يوم الخميس 26 ماي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، لم يخرج رئيس الدولة الجزائرية، عبد المجيد تبون، عن عادته في الإدلاء بالتصريحات الرعناء وعن ثرثرته الجوفاء. هذه المرة، أدلى تبون بتصريح هاجم فيه الجارة الشرقية للجزائر، تونس.
وقال تبون خلال الندوة الصحفية في روما إن الجزائر وإيطاليا "على استعداد لمساعدة تونس في تجاوز المأزق الراهن والرجوع إلى الطريق الديمقراطي". من الواضح أن الرئيس الجزائري لا يشير هنا إلى الوضع الاقتصادي الصعب لجارته "الصغيرة". إنه يشير بالفعل إلى ما يسميه "المأزق" السياسي الذي تعيش فيه حاليا تونس بسبب الصراع بين الرئيس قيس سعيد وخصومه، وهو ما تسبب في شلل مؤسسات البلاد.
إذا كان من الممكن تفسير تصريح تبون بالنسبة لبعض المعارضين التونسيين على أنه مؤشر على قرب إبعاد قيس سعيد، دون تحديد كيف سيتم ذلك، فإنه على العكس اعتبره عدد كبير من التونسيين تدخلا صارخا من الرئيس الجزائري في الشؤون الداخلية لبلادهم. وقد وصف تصريح تبون على أنه "غير مناسب" و"غير مبرر"، بل اعتبره آخرون بمثابة "مس بسيادة" تونس.
ويكفي الاطلاع على ردود الفعل الكثيرة التي صاحبت التغريدة التي نشرها المدون التونسي علاء الدين زعتور من لندن، لمعرفة كيف أصبح تبون أضحوكة على وسائل التواصل الاجتماعي. لأنه بغض النظر عن ما يسمى بسياسة النظام الجزائري المقدسة المتمثلة في عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، فإنه إذا كان هناك بلد غير مؤهل لإعطاء دروس في الديمقراطية لتونس، فهي الجزائر نفسها.
وفي هذا الصدد، ذكر التونسيون على شبكات التواصل الاجتماعي تبون بشعارات الحراك التي تصفه بأنه رئيس غير شرعي، وكذلك فرضه من قبل الجنرالات الجزائريين على رأس الدولة، في الوقت الذي قاطع فيه الناخبون الجزائريون صناديق الاقتراع على نطاق واسع.
صحيح أن تبون هو آخر من يستطيع إعطاء دروس في الديمقراطية لتونس، على الرغم من أن مضيفيه الإيطاليين أثاروا مخاوف بشأن "مخاطر" الهجرة أو تلك المرتبطة بخط أنابيب الغاز الجزائري الإيطالي الذي يمر عبر تونس بسبب الأزمة السياسية في ذلك البلد.
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يتوقف، في الأشهر الأخيرة عن المطالبة، كما فعل سفير الاتحاد الأوروبي لدى تونس، ماركوس كورنارو يوم الخميس 26 ماي، بالعودة إلى الوضع الطبيعي في هذا البلد. وصرح كورنارو للصحافة التونسية أن "الدول الأعضاء (في الاتحاد الأوروبي) تريد عودة سريعة إلى الديمقراطية والعمل البرلماني" الذي يرتبط بالدعم الاقتصادي الأوروبي المقدم لتونس.
وهكذا، تبنى الرئيس تبون المطالب الأوروبية تجاه السلطة التونسية. بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك بالتأكيد دون خجل أن هناك "تقارب كامل في وجهات النظر" بين إيطاليا والجزائر بشأن الأزمة التونسية.
ومع ذلك، خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، إلى الجزائر يوم 30 مارس الماضي، تحدث تبون بلغة مختلفة تماما. وصرح تبون في خطاب طويل ولم يكن يعلم أنه يسجل بميكروفون خفي، أن "الجزائر محاطة بدول لا تشبهها في المنطقة، باستثناء تونس".
كيف يمكن إذاً تفسير هذا "الانقلاب"، يتساءل موقع صحيفة "Réalité" التونسية، التي وجدت أن الرئيس الجزائري "يبدو أنه غير موقفه تجاه تونس وبشكل أكثر تحديدا تجاه الرئيس قيس سعيد، الذي أصبح أكثر عزلة سياسيا على الصعيدين الوطني والدولي".
هذا الجدل هو في الحقيقة أحد العوامل العديدة التي تؤكد فشل زيارة الرئيس الجزائري لروما. بإعلانه، لإثارة استياء مدريد، أن "إيطاليا ستكون الموزع الحصري للغاز الجزائري في أوروبا"، لم ينجح تبون في انتزاع أدنى كلمة من المسؤولين الإيطاليين عن إسبانيا، وحتى عن الصحراء. لم ترد المملكة المغربية والصحراء في جميع التصريحات الرسمية. من الواضح أن القادة الإيطاليين أبلغوا ضيوفهم بعدم إثارة هذا الموضوع. لا بد أن هذا كان محبطا للغاية بالنسبة لتبون الذي أدلى بتصريحات غير مسؤولة لا تليق برجل دولة بشأن تونس.
في انتظار رد الفعل الرسمي من السلطة التونسية على تصريحات تبون، رد فعل غير محتمل للغاية في ضوء اعتماد تونس على الوقود والغاز الجزائري، فضلاً عن التوجه الجزائري الصارخ لرئيس الدبلوماسية التونسية عثمان الجرندي. غير أنه هناك رد فعل غير مباشر. فقد أعلنت وكالة الأنباء التونسية يوم الجمعة 27 ماي عن منح جائزة نجيبة الحمروني المغاربية لأخلاقيات المهنة الصحفية لسنة 2022 للصحفي الجزائري رابح كارش. والمعروف أن هذا الأخير ليس سوى بعبع للنظام الجزائري، الذي سجنه لعدة أشهر لمعاقبته على نشاطه داخل الحراك الشعبي.