أكدت بعض وسائل الإعلام التابعة للنظام الجزائري، أن وقفة نظمت يوم الخميس فاتح غشت، أمام « سفارة » البوليساريو بالجزائر العاصمة. وأفادت أن « منظمات وجمعيات المجتمع المدني نظمت، يوم الخميس، اعتصاما تضامنيا مع الشعب الصحراوي… احتجاجا على دعم فرنسا لمخطط الحكم الذاتي المغربي باعتباره الأساس الوحيد لحل نزاع الصحراء » في إطار السيادة المغربية.
إقرأ أيضا : رئاسيات الجزائر: العسكر يشرع في «الانتقام» من المترشحين ضد «عمي تبون»
ومن الواضح أن التعميم التام أحاط بهوية « منظمات وجمعيات المجتمع المدني » المذكورة. ولم يتم ذكر أدنى اسم لأي من هذه المنظمات والجمعيات، ولا لقياداتها أو أعضائها الذين جاءوا للاحتجاج على قرار الحكومة الفرنسية أمام ما يسمى بـ« سفارة » جبهة البوليساريو في الجزائر العاصمة. وبالتالي، فقد تم إعفاء السفارة الفرنسية في الجزائر العاصمة وتوابعها العديدة المنتشرة في جميع أنحاء العاصمة الجزائرية من هذا الصخب العقيم، الذي لم يكن الهدف منه انتقاد الحكومة الفرنسية، ولكن للاستهلاك المحلي فقط.
ولكن السؤال المطروح هو لماذا يرفض النظام الجزائري دائما السماح بتنظيم مسيرات أو مظاهرات لدعم فلسطين، في الوقت الذي ينظم فيه هو نفسه وقفة تضامنية مع جبهة البوليساريو. خاصة وأنه منذ عام 2007، السنة التي تم فيها تقديم مخطط الحكم الذاتي المغربي، تزايد التأييد لهذا المخطط، ولم يتم تنظيم وقفة احتجاجية في الجزائر العاصمة قبل يوم الخميس الماضي.
ونكتفي فقط بالحدث الأبرز الخاص بالاعتراف بمغربية الصحراء، لماذا لم يتم تنظيم مثل هذا الاعتصام بعد القرار الأمريكي في دجنبر 2020، أو القرار الإسباني في 2022؟ لماذا الان؟
بكل بساطة لأن النظام الجزائري يعلم جيدا أن ما يسميه « القضية الصحراوية » لا تهم الجزائريين، رغم الدعاية المحمومة والتجييش اليومي، في حين أن القضية الفلسطينية تلقى دعما عفويا من قبل الجماهير. والحال أن هذه الجماهير هي التي يخشاها النظام، لأنه يعتقد أنها ترغب في إحياء الحراك الشعبي.
إن الترخيص بهذه الوقفة الداعمة لجبهة البوليساريو وحظر المظاهرات في فلسطين يظهران بوضوح فشل النظام في إقامة تقارب بين « القضية الصحراوية »، التي تظل همه الرئيسي، وفلسطين، التي يستخدمها كأداة دعائية لإضفاء الشرعية على سلطته المرفوضة من قبل الجزائريين أكثر من أي وقت مضى.
إقرأ أيضا : الجزائر: منع المهرجانات خوفا من اندلاع المظاهرات ضد ترشح تبون لولاية رئاسية ثانية
الأمر المؤكد هو أن « منظمات المجتمع المدني الجزائرية » التي اعتصمت دعما لجبهة البوليساريو لم تكن بحاجة إلى ترخيص للقيام بذلك، بل تم تجنيدها لتكون بمثابة كراكيز في مسرحية تهدف إلى شيطنة فرنسا، المتهمة بـ »محاولات زعزعة استقرار المنطقة ».
غير أنه أمام هذه الصفعة الجديدة التي وجهتها فرنسا، في أعقاب قرارها التاريخي بالاعتراف بمغربية الصحراء، كان رد فعل النظام الجزائري هو تبديد الرصيد الدبلوماسي القليل المتبقي له.
وللمرة الرابعة منذ 2020، ترتكب الطغمة العسكرية نفس الحماقة الدبلوماسية باستدعاء سفيرها في فرنسا، مع أنها تعلم تماما أن هذه « العقوبة » كانت دائما غير مجدية ولم تجعل باريس تتراجع عن قراراتها ومواقفها التي تزعج الجزائر.
سواء أكان الأمر يتعلق بالبرنامج الذي بثته قناة « آرتي » في ماي 2020 حول جرائم وفساد الجنرالات الجزائريين، أو تصريحات إيمانويل ماكرون في أكتوبر 2021 حول عدم وجود أمة جزائرية، وتهريب الصحفية الفرنسية-الجزائرية أميرة بوراوي إلى فرنسا أو الاعتراف في 30 يوليوز بمغربية الصحراء، كان النظام في الجزائر ينتهي به الأمر دائما إلى إعادة سفيره، صاغرا، إلى باريس دون أدنى تعويض.