عندما يستقبل رئيس منبوذ شعبيا زعيم كيان وهمي

الرئيس التونسي قيس سعيد يستقبل زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي

الرئيس التونسي قيس سعيد يستقبل زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي . DR

في 27/08/2022 على الساعة 15:49

أبان الرئيس التونسي قيس سعيد، أمس الجمعة 26 غشت 2022، عن غباء دبلوماسي غير مسبوق بالخروج عن الحياد الذي طالما أبدته بلاده تجاه قضية الصحراء. إن الاستقبال الفولكلوري الذي خصصه لزعيم البوليساريو هو إهانة متعمدة للمغرب وأزمة أخرى تنضاف لأزمات تونس.

كشف قيس سعيد عن عدم خبرته في استضافة اجتماعات دولية. وأبدى يوم الجمعة ازدراء وغطرسة تجاه بعض رؤساء الدول الأفريقية، إذ لم يعمد إلى استقبالهم والترحيب بهم في مطار تونس، بينما هم ضيوف القمة الثامنة لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية (تيكاد، 27-28 غشت بتونس).

بل إنه فعل ما لا يمكن تصوره فيما يتعلق بأحد أفضل أصدقاء تونس التاريخيين، المملكة المغربية، التي فاجأها بحفاوة الاستقبال الذي خصصه لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي، الانفصالي المعروف في العالم بأسره برحلاته السرية بجوازات سفر جزائرية مزورة وهويات مزورة من أجل التهرب من العدالة الدولية التي تلاحقه.

هل أدرك قيس سعيد أنه من خلال التصرف بهذه الطريقة، فإنه سيمس بشكل خطير بالوحدة الترابية لدولة مغاربية ذات سيادة ويمس بمشاعر ملايين المغاربة؟ هل توقع رد فعل المغرب الذي استدعى على الفور- وهو الأمر المنطقي- سفيره في تونس للتشاور وألغى مشاركته في قمة تيكاد؟

ما هو العمل غير الودي الذي ارتكبه المغرب تجاه تونس لجعل قيس سعيد يرتكب هذه الحماقة، التي سارع الرأي العام والعديد من الأحزاب السياسية التونسية إلى إدانتها بعبارات قاسية؟

بمجرد انتخابه في 13 أكتوبر 2019 في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التونسية، قام قيس سعيد بإضعاف تونس من خلال قراراته السياسية الطائشة واستحواذه على جميع السلطات. بداية علق البرلمان في 25 يوليوز 2021، قبل حله في مارس 2022. لقيت السلطة القضائية نفس المصير منذ حل المجلس الأعلى للقضاء في فبراير 2022. هذا، ناهيك عن إلغاء دستور 2014 الذي تمت صياغته من قبل مجلس تأسيسي أنشأ في أعقاب ثورة الياسمين عام 2011.

ردا على حكمه الفوضوي والاستبدادي، قاطع التونسيون الاستفتاء الدستوري الذي أجراه مؤخرا، والذي أراد من خلاله بشكل أساسي قياس درجة عدم شعبيته. في 25 يوليوز، تلقى قيس سعيد صفعة من خلال نسبة امتناع قياسية عن التصويت. إذ صوت فقط 30.5 ٪ من 9.3 مليون ناخب مسجل، وفقا للأرقام الرسمية.

هذا الرئيس، الذي أصبح منبوذا شعبيا منذ انتخابه في عام 2019، أصبح بذلك أول رئيس دولة تونسي يستقبل بحفاوة زعيم البوليساريو. لا الحبيب بورقيبة ولا زين العابدين بنعلي ولا منصف المرزوقي ولا الباجي قائد السبسي قد وجهوا مثل هذه الإهانة للمغاربة.

وهذا ليس الفعل السلبي الوحيد الذي ارتكبه ضد المغرب، إذ أن امتناعه عن التصويت على قرار مجلس الأمن الأخير المتعلق بالصحراء، وهو قرار مؤيد للموقف المغربي ورفضته الجزائر، شكل صدمة في المغرب (13 دولة صوتت لصالح القرار وامتنعت دولتان روسيا وتونس). وقد فاجأ امتناع تونس عن التصويت في مجلس الأمن كل المراقبين. مع الاستفزاز الذي حدث يوم الجمعة في مطار قرطاج بتونس العاصمة، أصبح التصويت التونسي في مجلس الأمن المعادي للمغرب واضحا وضوح الشمس. لقد كان أول عمل في إطار سياسة عدائية للمملكة ورسالة استسلام وخضوع لإملاءات النظام الجزائري.

لطالما تبنى المغرب ضبط النفس في مواجهة استفزازات قيس سعيد، الذي يبدو تابعا للغاز والسائحين والقروض التي تمنحها الجزائر له دفعة لإبقائه خاضعا لها.

فقد أبان قيس سعيد عن خضوعه للنظام الجزائري. فليس المغرب بل الجزائر التي لم تتوقف هذه السنة عن مضاعفة الإهانات لجارتها الصغيرة في الشرق. في منتصف شهر يوليوز الماضي، ذهب الخبير الجزائري والنائب البرلماني السابق، الهواري تيغرسي، إلى حد التصريح على قناة سكاي نيوز عربية أن تونس ليست "الأخت الصغرى" للجزائر فحسب، بل قال بأن "تونس هي ولاية جزائرية مهمة جدا". وعلى عكس التونسيين الذين شعروا بالإهانة وردوا بقوة على هذه التصريحات، اختار قيس سعيد التزام الصمت.

واتخذ نفس الموقف المهين عندما وصفه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بشكل غير مباشر بأنه ديكتاتور عندما أعلن في ماي الماضي من العاصمة الإيطالية حيث كان في زيارة رسمية: "نحن مستعدون لمساعدة تونس على الخروج من المأزق الذي دخلته وتعود إلى الطريق الديمقراطي".

هذا التدخل الجزائري في الشؤون الداخلية التونسية تم تجاهله من قبل قيس سعيد، الذي تدافع حكومته الآن عن استقبالها لبن بطوش باسم السيادة. أين ذهبت السيادة عندما تحدث تبون من روما عن دمقرطة تونس؟

وبالمقابل، احترم المغرب دائما سيادة تونس وسارع إلى مساعدتها في أصعب الأوقات.

وهكذا قام الملك محمد السادس بزيارة رسمية إلى تونس في ماي-يونيو 2014 حيث تجول في الشارع والتقى بتونسيين، دون أدنى بروتوكول. وهكذا أظهر الملك للعالم أجمع أن تونس ما بعد ثورة الياسمين بلد ديمقراطي وآمن وجدير بالثقة.

ومؤخرا، في يونيو 2021، وعقب تفشي فيروس كوفيد-19 الذي أدى إلى امتلاء المستشفيات التونسية، مما أسفر عن مئات الوفيات اليومية بسبب نقص الأكسجين، وعندما لم تتقدم أي دولة بمساعدتها بجدية، أقام المغرب جسرا جويا إلى تونس. أكثر من خمس عشرة طائرة نقلت أطنانا من الأدوية، ناهيك عن بناء مستشفى ميداني مجهز للغاية بطاقمه الطبي المتخصص.

وفضلا عن ذلك، كان المغرب وتونس يعتبران دائما أكثر الدول المغاربية استقرارا واعتدالا. الموقف الوسطي الذي اعترف به شركاؤهم في اتحاد المغرب العربي بقبولهم إقامة مقر اتحاد المغرب العربي بشكل دائم في الرباط وأن يكون أمينه العام دائما من تونس.

من خلال بسط السجاد الأحمر لرئيس كيان وهمي، قطع قيس سعيد مع السياسة الخارجية التي تتبعها بلاده منذ الاستقلال. إن استفزازه المتعمد لن يقطع أواصر التعاطف التي يتمتع بها التونسيون لدى المغاربة، لكن ستكون له عواقب ستؤثر بشكل كبير على العلاقات بين البلدين لفترة طويلة.

تحرير من طرف محمد ولد البواه
في 27/08/2022 على الساعة 15:49