملكة. قاد هذا الثنائي الجزائر إلى قطيعة كاملة مع المغرب"، وفق ما كتبه الطيب دكار.

ويوضح أن القطيعة مع المغرب مرشحة "للاستمرار لفترة طويلة. فقد أظهر الجيش الجزائري لمن لا تزال لديه شكوك أنه ما زال يتحكم في السلطة وأن الرؤساء، أياً كانوا، ليسوا بكل بساطة إلا واجهة خارجية للنظام" العسكري.

لا شيء أصدق من هذه الملاحظة التي ذكرها الطيب دكار. في الواقع، لا يتمتع عبد المجيد تبون بأي شرعية تاريخية. إنه الرئيس الجزائري الوحيد الذي لا ينحدر من المجاهدين، على عكس كل من سبقوه، من بن بلة إلى بوتفليقة، مرورا بهواري بومدين والشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف وعلي كافي أو حتى اليمين زروال... وحتى ولو أن كل رؤساء الدولة تم اختيارهم (ثم عزلهم) من قبل المخابرات العسكرية.

وهكذا، في 12 دجنبر 2019، انتخب عبد المجيد تبون خلال انتخابات مثيرة للجدل، لأنه بالإضافة إلى تعيينه من قبل الجيش، لم يصوت سوى حوالي 5 ملايين من أصل 24.4 مليون ناخب مسجل، بحسب الأرقام الرسمية. الواقع هو أنه فاز بأصوات أقل من ذلك بكثير...

لذلك فهذه "الجزائر الجديدة" للثنائي تبون-شنقريحة، هي التي وصفها المؤلف بأنها استمرار لنموذج السلطة السياسية الفريد من نوعه الذي ساد دائما في الجزائر. إنه "نظام عسكري متجانس" وفاسد ولا يدين ببقائه 60 عاما ممسكا بمقاليد السلطة إلا استخدام العنف الفردي (مع اغتيال المعارضين) والعنف الجماعي (300 قتيل خلال مظاهرات الربيع الأمازيغي عام 1988 وأكثر من 200 ألف وحوالي 20 ألف مجهول المصير خلال العشرية السوداء في أواسط التسعينيات). يضاف إلى ذلك حرائق الغابات الأخيرة وأعمال القتل المقنعة الأخرى في منطقة القبائل، وهي منطقة متمردة أضرم فيها النظام النار عمدا بهدف وقف مظاهرات الحراك الشعبي التي استمرت هناك (في تيزي وزو وبجاية إلخ) حتى صيف 2021.

وفي هذا الصدد، يشير الطيب دكار إلى أن الحراك الشعبي، الذي يطالب بالاستقلال الحقيقي للجزائر، أثبت صحة أفكار السياسي الراحل الحسين آيت أحمد، أحد القادة التاريخيين الخمسة لجبهة التحرير الوطني إبان حرب التحرير الجزائرية. فالزعيم الراحل لجبهة القوى الاشتراكية لم يكن فقط ينادي بالتعددية والديمقراطية في الجزائر (وبسبب أفكاره حكم عليه بالإعدام في عام 1964)، بل إن الحسين آيت أحمد انتقد دعم النظام العسكري الجزائري لجبهة البوليساريو، مؤكدا أن "النظام الجزائري ليس في وضع يسمح له بالحديث عن تقرير المصير بينما يرفض هذا الحق للشعب الجزائري".

وكتب الطيب دكار: "إن القادة الجزائريين الجدد، الذين يشكك الحراك الشعبي في شرعيتهم، يمتازون أيضا، مقارنة بأسلافهم، بعدائهم المقيت والمرضي ضد المملكة". عداء وصل إلى ذروته خلال العامين الماضيين ويتصاعد مع كل إخفاق للدبلوماسية الجزائرية في قضية الصحراء، سواء داخل الاتحاد الافريقي، بعد اعتبار أن ملف الصحراء هو اختصاص حصري للأمم المتحدة، وداخل مجلس الأمن الذي تؤكد قراراته كلها جدية مقترح الحكم الذاتي التي اقترحه المغرب، ناهيك عن الهزيمة العسكرية الساحقة والحاسمة في معبر الكركرات، والدعم الأمريكي لمغربية الصحراء، ودعم إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي المغربي...

السمة الرئيسية لـ"الجزائر الجديدة" للثنائي تبون-شنقريحة هي أنها أدت بشكل ممنهج إلى أسوأ تدهور وصلت إليه العلاقات المغربية الجزائرية.

هل يعني هذا أن قضية الصحراء لن تجد لها حلا؟ كلا، يعتقد الطيب دكار، الذي أصدر أيضا كتابا في سنة 2013 تحت عنوان: "المغرب-الجزائر: حذر متبادل"، لأن الحراك الشعبي لم ينته. إنه الآن فقط في مرحلة كمون من أجل حماية الجزائر من عنف عصابة الجنرالات.

ما نعرفه هو أنه طالما استمر هذا النظام السياسي-العسكري الفاسد، فلا توجد عمليا أي فرصة لرؤية تقارب بين الرباط والجزائر. يبدو الأمر كما لو أن هذا النظام، من أجل استمراريته، يعمل على تغذية "العداء المقيت والمرضي للمملكة"، كما يكتب الطيب دكار، الذي يستنتج أنه "يجب أن ننتظر أن تسير الجزائر على طريق الديمقراطية حتى نرى تطبيعا حقيقيا، وهو التطبيع الذي بالتأكيد سيستغرق وقتا طويلا".

هذا الكتاب يحبل بالعديد من الطرائف التي توضح بكل جلاء العقدة الجزائرية الراسخة تجاه المملكة.

وهكذا، يتساءل الطيب دكار، على سبيل المثال، لماذا لم تذهب الصحافة الجزائرية إلى الصحراء المغربية لتصف للرأي الجزائري التطور الاجتماعي والاقتصادي غير المسبوق الذي تشهده هذه المنطقة من المغرب، بينما سافر الصحافيون المغاربة مرارا وتكرارا إلى تندوف وكشفوا عن بؤس المخيمات الصحراوية وسكانها. هو نفسه استجوب الرئيس السابق للبوليساريو، محمد عبد العزيز المراكشي، حول هذا الموضوع، وسأله مباشرة لماذا لم يذهب لزيارة والده الذي يعيش في منطقة مراكش، وبالتالي في البلد الذي رأى فيه النور وتربى وترعرع.

طرفة أخرى ذكرها الطيب دكار تتعلق بعبد القادر مساهل، وزير الخارجية الجزائري الأسبق، الذي طلب ذات مرة من أوركسترا أندلسية في الجزائر أن تغني له "الزين الفاسي"، وهي أغنية مغربية يقول إنها "تجري في عروقه، مثل كل الموسيقى الأندلسية المغربية". وهذا لم يمنع عبد القادر مساهل، المنحدر من تلمسان، المدينة التي اعترفت الخطوط الجوية الجزائرية بماضيها المغربي الثري، من الإعلان أمام منتدى اقتصادي في الجزائر، بدافع الغيرة المطلقة، أن الخطوط الجوية الملكية المغربية تنقل "شيئا آخر غير الركاب" إلى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. يتمتع عبد القادر مساهل على الأقل بميزة عدم رفضه للموائد المستديرة، التي دعا إليها هورست كوهلر، المبعوث الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء. كان ذلك في زمن كانت فيه الجزائر لا تزال تعرف كيف تحافظ على المظاهر حتى لا تصبح معزولة عن المجتمع الدولي. هذا الزمن ولى مع الثنائي شنقريحة-تبون المسعور والمجنون.

تحرير من طرف محمد ولد البواه
في 04/10/2022 على الساعة 19:00