يحكي المؤلف الجزائري أعمر رامي في كتابه "ربيع الإرهاب في الجزائر، شهادات وحقائق صادمة عن جرائم DRS"، عن تجربته القاسية التي عاشها في سجون النظام العسكري، وما عاينه في العشرية السوداء من إرهاب وتقتيل وجرائم إبادة في حق الشعب الجزائري.
وتتضمن هذه الشهادات تورط عدد من الجنرالات، أبرزهم سعيد شنقريحة وتوفيق مدين وخالد نزار وآخرين في أعمال إرهابية خطيرة.
مقر المخابرات.. عرين الشيطان
ويوثق رامي في كتابه، الذي أثار ضجة إعلامية كبيرة في الجزائر حتى قبل صدوره، على اعتبار أنه سيسقط ورقة التوت عن عورة جنرالات العسكر وجرائمهم في حق الشعب الجزائري، (يوثق) لـ"جرائم التعذيب الممنهج"، عبر روايات لضحايا ما زالوا على قيد الحياة، مبينا أن الهدف من الكتاب هو تسليط الضوء على "العشرية الدموية التي صنعتها أيادي جنرالات سفاحة".
ويتابع رامي، ابن منطقة القبايل، فضحه لأجهزة القمع الجزائرية، بما في ذلك ما يسمى بـ"جهاز الأمن العسكري" أو المخابرات، معتبرا إياه جهازا يخفي حقائق "مرعبة"، عن جرائم تم ارتكابها من طرف عناصر هذا الجهاز، سنة 1992، واصفا مهمتهم الأساسية بـ"جعل الجزائر جحيما للجزائريين".
وأكد رامي أن غالبية الشعب الجزائري اليوم، خرجت للتنديد بجرائم عناصر الاستعلامات، أو خريجي مقر المخابرات، والذي سمَّاه بـ"عرين الشيطان"، مشددا على أنهم "هم من كانوا وراء الاغتيالات، واختفاء أبناء هذا الشعب في فترة العشرية السوداء، ولا يزالون على نفس النهج في أيام هذا الحراك، باستخدام طرق التصفية الجسدية ضد المتظاهرين الشباب".
وأضاف المؤلف أن "أبناء عرين الشياطين، وقائدهم رئيس أركان الجيش، (في إشارة منه إلى سعيد شنقريحة)، هم أهم رموز "البربرية العسكرية" في ذاكرتنا الجماعية، بما اقترفوه من جرائم وإبادات في جميع المدن الجزائرية".
مراكز تعذيب سرية
واسترسل صاحب الكتاب في سرد أهوال التعذيب التي لحقته منذ اعتقاله، رفقة مجموعة من المواطنين الأبرياء، وما طالهم من صنوف التنكيل في إحدى مراكز "القوات الخاصة"، واصفا الوقائع بكثير من المرارة والألم، نظرا لوحشية التعذيب الممنهج الذي كانوا ضحية له، مشيرا إلى أنه "بالنظر للعدد الكبير للأشخاص الواجب القضاء عليهم أو توقيفهم"، تم تهيئة مركز التعذيب "بشكل سري، وإعادة تقسيمه بأسلوب مروِّع، يُمكِّنه من استيعاب كمٍّ هائلٍ من القابلين للتعذيب والمعذبين في الوقت نفسه، وبالتالي توفير مساحة أكبر لإخفاء المزيد من الجثث".
وانتقل رامي إلى سرد طريقة تعذيب لا تقل إهانة وإذلالا للمواطنين الأبرياء، وهي "الاغتصاب"، حيث أبرز أن "أحد المعتقلين المسمى (العم السعيد ت)، تم دفعه إلى سرير بحجم مقعد حديقة عامة، وبعد الصراع والتخبط من شدة اليأس، تمكنوا من التغلب عليه بعدة ضربات بذراع السلاح وحذاء (الرانجاس)، وتم إجباره على الاستلقاء في وضعية مهينة، حيث يجد المعتقل نفسه مقيدا وركبتيه متباعدتين في منتصف هيكل السرير، يداه مقيدتان إلى رأس السرير ورجلاه مقيدتان بنهاية السرير، ولكي لا أدخل في تفاصيل يندى لها الجبين، أختصر المشهد فيما كان يقترحه الغوريلات الوسخة من وضعيات، حيث اقترح الأول أن يجلس على السرير ويأخذ «وضعية السجود»، والثاني اقترح وضعية أخرى تشهد على ثقافتهم الإباحية".
وأعرب الكاتب عن اشمئزازه من هذه "المعاملة الوحشية"، معتبرا أنه "في مثل هذا الموقف، يغتصب العملاء السريون الجزائريون رجلاً، وأبا جزائريا أصيلا... والده ليس من تونس أو من المغرب"، مضيفا أن "العم سعيد تعرض لشتى أنواع العنف والاعتداء الجنسي: التعري واللمس واللواط الجنسي باستخدام قضيب حديدي، رغم أنه اعترف بجميع التهم الموجهة إليه، حتى إنه اعترف بارتكابه لأعمالٍ اخترعها من محض خياله، وأشخاص لم يكونوا موجودين أساساً".
هذه الوقائع دفعت صاحب الكتاب إلى اعتبار جهاز "الأمن العسكري"، وحشا متعدد الرؤوس، "الذي وصل عدد الضحايا على يده، إلى أكثر من مليون، إنه مخلوق لا إنساني همجي لا هوادة فيه"، وأذرعه "تمتد إلى كل مكان، في هيئة قطيعٍ بملابس خضراء أو زرقاء أحيانا، الذي يُمتِّع ناظره، ولا يتوقف أبدا عن الابتهاج، بعد ساعة فقط من إبادة العديد من الأبرياء".
قصة تعذيب والده
حكى صاحب الكتاب كذلك واقعة اعتقال والده مباشرة بعد عودته من فرنسا، وكيف تم اختطافه من المنزل بعد تركه لساعات عاريا تحت المطر، إلى حين حفر المخابرات لغرف المنزل وحديقته بحثا عن سلاح أو متفجرات أو أي بيان يدينه.
ويستمر النضال ضد جرائم الجنرالات
واختتم الكاتب سرده لوقائع جلسات التعذيب الوحشية، بالتأكيد على أن "وصمة الإذلال والإهانة، التي ما زلنا نحملها جميعا، حتى لو لم تعد مرئية للآخرين، فهي باقية في ذاكرتنا لا تمحى بسهولة"، معتبرا أن واجب نشر الحقيقة من طرفه وطرف آخر الناجين من "جحيم الجنرالات"، لتحقيق العدالة، يتطلب تقديم شهادة الحق حول الأحداث التي "عشناها بحذافيرها، كما يطالبنا بعدم ترك صفحات بيضاء جبانة، في تاريخ العشرية الدموية المزوَّر على يد الشرطة السياسية، ووسائل إعلامها وقضائها".
وأكد أن جلسات التعذيب الواردة في هذا الكتاب، تعكس بإيجاز، أوضاع آلاف الشباب الجزائريين الذين تم احتجازهم في مراكز التعذيب التابعة للمؤسسة العسكرية، مشيرا إلى أن الشباب الجزائري كان يختفي في غموض، أو يموت بوحشية في سرية تامة، "والبعض الآخر محكوم عليه بأحكام قاسية يقبع حتى يومنا هذا، في سجون الطغاة، دون حقهم القانوني في الطعن في الأحكام، وفي عزلة تامة وتعتيم تام، من قبل صحافة نظام ليس لديه ما يفرقه عن النظام النازي".
وأنهى رامي شهادته بالتأكيد على حاجة الشعب الجزائري الماسة "إلى الاتحاد والتضامن، لإنقاذ هذه الدولة -الأمة-، التي يقودها نظام منحط، إلى العدم وبشكل لا يمكن إصلاحه"، مؤكدا أنه "في الوقت الذي تمكَّن فيه الحراك من وضع الجزائر على المسار الصحيح، وإدخالها في حقبة جديدة من دولة القانون، عادت التصرفات الاستبدادية القديمة للظهور من المصادر نفسها، التي لا تزال تعتقد أن لها الحق في تقرير الحياة والموت على الشعب الجزائري كله"، منهيا كلامه بالتأكيد على أن "النضال سيظل مستمرا".
عن الكاتب أعمر رامي
© Copyright : DR
أعمر رامي مواطن جزائري، من مواليد أزفون بمنطقة القبايل سنة 1954، وجد نفسه بعد قضائه للعمل الوطني في الجيش بداية تسعينيات القرن الماضي، خلف القضبان، حيث زجت به المخابرات في سجون الموت والاقصاء والحط من الكرامة. وبعد خروجه التحق بالعمل السياسي فتبنى الفكر اليساري ثم الاسلامي مع المجاهد مصطفى بويعلي، وصولا الى مناصرته جبهة الانقاذ الاسلامي.
ويحكي أعمر رامي في كتابه ربيع الإرهاب في الجزائر، عن وقائع خطيرة، عاشها في القرن الماضي، تفضح كيفية تشكيل الشرطة السياسية لمصالح المخابرات الجزائرية، باعتبارهم اللبنة الأساسية لمديرية الاستعلامات والأمن في سنة 1992.
هذا الكتاب الذي أبدعه بإتقان وهو يحكي بشهادات غير قابلة للتكذيب او الزور عن نظام استمر في ممارسة التعذيب، وخنق الجماهير الشعبية، واعتقالات من دون محاضر، ولا جريمة، أدت إلى ما أدت إليه اليوم من اختناق وأزمات اجتماعية، تؤكدها إبداعات أعمر رامي الذي قضى سنوات في السجن العسكري الجزائري تأكل من لحمه الديدان، كما أكل النظام العسكري الفاشل، من لحمه ودمه، وحياته.
ربيع الإرهاب الجزائري ليست حكاية بل حقائق صادمة عما يعيشه الشعب الجزائري من ظلم وحط من الكرامة، والاحتقار، وكل ما من شأنه يقتل الانسان بقوة الجيش الذي يستعمل الرصاص الحي، والاهانة، والاعتداء على حق من حقوق الحياة، وحقوق الانسان.
ومن المنتظر أن تتم ترجمة هذا الكتاب إلى العديد من اللغات لتحسيس العالم بجرائم النظام الجزائري في حق شعبه، والحياة المريرة بدولة نظام الجياع، الذي يتقن فبركة السيناريوهات المتعددة ووسائل التعذيب التي تتنافى مع كافة الحقوق الكونية.