أجمعت المراجع التاريخية أن إقدام هواري بومدين ونظامه على جريمته الشنعاء أتى كرد فعل على دعوة الملك الراحل الحسن الثاني الشعب المغربي للقيام بالمسيرة الخضراء، وتحرير الأقاليم الجنوبية، ونجاح المسيرة في إخراج المستعمر الإسباني من جنوب المغرب، حيث رفض بومدين السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، ليتجه النظام الجزائري لتأسيس ما يسمى بجبهة البوليساريو ويدعمها بكل أشكال الدعم، وهو الصراع المفتعل الذي ما زال قائما حتى الآن.
جريمة يوم عيد الأضحى:
في صبيحة عيد الأضحى من سنة 1975، وبالضبط في 18 دجنبر، وقع لأزيد من 45 ألف أسرة مغربية مقيمين بالجزائر بشكل قانوني وسليم، ما لم يخطر لهم على بال، فقد اتخذ هواري بومدين قراره بجعلهم أكباش فداء لصراعه غير المفهوم مع الجار المغرب، حيث أقدم على ترحيلهم وطردهم وإخراجهم بالقوة دون أن يأخذوا معهم أي شيء من أموالهم ومتاعهم، إلا النزر القليل، وهو الأمر الذي شبهه جمال العثماني أحد المرحلين في حديثه مع موقع LE360 بترحيل إسرائيل للفلسطينيين زمن النكبة، حيث أخرجوا تاركين منازلهم وأموالهم وأراضيهم غصبا وعدوانا.
ويضيف العثماني الذي وثق لهذه الجريمة في سيرة ذاتية سماها " قرارة الخيط"، أن هناك من طردوا من منازلهم بلباس النوم، وروى عن تفاصيل موجعة عن ما لحق الأسر والأفراد من أذى وإذلال وإهانة من طرف الأمن والجيش الجزائري، وكذا سوء المعاملة، حيث أجبروا عن التخلي على ممتلكاتهم، وتخييرهم بين الاعتراف بجبهة البوليزاريو ودعمها ماليا أو الترحيل.
وفي خطوة تبرز رغبة النظام الجزائري في الانتقام من المسيرة الخضراء، أطلقت على عملية التهجير حسب مصادر تاريخية بالمسيرة السوداء، حيث بلغ عدد المطرودين زهاء 350 ألف شخص، يمثلون 45 ألف عائلة، وهو نفس عدد المشاركين في المسيرة الخضراء، في رسالة واضحة من الهواري بومدين.
الرحلة المريرة إلى "زوج بغال"
يسرد جمال في سيرته الذاتية أطوار الرحلة المهينة التي لم تحترم إنسانيتهم وآدميتهم، ولم يراعي المسؤولون الجزائريون صغيرا ولا شيخا ولا امرأة، حيث ساقوهم إلى "الكوميسارية"، في ساحة ضيقة بها العشرات من الأسر، اختنقوا فيها بسبب الاكتظاظ، وكيف عانى الأطفال من الخوف والجوع والبرد الشديد في انتظار الحافلات والشاحنات التي ستنقلهم إلى مدينة وجدة، مؤكدا في ذات الكتاب أن " الجزائر أحدثت ألما غائرا ودمرت حياتهم وسلبت مستقبلهم".
العثماني أكد أن مما خفف على العائلات وطأة الطرد هو الاستقبال الدافئ الذي لاقوه في النقطة الحدودية بوجدة، من طرف السلطات المغربية والهلال الأحمر المغربي والمحسنين، فبعدما تم " إفراغهم كالفراخ" حسب تعبيره عند وصولهم، اقتادهم أفراد القوات المساعدة المغاربة إلى خيام نصبت لأجل ذلك، وقدم لهم الطعام والأغطية لتقيهم البرد، ليتم نقلهم عبر حافلات ويوزعون عبر مراكز التكوين المهني وداخليات الثانويات والجمعية الخيرية الإسلامية.
هل جزاء الإحسان هو الطرد والترحيل؟
يحكي جمال العثماني بكثير من المرارة والأسى عن هذه التجربة القاسية، وكيف أنه نشأ في منطقة بوحجر القريبة من سيدي بلعباس ووهران غرب الجزائر، وكيف اختطفت من وجهه البسمة، وسرقت من مخيلته الأحلام فجأة، وهو طفل يافع، بسبب قرار سياسي غير مبرر وغير منطقي بتاتا، معتبرا أن هذه الجريمة النكراء هي حكاية متوغلة في الأحزان، خاصة وأن من بين المهجرين من ساهم في استقلال الجزائر وشارك فعليا في ثورتها ضد المستعمر الفرنسي، وبشهادة الجيش الجزائري، ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من اعتقل في سجون المستعمر، كحالة المقاوم الراحل مصطفى الداودي والذي منحته وزارة المجاهدين وسام المقاوم أثناء حرب التحرير، وعائلة بلعربي والسعيدي وغيرهم، والمتواجدين حاليا بمدينة وجدة.
مطالب الأسر بعد 44 سنة من الترحيل:
حسب جمال العثماني، فمطالبه هو شخصيا للتعويض عن الضرر النفسي والمادي البليغ الذي لحقه، تتجلى فقط في إحياء الذكرى والمأساة، وعدم محو الذاكرة عن هذا الفعل الشنيع، ليبقى عارا يطارد النظام الجزائري ورموزه، من هواري بومدين إلى بوتفليقة الذي نشأ وترعرع في مدينة وجدة، مبينا أن هناك من الأسر من يطالب بالتعويض المادي عن ما سلب منهم من أموال وممتلكات بيعت بثمن بخس في المزاد العلني، ولو أن التعويض النفسي والمعنوي لا يمكن تقدير حجمه، بسبب الظلم الكبير والقهر العظيم الذي عاشته هذه الأسر وأفرادها، ومنهم من مات غبنا بسبب الحكرة التي طالته.