هناك حقيقة مؤكدة وهي أن التدافع الذي حدث يوم الجمعة 24 يونيو، والذي أودى بحياة 23 مهاجرا من بين مئات آخرين كانوا قد شنوا هجوما على السياج الفاصل بين الناظور ومليلية، هو مأساة إنسانية. وهي تؤشر عن المسار الذي لا يزال يتعين قطعه من قبل القارة الإفريقية بأكملها من أجل تحقيق التنمية والكرامة لشعوبها. تثير هذه المأساة بكل تأكيد العديد من الأسئلة، لكن البعض، ولا سيما المؤثرين، المعتكفين غالبا في مكاتبهم المكيفة في أجمل العواصم الأوروبية والذين يفضلون إصدار الأحكام الجاهزة ولا يرون إلا "وحشية الشرطة" و"انتهاك حقوق المهاجرين". هذا مجرد تحليل تبسيطي واختزالي. يوضح مصدر مطلع لـLe360 بشأن هذه الأحداث وأبعادها (الحقيقية).
تحدي القوات العمومية
بداية، هناك ما حدث بالفعل والطبيعة المنظمة للاعتداء الذي نفذه يوم الجمعة الماضي مئات الأشخاص معظمهم سودانيون. وأوضح مصدرنا قائلا: "الصور تؤكد ذلك: لم تكن محاولة عشوائية أو عفوية للوصول إلى الجانب الآخر من السياج. نحن أمام عصابة منظمة، أعضاؤها سودانيون كانوا ناشطين بالفعل في ليبيا خلال الحرب الأهلية في هذا البلد والذين كانوا يقاتلون كمرتزقة في الميليشيات المسلحة في هذا البلد مقابل 100 دولار في اليوم. بعد وقف إطلاق النار في ليبيا، سعوا للخروج من البلد المذكور وفكروا في التوجه إلى أوروبا. لقد تم دفعهم في هذا من قبل دولة تريد إحراج المغرب وإسبانيا (في إشارة للجزائر)، يوضح مصدرنا.
إن النمط "الكلاسيكي" للمآسي الإنسانية المرتبطة بالهجرة السرية يتمثل في محاولات للعبور عن طريق سبتة ومليلية أو عن طريق البحر، من قبل أشخاص يائسين يقومون بكل شيء من أجل كل شيء من خلال امتطاء قوارب الموت من أجل عبور البحر الأبيض المتوسط، حتى ولو كان الثمن هو حياتهم. وأشار محاورنا قائلا: "لكننا الآن أمام ملف جديد فنحن أمام عمل منظم، سواء من حيث اختيار التوقيت أو خيار هؤلاء الذين قاموا به، وكذلك من حيث الوسائل المستخدمة والعنف الذي رافق كل ذلك. لا يتعلق الأمر بعمل عفوي ولكن الأمر يتعلق بعملية نفذتها شبكات بالتواطؤ مع جهات قامت بتعبئة أشخاص مدربين جيدا".
غير أن المغرب دولة منظمة لا يمكن أن تسمح لبضع مئات من الأشخاص بأن يقرروا تحدي القوات العمومية ومهاجمة السياج الخاضع للحراسة والمراقبة دون أن تكون هناك عواقب. وحذر مصدرنا قائلا: "إن قبول مثل هذه الأفعال، ولو مرة واحدة، هو القبول بأن تتكرر أحداث مليلية، اليوم في الناظور، وغدا في الرباط، وبعد غد في الدار البيضاء". بالنسبة لمصدرنا، فإن المغرب دولة تقوم على مؤسسات قوية، ولا يمكن لأحد أن يقرر دون عقاب أن يتحدى السلطة ومهاجمة القوات العمومية بالهراوات وغيرها من الأشياء الحادة دون رد فعل من السلطات. الرسالة واضحة: الرد الوحيد سيكون الحزم ضد مثل هذه الأفعال. بين السلطة العمومية وقانون الغابة تم الاختيار بسرعة وتحمل مسؤولية هذا الاختبار.
عن المغرب وعن إفريقيا
النظرة الخارجية للبعض إلى الأحداث هو أمر ثانوي. "المغرب يعمل من أجل مواطنيه أولا، وقبل التساؤل عما قد يفكر فيه الناس في الخارج، تخيلوا للحظة ما كان سيفكر فيه المغاربة أنفسهم في قواتهم العمومية إذا استسلمت لهذا التحدي. إن الاستسلام يعني بكل بساطة فتح الباب أمام تجاوزات أخرى"، بحسب ما أشار إليه مصدرنا الذي أضاف: "المغرب لا يعمل من أجل أوروبا، ولكن من أجل المغاربة، الذين لديهم الحق في الشعور بالأمان في بلدهم".
كما أن المغرب ليس في حاجة لدروس سواء في ما يتعلق بحقوق المهاجرين أو في علاقاته مع القارة الإفريقية. تمنح المملكة 13000 منحة دراسية للطلاب الأفارقة كل عام. هناك أكثر من 30000 طالب يدرسون حاليا في البلاد. وقام بتسوية وضعية 60.000 شخص من بلدان جنوب الصحراء الذين يمكنهم اليوم العمل بكل حرية وتلقي العلاج في مستشفياته وإرسال أطفالهم إلى المدارس. كل هذا يدفع ثمنه دافعوا الضرائب المغاربة. لم يقم أي بلد في أفريقيا بمثل هذا الأمر. حتى المهاجرون السريون يعيشون في سلام في المغرب ويتمتعون بالحماية.
وقال مصدرنا: "إن سفراء البلدان الإفريقية في الرباط، الذين يعرفون الواقع على الأرض عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين، يدركون ذلك جيدا. إن الاتحاد الإفريقي، الذي طلب إجراء تحقيق، عبر عن أسفه للمأساة الإنسانية دون أن يذكر المغرب". وفي هذا الصدد، من خلال إيفاد بعثة استطلاعية مؤلفة من خمسة أعضاء إلى عين المكان، قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان الدليل على أن المملكة لديها مؤسساتها الخاصة وأنها ليست بحاجة إلى من يقوم بـ"التحقيق" بدلا منه.
في حالة مليلية، يتابع مصدرنا، نحن أمام أشخاص اختاروا الهجوم. وما هو صادم هو السياق واستخدام القوة والعنف. لا تتوقع أن تفرش لهم البلاد السجادة الحمراء. "ما هو واضح هو أنه لم يذهب أحد للبحث عن هؤلاء الأشخاص في الغابة التي يعيشون فيها، أو لتفكيك مخيماتهم أو التعدي عليهم. لكن فتح الطريق لعصابة منظمة وعنيفة ليس المغرب. شركاؤنا الأفارقة يدركون ذلك تماما ويدعموننا".
خارطة طريق
مع إسبانيا فتح المغرب مرحلة جديدة من التعاون بخارطة طريق جديدة تم تبنيها في أبريل الماضي وكانت موضوع بيان مشترك. وفيه نقرأ بوضوح أن "التعاون في مجال الهجرة سيعاد إطلاقه وتعزيزه" وأنه "سيتم القيام بالتنسيق في إطار رئاسة كل منهما لمسلسل الرباط للفترة 2022-2023، بشكل يسلط الضوء على التعاون المثالي في هذا المجال، لصالح مقاربة شاملة ومتوازنة لظاهرة الهجرة".
من خلال محاربة شبكات الاتجار بالبشر والهجرة السرية، يفي المغرب بما التزم وتعهد به. وختم مصدرنا قائلا: "في ضوء تصريحات القادة والسياسيين الإسبان، لا جدال في أن جيراننا يفهمون ويقدرون" الوفاء بالالتزامات والتعهدات.
لذلك من الضروري تغيير النموذج مع تعزيز التعاون بين البلدين والقارتين. إن الهجمات مثل هجوم ميليلية قد تتكرر في المستقبل. فالحرب في أوكرانيا تلقي بكل ثقلها على إفريقيا، كما أن الاحتباس الحراري المسؤول عنه بالدرجة الأولى الدول الأوروبية التي لا تريد مهاجرين أفارقة فوق أراضيها، يجفف الأرض ويؤدي إلى ندرة المياه في القارة. لا شيء سيوقف الأشخاص الذين تحركهم قوة اليأس. يتطلب تحدي الهجرة من المغرب أن يفكر بشكل مختلف حول كيفية تدبيرها. إن طريقة العمل التي تم تبنيها حتى الآن لن تكون قادرة على مواجهة توالي الاعتداءات لفترة طويلة.