سبعة أحزاب سياسية تجاوزت حزب العدالة والتنمية. يبدو الأمر أشبه بالبرازيل التي هزمت على أرضها بسبعة أهداف مقابل صفر ضد ألمانيا (خلال كأس العالم 2014). سيناريو لم يكن أحد يتوقعه، ولكنه أصبح الآن حقيقة وحتى حالة يمكن للباحثين تحليلها وسبر أغوارها. لقد تحولت الانتخابات التي جرت يوم ثامن شتنبر بالفعل إلى عقاب للحزب الإسلامي، الذي حصل على المرتبة الثامنة: إنه متأخر بتسعة مقاعد خلف الحزب السابع، وهو حزب التقدم والاشتراكية الذي طالما شكل ركيزة لحزب العدالة والتنمية في الأغلبية الحكومية؛ و89 مقعدا خلف الحزب الذي جاء في المرتبة الأولى، حزب التجمع الوطني للأحرار، والذي قدمه البعض على أنه منافس غير قادر على منافسة الآلة الانتخابية للعدالة والتنمية.
حكم صناديق الاقتراع، الذي أعلن عنه في الساعات الأولى من يوم 9 شتنبر، يدين الحزب الإسلامي ليصبح مرة أخرى كتلة غير قادرة على إسماع صوته، لأنه لم يعد لديه حتى فريق برلماني في مجلس النواب. من قوة سياسية مهيمنة، يجد الحزب نفسه اليوم خارج لعبة التحالفات المحتملة، التي رسمتها الخريطة السياسية الجديدة للمملكة. بعد فوزه بثلاثة عشر نائبا، عاد الحزب بشكل دراماتيكي ربع قرن إلى الوراء، أي إلى بدايات هذا الحزب الذي ولد على أنقاض الحركة الشعبية الديمقراطية الدستورية، بحصوله على تسعة نواب في عام 1997، بمن فيهم سعد الدين العثماني.
إفراط في الثقة
وقد فشل زعيم الحزب للمرة الأولى في الفوز بمقعد نيابي، بعد أربعة انتصارات متتالية في الانتخابات التشريعية. يعلق أحد المحللين السياسيين قائلا: "إن الهزيمة النكراء لسعد الدين العثماني تعكس الاستراتيجية الانتخابية السيئة لحزب العدالة والتنمية الذي أفرط في الثقة".
كان الأمين العام قد قرر بالفعل الترشح في دائرة الرباط-المحيط، معتقدا أنه سيعيد النجاح الذي حققه في عام 2016 عندما تم انتخابه في المحمدية، بعيدا عن معقله الانتخابي في إنزكان، حيث فازت ثلاث ولايات. وأوضح مصدرنا: "لقد أبدى رئيس الحكومة بعض الغرور عندما اعتقد أن سمعته كرئيس للحكومة وأن الآلة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية سيكونان كافيين لضمان حصوله على أحد المقاعد الأربعة في هذه الدائرة الانتخابية التي كان التنافس فيها على أشده". غير أن الجميع تفاجأ من كون قاعدة الحزب الانتخابية تقلصت بشكل كبير. فلم يتمكن سعد الدين العثماني من جمع سوى 4400 صوت، بينما حصل وكيل لائحة حزب العدالة والتنمية على ما يقرب من 30 ألف صوت في عام 2016.
كما لوحظ هذا الانهيار في الكتلة الانتخابية في عدة دوائر انتخابية كانت تعتبر معاقل انتخابية لحزب المصباح. إلا أنه فقد نوره في معاقل مثل طنجة ومكناس والدار البيضاء، حيث خسر ما بين 40 ألف و50 ألف صوت.
مما لا شك فيه أن تراجع هذه القاعدة الانتخابية للحزب الإسلامي سوف تؤكده الإحصائيات- التي لم تعلنها وزارة الداخلية بعد- مما يؤكد العدد الإجمالي للأصوات على الصعيد الوطني. لكن التقديرات الأولية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية بعيدة كل البعد عن 1.6 مليون صوت التي مكنته من الفوز بالمركز الأول في عام 2016. وقال محللنا أن نتائج الانتخابات الحالية أثبت أن "لا وجود للمليون صوت من أولئك الذين وصفوا بأنهم ناخبون مخلصون لحزب العدالة والتنمية".
آلة معطوبة
الآلة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية كانت معطوبة خلال هذه الانتخابات التشريعية، والتي كانت لها خصوصية تزامنها مع الانتخابات الجماعية والجهوية. وأكد محللنا قائلا: "يجب أن تتذكر أنه في عام 2015، خسر هذا الحزب في الانتخابات الجماعية قبل أن يتمكن من استعادة قوته بعد عام في الانتخابات التشريعية. هذه المرة لم تكن لديه نفس الهامش لإجراء التعديلات اللازمة بين الاستحقاقين الانتخابيين".
والأسوأ من ذلك، يبدو أن حزب العدالة والتنمية لم يدرك العلاقة بين الانتخابات (التشريعية والجماعية والجهوية) التي أجريت بالتزامن في إطار هذه الانتخابات العامة. يوضح مصدرنا أن "الحزب أهمل بعض الدوائر الانتخابية في الجماعات، ولا سيما تلك التي يقل عدد سكانها عن 50000 نسمة، بقراره عدم تغطيتها". وتابع "هذا خطأ استراتيجي، لأنه في هذه الدوائر حرم نفسه بشكل منهجي من الأصوات في الانتخابات التشريعية التي ذهبت لمرشحي الأحزاب التي غطت هذه الجماعات". بعبارة أخرى، فإن التعبئة بحكم تركزها بشكل أساسي على المستوى المحلي جعلت أن العديد من الناخبين يضعون علامة على نفس الرمز في ورقتين مخصصتين للتشريعية وللجماعية/الجهوية.
لكن إذا كان حزب العدالة والتنمية قد قلص التغطية في الجماعات، فذلك بسبب وقوع نزيف في صفوف الحزب. لقد ولى الزمن الذي كان يعلن فيه الحزب عن وجوه جديدة بين مرشحيه، وعرف الحزب الإسلامي في الآونة الأخيرة انشقاقات داخل صفوفه. حتى قادة حزب العدالة والتنمية المعروفين ظلوا مختفين خلال هذه الحملة التي تميزت، فضلا عن ذلك، بالإجراءات الاحترازية بسبب الوباء. كان بإمكان مصطفى الرميد، على الرغم من وضعه الصحي، على سبيل المثال تسجيل مقطع فيديو لدعم حزبه. حتى الخرجة الهزلية الأخيرة لعبد الإله بنكيران عشية الانتخابات، لم يكن لها ذلك الوقع لتحفيز وتشجيع الناخبين التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية.
التصويت العقابي
ولكن بعيدا عن قيادة الحزب الإسلامي، فقد عزل الأخير نفسه عن قاعدته الأيديولوجية الخلفية التي تؤثر بشكل كبير على قاعدته الانتخابية. وأوضح مصدرنا قائلا: "لم تكن التوترات بين حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح جلية بهذا الشكل على الإطلاق. لقد نجح عبد الإله بنكيران في إيجاد التوازن مع هذه القاعدة الخلفية للحزب، في حين قدم العثماني تنازلات لم ترض هذه القاعدة". وأشار مصدرنا هنا، من بين أمور أخرى، إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وتقنين زراعة القنب الهندي والعودة إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية. وهي ثلاث قضايا حساسة أضعفت حزب إخوان العثماني...
لقد سئم بعض ناخبي العدالة والتنمية أو المتعاطفين معه من سماع الخطاب الأخلاقي والخطاب المناهض للفساد والداعي للعدالة الاجتماعية، والتي ظلت مجرد شعارات رنانة. كانت إدارة الشأن خلال الولايتين الحكومتين للحزب كارثية ولم تنقذها إلا إنجازات الوزراء المنتمين لتشكيلات حزبية أخرى أو من خلال المشاريع الملكية الواضحة والمحددة الهدف. ويوضح محللنا بهذا الخصوص قائلا: "الأداء الضعيف لحزب العدالة والتنمية في مناصب المسؤولية كان له تأثير واضح في الانتخابات". وأضاف "المغاربة عبروا عن رغبتهم في التغيير وصوتوا عقابيا ضد الرداءة"، معبرا عن اعتقاده بأن الحزب الإسلامي تعرض لتصويت عقابي من قبل الناخبين.
كان عدم كفاءة المسؤولين المنتخبين لحزب العدالة والتنمية صارخا بشكل خاص في إدارة غالبية المدن الكبرى التي فازوا بها في الانتخابات السابقة. وأوضح مصدرنا قائلا: "أكثر من إدارة الشأن السياسي، كانت إدارة الشؤون المحلية التي تعنى بمشاكل القرب للمواطنين هي التي أضرت أكثر بحزب المصباح. إن تولي عمودية مدن مثل الدار البيضاء أو الرباط أو طنجة أو مراكش أو فاس هي التي أظهرت بكل تأكيد للمغاربة أن حزب العدالة والتنمية حزب يفتقر إلى الكفاءات" القادرة على تدبير شؤون المدن الكبرى.
فقد رأى المغاربة وشاهدوا عجز الإسلاميين عن الحكم بفعالية...لم يعودوا بحاجة إلى فقهاء يرددون وعودا فارغة، بل مديرين أكفاء يمكنهم إنجاز المشاريع وخلق الفرص. هذا التصويت العقابي، الذي زاد من حدته فشل كل تجارب الإسلامويين في المنطقة، الذين تولوا السلطة بعد الربيع العربي، كان أكثر أهمية حيث كانت المشاركة القياسية هي التي ميزت هذه الانتخابات التشريعية. ذهب قرابة تسعة ملايين مغربي إلى صناديق الاقتراع، يوم الأربعاء 8 شتنبر، من أجل معاقبة حزب العدالة والتنمية وإلحاق هذه الهزيمة القاسية به... وهي الهزيمة التي أربكت قيادة الحزب التي قدمت استقالتها والتي لم تجد شيئا لتبرير نتيجتها أفضل من تكرار خطاب المظلومية المعتاد. عن الإيذاء: "عمليات الترحال السياسي، أو ممارسة الضغط على مرشحي الحزب من قبل بعض رجال السلطة وبعض المنافسين وذلك من أجل ثنيهم عن الترشيح، وكذا من خلال الاستخدام المكثف للأموال"، هكذا علقت الأمانة لحزب العدالة والتنمية على هزيمتها في بيان أصدرته عقب إعلان النتائج. ويبدو أن الإخوان في العدالة والتنمية لم يستوعبوا بعد الدرس...