بسرعة ملفتة للانتباه، بعد أسابيع قليلة من عودته إلى رئاسة الديبلوماسية الجزائرية، أعلن رمطان لعمامرة عن قطع العلاقات الدبلوماسية لبلاده مع المغرب.
من بين كل الحجج المغلوطة والعبثية التي طرحها وزير الخارجية الجزائري يوم 24 غشت 2021، لتبرير القرار الأحادي بقطع العلاقات الدبلوماسية لبلاده مع المملكة، أشار إلى تقرير مصير القبايل، التي أثارها دبلوماسي مغربي.
وهكذا، فإن إشارة السفير الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، يوم 16 يوليوز الماضي، إلى "حق تقرير مصير الشعب القبايلي الشجاع"، خلال اجتماع لدول عدم الانحياز عبر تقنية الفيديو، تم تضخيمها بشكل غير متناسب من قبل رئيس الدبلوماسية الجزائرية.
وتجدر الإشارة إلى أن ذكر القبايل من قبل السفير المغربي هو رد فعل على استفزاز رمطان لعمامرة الذي دعا في نفس الاجتماع إلى "تقرير مصير الشعب الصحراوي" و"إنهاء استعمار الصحراء الغربية"، في حين كان موضوع الاجتماع "الجهود المتعددة الأطراف لمواجهة التحديات العالمية". وهكذا فإن مداخلة لعمامرة كانت خارج السياق وهو ما يوضح درجة عدوانية النظام الجزائري ضد الوحدة الترابية للمملكة.
بوصفه يوم 24 غشت الماضي ما قاله عمر هلال بأنه "انحراف خطير وغير مسؤول" و"استفزاز وصل إلى ذروته"، أظهر لعمامرة ببساطة أنه مصاب بفقدان ذاكرة مفاجئ. في الواقع، لم تكن هذه هي المرة الأولى ولا الأخيرة التي يتحدث فيها دبلوماسي مغربي عن تقرير المصير في منطقة القبايل.
في 27 أكتوبر 2015، وعلى الرغم من أن لعمامرة كان وزير خارجية عبد العزيز بوتفليقة لمدة عامين، دافع الدبلوماسيون المغاربة، أعضاء البعثة الدائمة للمملكة لدى الأمم المتحدة، بقوة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن "الحقوق المشروعة لشعب القبايل في تقرير المصير".
عبد الرزاق لعسل، الذي كان حينها الرجل الثاني في البعثة المغربية الدائمة لدى الأمم المتحدة، دعم تقرير مصير منطقة القبايل، خلال الاحتفال بالذكرى السبعين لإنشاء الأمم المتحدة.
وردا على دبلوماسي جزائري أثار "حق تقرير المصير للشعب الصحراوي" المزعوم، رد عبد الرزاق لعسل أنه "من المؤسف أن نسمع البعض يطالب بتطبيق هذا الحق أو ذاك، بينما هم يحرمون سكانها من التمتع بنفس هذه الحقوق... يتم انتهاك التطلعات المشروعة للسكان الأصليين في منطقة القبايل في القرن الحادي والعشرين، ويتم انتهاك حقوقهم الإنسانية بشكل يومي. يجب أن يتمتع هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم 8 ملايين شخص بحقهم في الاستقلال الذاتي والاعتراف بهويتهم الثقافية واللغوية ".
وبعدما عاود المندوب الجزائري للأمم المتحدة الكرة في نفس الاجتماع، حيث تحدث عن "محاولة الرباط تحويل الأنظار عن المشكلة الحقيقية، وهي مشكلة تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية"، وضعه عند حده دبلوماسي آخر هو عمر ربيع، عضو بالهيئة الديبلوماسية المغربية بنيويورك.
وقال له أمام نحو 200 وفد يمثلون المجتمع الدولي بأسره أنه يجب على الجزائر "أن تسعى إلى إعطاء الكلمة لأكثر من ثمانية ملايين قبائلي الذين فرض عليهم الصمت لفترة طويلة. هكذا سينهار جدار التعصب تجاههم وإنكار تطلعاتهم المشروعة".
في أعقاب هذه المواقف المغربية المعبر عنها قبل ست سنوات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو تجمع أهل بكثير من تجمع حركة عدم الانحياز، لم يصدر أي رد فعل عن النظام الجزائري ووزارة الشؤون الخارجية التي كان يشرف عليها آنذاك رمطان لعمامرة نفسه. وعلى الرغم من أن هذه التصريحات أمام الأمم المتحدة تصدرت عناوين وسائل التواصل الاجتماعي في البلدين المغاربيين المجاورين، إلا أن الصحافة الرسمية الجزائرية لم تتحدث ولو بكلمة واحدة عن هذا الأمر.
فلماذا يحتج لعمامرة اليوم؟ لماذا لم يستدع السفير الجزائري بالمغرب عام 2015 ويطالب المملكة بتقديم تفسير؟ ما الذي تغير منذ ذلك الحين؟
بكل بساطة لأن النظام الجزائري يبحث عن ذرائع واهية لاتخاذ قرار يصرف من خلاله انتباه الجزائريين عن عدم كفاءة النظام الذي أغرق البلاد في أزمة معقدة للغاية. من جملة الذرائع التي تعلل بها لعمامرة، والتي تراوحت بين تزوير التاريخ إلى الاتهامات التي تجعل العالم بأسره يضحك، مثل إشعال النار في الغابات أو إعطاء الأوامر بقتل جمال بن إسماعيل، لم يكن هناك سوى دعم حق تقرير مصير شعب القبائل الذي كان مقبولا إلى حد ما...لكنه نسي أن يقول إنه فضل السكوت في عام 2015 عندما كشف المغرب تناقضات النظام الجزائري في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كل هذا يعني بوضوح أن "ذريعة القبائل" ليست أكثر من وسيلة من بين العديد من الذرائع المغلوطة الأخرى التي طرحها لعمامرة لتبرير قطع العلاقات المغربية الجزائرية. إنه لم يقم إلا بتنفيذ قرار اتخذه الجنرالات الذين تجاوزتهم الأحداث ولم يعودوا يعرفون كيف يلحقون بالمغرب.