وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن استهداف السلطات الجزائرية المستمر لمحمد تجاديت « يعد تأكيدًا على قمعها المتواصل للمعارضة السلمية ».
وأشارت المنظمة في تقرير حديث إلى أن السلطات تسيء استخدام تهم الإرهاب لإسكات الأصوات المعارضة، مما يخلق مناخًا من الخوف يحيط بمن يرغبون في التعبير عن آرائهم.
وأضافت أن تجاديت، الذي واجه المحاكمة للمرة الخامسة منذ عام 2019، تم احتجازه تعسفيًا لمدة سبعة أشهر بسبب تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي ومحادثات خاصة له على الإنترنت.
ودعت إلى الإفراج الفوري عنه وإسقاط جميع التهم الموجهة إليه، معتبرة أن « احتجازه ينتهك حقوقه الإنسانية الأساسية. »
تفاصيل الاعتقال والمحاكمة
اعتقلت السلطات الجزائرية محمد تجاديت في 29 يناير 2024 من منزله في الجزائر العاصمة، وأمرت بحبسه احتياطيًا. وفي 31 يناير، مثل أمام وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق لدى محكمة الرويبة دون حضور محامٍ، حيث استجوب بتهم « الإشادة بالإرهاب » و »استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال لدعم أعمال وأنشطة تنظيمات إرهابية »، بناءً على المادة 87 مكرر 4 ومكرر 12 من قانون العقوبات. استندت هذه التهم إلى اتصالاته عبر الإنترنت مع أفراد صنفتهم السلطات لاحقًا كإرهابيين، إضافة إلى مقاطع فيديو نشرها على حساباته الشخصية ينتقد فيها السلطات الجزائرية.
وليست هذه أول مرة يحاكم فيها محمد تجاديت، فقد قاضته السلطات واحتجزته في أربع قضايا منفصلة على الأقل بين عامي 2019 و2022، بسبب مشاركته في احتجاجات سلمية أو لممارسته حقه في حرية التعبير.
ويعكس هذا النهج تصعيدًا لقمع الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي على مدى السنوات الخمس الماضية، حيث استهدفت السلطات الأصوات المعارضة من المحتجين والصحفيين وأولئك الذين يعبرون عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
الإرهاب لإسكات معارضين سلميين
منذ اندلاع حركة الاحتجاج الأسبوعية « الحراك » في عام 2019، والتي بدأت بمعارضة ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة وتطورت لاحقًا لتشمل مطالب أوسع بالحرية السياسية، تعرض مئات الأشخاص للاعتقال والاحتجاز بشكل تعسفي. فقد استهدفت السلطات أشخاصًا تعتبرهم قادة حركة الاحتجاج ومن يكتبون عن الحركة.
وبعد حظر الاحتجاجات الأسبوعية بسبب القيود التي فرضت بسبب جائحة فيروس كوفيد، وسّعت السلطات حملتها القمعية لتشمل المسنين والشباب، والأشخاص في المناطق الحضرية والريفية، والنشطاء وأطفال المدارس. ولاحقت السلطات الجزائرية كل شخص يمارس حقه في حرية التعبير، أو التجمع السلمي أو تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، على نحو تعتبره يشكل تهديدًا للحكومة.
إقرأ أيضا : الجزائر: منع المهرجانات خوفا من اندلاع المظاهرات ضد ترشح تبون لولاية رئاسية ثانية
وسائل قمع متنوعة
وفق تقارير منظمات حقوقية دولية، استخدمت السلطات الجزائرية وسائل مختلفة لتوسيع نطاق قمعها، بما في ذلك:
- الاعتقالات التعسفية المتكررة: حيث يتم احتجاز الأفراد دون توجيه تهم واضحة.
- فرض غرامات باهظة: كوسيلة للضغط المالي على النشطاء وأسرهم.
- الضغط على أفراد العائلات: للحصول على معلومات حول مكان تواجد النشطاء.
- اختطاف الناشطين: كما في حالة إعادة ناشط هارب يتمتع بوضع لاجئ إلى الجزائر ليحاكم بتهم زائفة.
- الحجز الاحتياطي بما يتجاوز الحد القانوني: مما يتسبب في احتجاز الأفراد لفترات طويلة دون محاكمة عادلة.
- فرض عقوبات سجن طويلة في حق أشخاص ما كان يجب محاكمتهم أصلًا.
- التعذيب والمعاملة السيئة داخل مراكز الاحتجاز.
إقرأ أيضا : هدية تبون للجزائريين في نهاية عهدته الأولى: عسكرة المؤسسات والإدارات المدنية
انتقادات دولية
تواجه الجزائر انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان الدولية بسبب استخدام السلطات لقانون الإرهاب لقمع النشطاء والمعارضين السياسيين.
فقد اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات الجزائرية بتصعيد « قمعها للحق في حرية التعبير والتجمع السلمي على مدى السنوات الخمس الماضية، من خلال استهداف الأصوات المعارضة الناقدة، سواء كانت من المحتجين أو الصحفيين أو أشخاص يعبّرون عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي ».
وفقا لأحدث تصنيف صادر عن منظمة مراسلون بلا حدود غير الحكومية، تراجعت الجزائر ثلاثة مراكز في العام 2024 في مقياس حرية الصحافة، لتحتل المرتبة 139 من أصل 180 دولة.
وأعربت « مراسلون بلا حدود » عن أسفها لـ »تعرض وسائل إعلام مستقلة لضغوط » وتعرّض صحافيين لـ »تهديدات واعتقالات » « لمجرد ذكر الفساد أو قمع التظاهرات ».
ووفقًا لهيئات مراقبة محلية، لا يزال عشرات الأشخاص محتجزين في السجون الجزائرية بسبب تعبيرهم عن معارضتهم، وحُكم عليهم في الكثير من الحالات بموجب مواد تُعدّ موضع إشكال في المجلة الجزائية مثل « المساس » بالأمن أو المصلحة الوطنية، و »المساس بالوحدة الوطنية »، و« إهانة » موظف عمومي، و« التحريض » على التجمهر غير المسلح، ونشر أخبار زائفة، والإرهاب.
وفي يناير 2021، خلص تحليل قانوني صادر عن الإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة إلى أن الإطار القانوني الجزائري بشأن مكافحة الإرهاب يتعارض بشكل مباشر مع الممارسات الفضلى في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وأعرب التقرير عن قلق بالغ تجاه تعريف الجزائر لجرائم الإرهاب وعملية تصنيفها للإرهاب، مشددًا على الحاجة لإصلاحات قانونية تضمن حماية حقوق الإنسان.
دعوة لضمان الحقوق الأساسية خلال الانتخابات
تعكس الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في الجزائر تدهورا خطيرا في المشهد الديمقراطي في البلاد، التي ينخرها الفساد من شتى النواحي ويدفع ثمنها المواطن البسيط الذي بات يكابد المعاناة في سبيل تحصيل قوته اليومي، بينما يصرف نظام الجنرالات أموال الشعب في تمويل الأطروحة الانفصالية.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 7 شتنبر المقبل، دعت منظمة العفو الدولية السلطات الجزائرية إلى ضمان ممارسة الجميع لحقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، بما في ذلك أولئك الذين ينتقدون الحكومة.
وتبرز قضية محمد تجاديت كنموذج صارخ لانتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر، مما يتطلب تدخلًا دوليًا وضغوطًا مستمرة على السلطات الجزائرية لضمان احترامها لحقوق الإنسان ووقف استغلال قوانين الإرهاب لقمع الأصوات المعارضة.