الشك استمر لأقل من عشرة أيام. فأولئك الذين عقدوا الآمال بعد التصريحات المطمئنة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يوم 4 يوليوز على قناة فرانس 24، سيفهمون الآن أن التوتر الدائم مع المغرب هو أحد الركائز الأساسية للنظام الجزائري. أولئك الذين يعتقدون أن بعض الأطراف في الجزائر يضغطون في اتجاه إقامة علاقات هادئة بين البلدين بالنظر إلى التحديات التي يفرضها وباء كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية والوضع المتفجر في ليبيا سيعرفون مدى العداء الدفين المتأصل في الدولة الجزائرية.
وصرح الرئيس الجزائري في هذه المقابلة مع فرانس 24 قائلا: "أقولها بشكل رسمي بأن الجزائر ليس لها أي إشكال أو مشكل مع هذا البلد الجار". بل إنه أدلى بهذا التصريح الغامض الذي يوحي بأنه يرغب في اليد الممدودة عندما قال: "الآن، إذا اعتقدوا (يقصد المغاربة) أنه يجب اتخاذ مبادرة، فستكون موضع ترحيب. أعتقد أنه يمكنهم اتخاذ مبادرة لإغلاق هذا الملف".
وقد أثارت هذه الجملة موجة من الذعر في صفوف العسكر الجزائري وجبهة البوليساريو. وأعقب ذلك حملة شرسة ضد المغرب في وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية مفادها أنه لا يوجد أي تغيير في الأفق في السياسة الجزائرية اتجاه جاره الغربي.
ولأن ذلك لم يكن كافيا، كان من الضروري دفع الرئيس الجزائري إلى إبداء وجهة نظر لا لبس فيها. هذا ما فعله في مقابلة مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية الصادرة في عددها ليوم الاثنين 13 يوليوز والتي تم نشر مقتطفات كبيرة منها من قبل موقع TSA الإخباري.
في هذه المقابلة الأخيرة، قال عبد المجيد تبون: "بالنسبة لنا، ليست لدينا مشكلة مع المغرب ونركز على تنمية بلدنا"، مضيفا "لا يبدو أن إخواننا المغاربة في نفس الحالة الذهنية". وللتوضيح أكثر، قال: "بالنسبة لهم، فإن الجمهورية العربية الصحراوية هي زائدة على الساحة الدولية. إن الأمر متروك لهم للدخول في حوار مع البوليساريو. إذا قبل الصحراويون مقترحاتهم، فسوف نشيد بذلك". وذكر تبون أن دعم حركات التحرر هو ثابت من ثوابت الدولة الجزائرية وقال إنها "إنها شبه عقيدة".
إنها في الحقيقة زلة لسان: فدعم البوليساريو هو عقيدة في الجزائر. وبعبارة أخرى أحد ثوابت الدولة، حقيقة لا تقبل النقاش ولا يمكن أن توضع موضع تساؤل. إنها باختصار البومدينية في أبهى حللها.
في هذا الحوار مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، عاد الرئيس الجزائري للحديث مرة أخرى إلى بناء قاعدة في الشرق من قبل القوات المسلحة الملكية. وأكد الرئيس الجزائري أن "بناء قواعد عسكرية على حدودنا هو شكل من أشكال التصعيد الذي يجب أن يتوقف"، ولكنه يبدو أن تبون أن الجيش الجزائري الذي هو من حيث المبدأ قائده الأعلى، يمتلك حوالي عشرين قاعدة عسكرية على طول الحدود مع المغرب.
ويبدو أن القاعدة العسكرية التي يعتزم المغرب بناءها بالقرب من جرادة هي مجرد مبرر جديد للنظام الجزائري من أجل تغذية التوتر الدائم مع المغرب.
أما بالنسبة للأشخاص الذين اعتقدوا بحصول معجزة بعد حوار رئيس الدولة الجزائرية مع فرانس 24 فيتعين عليهم أن يتمسكوا بكلمة "شبه" التي تسبق كلمة "عقيدة". وهذا يترك بعضا من الأمل في إقامة علاقة طبيعية بين البلدين.