وحطم اليورو والدولار، يوم الخميس 27 نوفمبر، أرقاما قياسية جديدة. فبالنسبة للعملة الأوروبية الموحدة، يعرض الصرافون ورقة المئة يورو مقابل29,000 دينار جزائري، ويباع الدولار بنحو 248 دينارا.
ورغم خطورة هذا الانهيار على الوضع الاقتصادي للبلاد الغارقة أصلا في أزمات كثيرة نتيجة السياسات الفاشلة للنظام العسكري الحاكم، فإن «السيستام» ظل عاجزا عن إيجاد حلول حقيقية لتفادي «السكتة القلبية»، ولم يجد ما يفعله سوى التقليل من خطورة انهيار الدينار، حيث أوعز لأذرعه الإعلامية بأن «توهم» الشعب بأن ما يحدث ليس سوى «مجرد فقاعة مضاربة»، بدعوى أنها «سرعان ما ستتراجع مع نهاية الشهر، بمجرد انحسار الطلب وانخفاض حرارة السمسرة».
وبدل معالجة الاختلالات التي أدت إلى انهيار العملة، وجهت السلطات الجزائرية الاتهام إلى السوق السوداء، تماما مثلما يفعل من يحاول كسر الأصبع الذي يشير إلى مكامن الخلل. فقد نقلت جريدة «الشروق» عن عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، محمد مير، قوله «إن الوقت قد حان لمحاصرة سوق العملة الصعبة في السكوار وباقي النقاط السوداء، وضمّها تدريجيا للسوق الرسمية عبر فتح مكاتب صرف مقنّنة»، مؤكدا أن «الإطار القانوني موجود، وأن المطلوب حاليا هو التطبيق الفعلي مع تحديد هامش ربح متوسط ومعقول للمتعاملين».
وفي محاولة للتقليل من الموضوع، تحاشت معظم وسائل الإعلام الرسمية الحديث عن «انهيار الدينار» وتعمدت استخدام عبارة «ارتفاع سعر اليورو» في محاولة للتعتيم على انعكاساته السلبية.

في هذا السياق، نقل موقع «كل شيء عن الجزائر» عن خبراء اقتصاديين أن «المستفيد» الوحيد من انهيار الدينار هم «السياح الأجانب وأفراد الجالية الوطنية المقيمة بالخارج، عندما يزورون الجزائر».
وأوضح مقال بعنوان «الدينار الجزائري: الرابحون والخاسرون من صعود اليورو»، أنه عند قيام السياح بصرف عملاتهم في السوق السوداء، يحقق هؤلاء ربحا في سعر الصرف بفضل فارق يبلغ 93% مقارنة بالسعر المصرفي، ما يسمح لهم بقضاء إقامات مريحة جداً من الناحية المالية، بمبالغ صغيرة من اليورو أو الدولار».
وفي المقابل، فإن تراجع الدينار أمام اليورو سيزيد من إفقار الجزائريين، إذ سيلزم كل من يرغب في شراء سيارة أو السفر مبالغ ضخمة بالدينار للحصول على العملة الصعبة.
وأثار الانهيار الحاد للدينار الجزائري ضجة في منصات التواصل الاجتماعي، حيث دق مواطنون بينهم مختصون ومراقبون ومعارضون ناقوس الخطر بسبب السقوط المهول للدينار في السوق الموازية، مشككين في قدرة النظام العسكري في إيجاد حل للمعضلة من خلال «الإجراءات الترقيعية» التي تلجأ إليها الحكومة.
نظام يسير نحو الهاوية
يرتبط هذا الهبوط، الذي وصفه صرافون بأنه «غير مسبوق ومنفصل عن الأساسيات المعتادة»، بعاملين رئيسيين:
أولهما، عمليات استيراد السيارات الجديدة والمستعملة التي تتم بالعملات الصعبة، والتي لا يستطيع المواطنون الحصول عليها إلا في السوق الموازية، ما خلق نقصاً حاداً في اليورو ورفع قيمته وفقاً لقانون العرض والطلب.
وثانيهما، ارتفاع الطلب على العملة الصعبة من طرف المستوردين والمواطنين الراغبين في السفر لأسباب مختلفة، إذ لا تكفيهم حصة المخصصات السياحية الرسمية البالغة 750 يورو.
وفي جميع الحالات، يوسع تراجع الدينار في السوق الموازية الفجوة الضخمة بين سعر الصرف فيها وسعره في السوق الرسمية لبنك الجزائر، حيث يبلغ سعر اليورو 150.43 دينارا، أي بفارق يتجاوز 140 دينارا بين السوقين.
ويرى خبراء أن الانهيار الحاد للدينار الجزائري هو نتيجة لاقتصاد تديره سلطة سياسية عسكرية تعتمد كليا على ريع نفطي لا تتحكم في سعره.
ومن الأسباب الأخرى لتراجع الدينار، انهيار ثقة المواطنين، وتراجع أسعار النفط العالمية التي تمثل نحو 95% من إيرادات التصدير، بالإضافة إلى السياسات المالية غير المنتجة.
وتشمل هذه السياسات استمرار النظام في تخصيص ميزانية ضخمة للدفاع تبلغ نحو 25 مليار دولار في 2026، وكذلك التحويلات الاجتماعية غير المنتجة المقدرة بـ46 مليار دولار.
ونظرا لرفض الدولة الاستدانة من الخارج، فمن المتوقع أن تضطر إلى اللجوء للسوق الداخلي أو تفعيل طبع النقود، ما ينذر بآثار سلبية على الأسعار وقدرة المواطنين الشرائية.
إن الانهيار المتواصل للدينار أمام اليورو ليس مجرد رقم عابر، بل هو نذير شؤم يجسد أزمة ثقة عميقة في العملة الوطنية. وتؤكد هذه التداعيات أن السياسات المالية الحالية، التي تصر على تأجيل الإجراءات التصحيحية الضرورية، إنما تدفع بالاقتصاد نحو هاوية لا رجعة فيها. فمع استمرار النظام العسكري في ضخ المليارات في قطاعات غير منتجة تعتمد على الإيرادات النفطية المتقلبة، وتزايد الفجوة بين السوقين الرسمية والموازية، يتبين أن انهيار الدينار ما هو إلا إشارة واضحة إلى أن النموذج الاقتصادي والسياسي الحالي قد وصل إلى طريق مسدود، ويؤجل فقط استحقاق الأزمة الاقتصادية الكبرى التي قد تعصف بالاستقرار المنشود.







