الجزائر: قمة جامعة الدول العربية تكشف إخفاق ديبلوماسية العسكر

من اليمين إلى اليسار، رئيس الجزائر عبد المجيد تبون، سعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، رمطان لعمامرة وزير الخارجية الجزائري

من اليمين إلى اليسار، رئيس الجزائر عبد المجيد تبون، سعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، رمطان لعمامرة وزير الخارجية الجزائري . DR

في 07/09/2022 على الساعة 10:18

"اليوم، إذا عقدت هذه القمة، فإن ذلك سيعد إنجازا. إذا حضر الجميع هذه القمة، فإن ذلك سيعد أيضا إنجازا. وإذا كانت هناك مشاركة عالية المستوى، فإن ذلك سيعد معجزة!"، هذا ما أكده لـLe360 ديبلوماسي عربي لخص بشكل جيد إخفاق ديبلوماسية الطغمة العسكرية الجزائرية.

إنها قمة القرن التي ستغير الوضع في العالم العربي وتتوج عودة الجزائر إلى الساحة الدولية وتحرير فلسطين ووصم الدول العربية التي قامت بتطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وخلق ديناميكية مواتية لجبهة البوليساريو وإعلان عودة سوريا.. حسنا! تقلصت هذه القمة التي لا مثيل لها إلى حد ضئيل. تهاوت كل الادعاءات بإحداث ثورة في العالم العربي وألقيت في سلة مهملات الجبهة الرهيبة ضد الدول المطبعة مع "الكيان الصهيوني". أما البوليساريو فإلى الجحيم!، في حين أن سوريا فعليها أن تنتظر قمة أخرى تعقد في بلد أقل تبجحا لاستئناف شغل مقعدها في جامعة الدول العربية. كل هذه الشعارات التي رددها الرئيس الجزائري ووزير خارجيته انهارت مثل بيت من ورق لم يصمد أمام الواقع.

بعدما تم وضعه في حجمه الحقيقي في العالم العربي، خفف النظام الجزائري من غلوائه وسقف طموحاته. اليوم، "كل هم النظام الجزائري يكمن فيمن سيحضر ومن لن يحضر. سواء كان الرئيس الجزائري أو رئيس دبلوماسيته، فإنهما يلحان على الدول الأعضاء المؤثرة في جامعة الدول العربية حتى يكونوا حاضرين في هذا الاجتماع، مناشدين إياهم ألا يكون تمثيلهم تمثيلا ضعيفا"، هذا ما أكده ديبلوماسي عربي معتمد في الرباط. وأوضح: "اليوم، إذا عقدت هذه القمة، فإن ذلك سيعد إنجازا. إذا حضر الجميع هذه القمة، فإن ذلك سيعد أيضا إنجازا. وإذا كانت هناك مشاركة عالية المستوى، فإن ذلك سيعد معجزة!".

إن تنظيم هذه القمة يظهر الطريقة التي تدار فيها الأمور في الجزائر. يبدأ الجهاز السياسي-العسكري بإطلاقات الشعارات الكبرى الرنانة، ويبيع الأوهام، ولكن، في نهاية المطاف، يقوده الواقع دائما إلى ترتيبات تتعارض تماما مع أجندته الأولية. وينتهي به المطاف بالتوسل لتجنب الإذلال. وهذا بالضبط ما فعله رمطان لعمامرة، يوم الثلاثاء 6 شتنبر 2022، على هامش أعمال الدورة 158 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، المنعقدة في القاهرة. بصفته مبعوثا لتبون، إذ لم يتوقف أبدا عن مناشدة رؤساء الدول لحضور قمة الجزائر. وليس من المؤكد أنهم سيقدمون له هدية بحضورهم في الجزائر.

وفي هذا الصدد، تفادى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحسم في الأمر عندما قدم له لعمامرة "دعوة الحضور" للقمة غير المؤكدة التي وجهها له عبد المجيد تبون. ورد رئيس الدولة المصرية بأنه سيشارك في جهود الرئيس الجزائري لإنجاح القمة، لكن دون المغامرة بتأكيد حضوره في الجزائر. ويشكل هذا، وفقا لجميع المراقبين المطلعين، رفضا مبطنا لدعوة تبون.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه القمة ستعقد في الجزائر فقط بفضل التناوب الأبجدي للدول الأعضاء في الجامعة. وبعد الجارة الشرقية ستستضيف جيبوتي قمة الجامعة العربية. وليس هناك شك في أن هذه القمة ستكون، بكل تأكيد، أكثر نجاحا من قمة الجزائر، مع تمثيلية أفضل بكثير على مستوى رؤساء الدول.

ولتكوين فكرة دقيقة وواقعية عن الفجوة بين الشعارات الأولية للنظام الجزائري وإعادته إلى أرض الواقع، نقدم التسلسل الزمني للأجندة التي حددتها الطغمة العسكرية لهذه القمة، قبل أن ينخرط في مسلسل من المناشدات والتوسلات لغرض وحيد هو ضمان انعقادها في الجزائر:

- نونبر 2021، رئيس الدبلوماسية الجزائرية رمطان لعمامرة يلقي خطابا أمام دبلوماسيين جزائريين. إنه يشبه الفاتح ويتحدث بكل تبجح. وأعلن في ختام أعمال المؤتمر الذي جمع رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية أن "القمة العربية المقبلة ستكون قمة التضامن العربي ودعم القضية الفلسطينية والشعب الصحراوي". هذا التصريح طبلت له وسائل الإعلام التابعة للطغمة العسكرية، بما في ذلك يومية ليكسبرسيون.

- في نفس الاجتماع أعلن لعمامرة بشكل قاطع: "سوريا ستستعيد مكانها في الجامعة العربية كدولة عضو".

- يوم 15 دجنبر 2021، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يتحدث عن قمة جامعة الدول العربية ويؤكد خلال مؤتمر صحفي في ختام زيارة لتونس: "نسعى لإعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية".

- في الصحافة الجزائرية، خلال النصف الأول من عام 2022، أصبحت عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية رهانا رئيسيا للقمة المقبلة للجامعة العربية. "قمة الجامعة العربية التي ستنعقد في الجزائر يجب أن تكون قمة عودة سوريا"، هذا ما يقرأ في كل مكان.

الآن اختفت سوريا من أجندة الطغمة العسكرية الجزائرية. فقد أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان صحفي نشرته يوم الأحد 4 شتنبر 2022، أن “رئيس الدبلوماسية السورية أكد أن بلاده تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية خلال قمة الجزائر وذلك حرصا منها على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي". بعبارة أوضح، النظام الجزائري يتخلى عن آخر أوراقه على أمل إنقاذ عقد قمة غير مؤكدة. كل ذلك في أقل من شهرين! هل رأينا مثل هذه القمة العربية غير المؤكدة في دولة أخرى، مع مثل هذا التأخير قبل موعد افتتاحها؟

إن تضخيم الطغمة العسكرية الجزائرية للشعارات السابقة حول تنظيم قمة الجامعة العربية يذكر بما قيل وكتب عن الرئيس السابق للدبلوماسية الجزائرية، صبري بوقادوم، الذي اقترح اسمه لرئاسة بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا. قرأنا في وسائل الإعلام الجزائرية أن بوقادوم هو الرئيس القادم لهذه البعثة، وأن الأمر محسوم، وأنه كان اختيار الأمين العام للأمم المتحدة، إلخ. وبعد ذلك، فاجأتنا وزارة الخارجية الجزائرية يوم السبت 3 شتنبر ببيان صحفي أكدت فيه أن "الجزائر ترحب بتعيين البروفيسور عبد الله باتيلي ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا".

اضطر النظام الجزائري للترحيب بهذا التعيين، في حين اختارت الصحافة الجزائرية، التابعة بشكل شبه كلي للطغمة العسكرية، تجاهل الموضوع. كيف سيكون رد فعل النظام الجزائري وصحافته عندما يقاطع تقريبا كل رؤساء الدول في العالم العربي قمة جامعة الدول العربية التي ستنظم ربما في الجزائر؟ ربما من خلال البحث في مكان آخر، كما في حالة الفشل الذريع لتعيين بوقادوم على رأس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا. وهكذا تسير الجزائر.

تحرير من طرف طارق قطاب
في 07/09/2022 على الساعة 10:18