يأتي هذا الحادث في وقت يدعي فيه عبد المجيد تبون، الرئيس الجزائري المنتهية ولايته، بأنه « نجح » في القضاء على أزمة السكن، حيث لا يكف عن التفاخر بتوزيع 250 ألف وحدة سكنية على المواطنين، مؤكداً أنه « لا يوجد بلد في العالم، كبيراً كان أو صغيراً، يمكنه أن ينافس الجزائر في هذه الأرقام ».
فبينما كان تبون يروج لإنجازاته المزعومة، يوم الأحد الماضي أمام أنصاره بقسنطينة، كانت معاول سلطات المدينة نفسها تعمل بجد لهدم بيوت القصدير التي يأوي إليها مئات الجزائريين ممن لم ينالوا حظهم من « الإنجازات » التي يفاخر بها النظام.
التصويت مقابل السكن
صباح الثلاثاء 20 غشت، صعد خمسة شبان جزائريون ينحدرون من ضواحي قسنطينة، التي تسمى أيضا مدينة الجسور المعلقة، إلى أعلى جسر « سيدي مسيد » وبثوا مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي يهددون من خلاله بالانتحار الجماعي، مؤكدين أن سبب إقدامهم على هذه الخطوة هو هدم السلطات لبيوتهم في حي الشالي مع تشريد أسرهم ورمي أغراضهم في الشارع.
وطالب الشباب السلطات المحلية بالتدخل ومنحهم سكنات اجتماعية لائقة كونهم لا يملكون بديلا آخر عن منازلهم التي تهدمت، ولا يستطيعون دفع ثمن الإيجار لإيواء عائلاتهم.
ونقلت صحف جزائرية أن المحتجين تقدموا بطلبات للحصول على سكنات اجتماعية، غير أنه تم إقصاؤهم، على حد قولهم من قبل مصالح الدائرة.
وفور انتشار الفيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي، سارعت سلطات قسنطينة إلى إيقاف الشبان الخمسة وإحالتهم على العدالة بتهم تتعلق بـ »التعدي على أملاك الدولة والبناء دون رخصة وغلق الطريق العمومي وإثارة الفوضى »، حسب ما جاء في بيان صدر الأربعاء عن مصالح ولاية قسنطينة.
وزعمت السلطات أن الهدم جزء من حملة « القضاء على النقاط السوداء » في المدينة، ولكن هذا التبرير لم يقنع الشارع الذي بات على دراية بأن وراء هذه الحملة دوافع سياسية تهدف إلى ترهيب معارضي النظام قبيل الانتخابات الرئاسية.
وأكدت وسائل الإعلام الجزائرية، نقلا عن السلطات، أن الشبان الخمسة أقروا بعدم قانونية تصرفهم بعد أن تم استقبالهم من طرف رئيس دائرة قسنطينة. لكن هذا البيان لم يهدئ من غضب الجزائريين الذين عبروا عن استيائهم من الأوضاع المعيشية التي دفعت هؤلاء الشباب إلى اليأس، واعتبروا أن ما حدث يفضح زيف الشعارات التي يرددها النظام.
إقرأ أيضا : أكاذيب تبون حول التخلص من المديونية الخارجية: حقائق تصطدم بالواقع
ويعيد هذا الحادث إلى الواجهة النقاش حول أزمة السكن في الجزائر، والتي يُستغل الحديث عنها كأداة لكسب الأصوات في ظل وضع اقتصادي صعب، حيث يعيش الملايين من الجزائريين في ظروف معيشية قاسية، في بلد يوصف بأنه من أغنى دول العالم من حيث الموارد الطبيعية. وبينما يواصل النظام التفاخر بإنجازاته، يظل المواطن الجزائري، وخاصة في المناطق المهمشة، يعاني من نقص الخدمات الأساسية كالسكن والماء والغذاء.
غضب وإحباط
الحادثة أيقظت مواجع الكثير من الجزائريين الغارقين في الصراع اليومي بحثا عن الماء والغذاء، حيث تداولوا مقطع الفيديو على نطاق واسع عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي وأرفقوه بتعليقات غاضبة ومستنكرة من الأوضاع المزرية التي دفعت هؤلاء الشباب إلى محاولة الانتحار.
وبينما لامت بعض التعليقات هؤلاء الشباب على « التصرف المتهور » الذي كانوا سيقدمون عليه بوضع حد لحياتهم بسبب الحرمان من السكن، كشف آخرون عن الخبايا الحقيقية وراء هدم سكنات هؤلاء الشبان وغيرهم، مؤكدين أن السلطات تستغل موضوع السكن في الحملة الانتخابية لصالح مرشح النظام عبد المجيد تبون، عبر فرض الولاء له على الراغبين في الحصول على سكن، ومعاقبة كل من يجرؤ على مساندة مرشح منافس أو يفكر في مقاطعة الانتخابات.
أزمة الثقة بين المواطن والدولة
الانتقادات طالت أيضًا جودة هذه الوحدات السكنية التي يتباهى بها تبون أمام العالم. إذ وصفها كثيرون بأنها « سكنات قصديرية لا تصلح للعيش »، بل تمثل خطرًا على قاطنيها.
وفي الوقت الذي يزعم فيه تبون أنه قد قضى على أزمة السكن بتوزيعه 250 ألف وحدة سكنية، تأتي حادثة الشبان الخمسة لتفضح زيف هذا الادعاء، وتظهر مدى استغلال النظام لهذه القضية لكسب أصوات الناخبين البسطاء، الذين يجدون أنفسهم يومًا بعد آخر في مواجهة واقع يتناقض مع الوعود البراقة التي يسوقها النظام.
كما ستبقى هذه الواقعة شاهداً على الفجوة العميقة بين ما يدعيه النظام وما يعيشه المواطن على أرض الواقع، وتؤكد أن الأزمة الحقيقية التي تعيشها الجزائر ليست في نقص الوحدات السكنية فحسب، بل في انعدام الثقة بين المواطن والدولة، تلك الثقة التي تآكلت بفعل عقود من الوعود الكاذبة والشعارات الجوفاء.