في محاولة لتبرير الضجة التي أثارها عبد المجيد تبون، المرشح الحر المدفوع من طرف العسكر الجزائري وأجهزته وأحزابه وإعلامه، بزلة لسانه عندما طالب مصر بفتح الحدود مع غزة لتمكين الجيش الجزائري من الدخول.. أخرج النظام العسكري أحد أذنابه البارعين في الشعبوية وتحوير النقاش، لكي يتولى هاته المهمة ويبرر سقطة تبون.
وهكذا، سارع عبد القادر بن قرينة (62 سنة)، رئيس حركة البناء الوطني التي تنتمي للتيار الإسلامي، إلى التنقل بين ولايات الجزائر شمالا وجنوبا من أجل عقد تجمعات خطابية يبالغ من خلالها في تمجيد (وتقديس) النظام ومرشحه، بشكل فج أثار سخرية الجزائريين أكثر مما أصابهم بالغثيان.
من ولاية تيميمون بجنوب الجزائر، استهل بن قرينة جولاته الاستعراضية لتلميع صورة مرشح النظام، وطفق يغدق على « عمي تبون » بالمدح والثناء حتى كاد يرفعه إلى مرتبة الأولياء والصالحين.
وخلال خطبته الشعبوية أمام سكان تيميمون، أكد بن قرينة أن الدفاع عن الرئيس عبد المجيد تبون ومؤسسات الدولة، وخاصة الجيش الوطني الشعبي، هو أولوية قصوى، مشيرًا إلى استعداده وحزبه للتخلي عن كل مصالحهم الشخصية في سبيل حماية سيادة الجزائر ووحدتها.
وبعدما فرغ من كلامه الثقيل المليء بالتزلف المبالغ فيه للجيش ومرشحه الذي وصفه بـ »رمز استمرارية الدولة »، انحرف بالحديث صوب المغرب، كما هو ديدنه دائما، حيث اتهم المملكة بـ »تحريف كلام تبون حول غزة ».. ثم أطلق العنان أمام كوكبة من ميكروفونات وسائل الإعلام للهجوم على « المخزن » محملا إياه كافة الآزمات التي يتخبط فيها الجزائريون.
ومن غرائب الصدف أن ينقطع التيار الكهربائي فجأة عن مكان التجمع الخطابي في الوقت الذي أخذت الحماسة بن قرينة للهجوم على المغرب.. فوجد الفرصة مواتية لتأييد نظرية المؤامرة التي تعشش في دماغه، بأن زعم بأن « المخزن » هو الذي قطع الكهرباء!
« الشيات » يبرر التزلف
باتت تصريحات بن قرينة في الأسبوع الأول للحملة الانتخابية لرئاسيات 7 سبتمبر المقبل أكثر ما يتم تداوله على مواقع التواصل، بتعليقات في أكثرها ساخرة ومنتقدة لكلامه، بسبب طبيعتها التي اعتبرت استفزازية وصادمة أحيانا، خاصة عندما تحدث عن ممارسته التزلف بقناعة.
وبسبب تزلفه المبالغ فيه للنظام ومرشحه، أطلق الجزائريون على بن قرينة لقب « الشيّات »، وهو مصطلح بالدارجة الجزائرية يطلق على الذي يبالغ في التزلف لشخص ما حتى وإن كان في هذا التقرب مذلة أو مهانة.
وبعدما بلغ إلى علمه هذا اللقب الذي انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قرر أن يرد عليه من خلال تجمع خطابي جنوب البلاد. وقال إنه يعتز بكونه « شياتا في خدمة الوطن وخدمة المواطنين وتنظيف الطريق لهم »، معتبرا أن « الشيتة شعبة من شعب الإيمان » في محاكاة للحديث النبوي، لكنه ارتكب خطأ مضحكا عندما أضاف مستطردا: « لأن هذا باب من أبواب إماطة الأداء (يقصد الأذى) عن الطريق »، وهو ما جلب عليه سخطا وانتقادات واسعة، اعتبرت كلامه غير لائق.
ورغم اجتهاد بن قرينة، البارع في تحوير النقاش بخطابه الشعبوي، في إخراج مصطلح « الشيتة » عن معناه الأصلي، إلا أن الكثيرين لم يتقبلوا هذه الطريقة في المخاطبة، خاصة مع ما تمثل « الشيتة » من معان مذمومة عاش الجزائريون بشكل كبير إرهاصاتها في فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، عندما وصل التزلف إلى حد تكريم صور الرئيس الذي كان غائبا بسبب المرض.
بن قرينة يتجشأ على تبون
وما إن انتقل إلى ولاية أخرى حتى عاد بن قرينة لإثارة الجدل من جديد بتصريح آخر من نفس الطينة، قال فيه إن الرئيس يمثل وحدة الأمة وتمجيد الدين الإسلامي وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، معتبرا أن « من يمس عبد المجيد تبون، فإنه يمس فيّ وفي عرضي وفي أمي وفي ابني وفي زوجتي ».
وتحدث مرة أخرى بأسلوب مثير مستعرضا قوته وقربه من الرئيس، قائلا: « ألتقي الرئيس دوريا. وفي كل مرة نَتْڨَرَّعْ (أتجشأ) على وزير من الوزراء، إلا ويقيلونه. منذ 8 أشهر قال لي تبون لا تحدثني عن الوزراء حتى تمر الرئاسيات ».
وبدون أن يشعر هذا « الشيات » فقد فضح من خلال هذا الكلام ما يحاول النظام أن يخفيه، من أن الانتخابات محسومة النتيجة سلفا، وإلا كيف لمرشح النظام كل هذا اليقين بأنه مستمر في الرئاسة بعد انتخابات 7 شتنبر.
وليس هذا الأسلوب جديدا على بن قرينة الذي شغل منصب وزير للسياحة في حكومات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فقد سبق له قبل أشهر أن دعا الجزائريين للعمل مخبرين « خبارجية » لدى الرئيس ومختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية، بدعوى « تحصين البلاد من العدو الخارجي ».
وقال في تجمع لحزبه بولاية تمنراست أقصى جنوب البلاد، إنه يجب على كل الجزائريين والجزائريات العمل (مخبرين) لدى القوى الأمنية وجنود الجيش الوطني الشعبي، ولرئيس الجمهورية وقائد الأركان وقادة النواحي العسكرية، ولدى كل الأجهزة الأمنية، من أجل ألا يتسلل أي عدو للمساس بأمننا وبجزائرنا ».
وفي مهرجان تجمعي بولاية المنيعة الحدودية مع المغرب، أكد رئيس حركة البناء الوطني على أن عبد المجيد تبون، « هو الرجل الأنسب لقيادة البلاد إلى بر الأمان وصد المؤامرة الخطيرة التي تهدف إلى ضرب استقرار البلاد وأمنها ».
ودعا بن قرينة إلى « التكاتف لمواجهة أطماع الأعداء الذين يتربصون بنا شرا، وذلك من خلال المشاركة بقوة يوم 7 سبتمبر المقبل ودعم رجل المرحلة المترشح الحر، عبد المجيد تبون ».
وأضاف أن دعم تبون سيمكن من استكمال بناء الجزائر الجديدة من خلال تجسيد مختلف البرامج والمشاريع التنموية التي تجسد منها الكثير خلال العهدة المنقضية.
مواطنون ينصحون تبون بإبعاد بن قرينة
نوه جزائريون بالقرار الذي اتخذته مديرية الحملة الانتخابية للمترشح الحر عبد المجيد تبون عندما ألغت تكليف حمزة آل سيد الشيخ من مهام تنشيط الحملة الانتخابية للمترشح الحر عبد المجيد تبون على المستوى الوطني»، وذلك بعد يوم واحد فقط من تعيينه في هذا المنصب، بسبب ارتكاب هذا الوزير السابق «خطأ جسيما يتعلق باستخدام التكليف خارج الإطار المحدد له »،
وانتشرت تعليقات مواطنين جزائريين تدعو « عمي تبون » إلى اتخاذ قرار مماثل في حق بن قرينة من خلال إبعاده عن حملته، معتبرين « الشيات » يسيء إليه أكثر مما قد ينفعه.
وترسم هذه التعليقات صورة قاتمة عن بن قرينة، الذي نافس تبون على كرسي المرادية في رئاسيات 2019 قبل أن يتحول إلى مساند له بعد ذلك، وهو ما أفقد الشعب ثقتهم في شخصيته المتقلبة.
وعرف بن قرينة بتصريحاته وخرجاته الغريبة التي تكسبه حضورا وتفاعلا على مواقع التواصل. ومن أشهر ما قاله وبقي عالقا في الأذهان، دعوته سنة 2021 لشركة (صيدال) لصناعة الأدوية لإنتاج دواء جديد أطلق عليه « الفياغرا السياسية للتنشيط السياسي »، مثيرا موجة سخرية عارمة على مواقع التواصل، في حين رأى آخرون أن حديثه لا ينسجم مع منطلقاته الإسلامية.
وبينما يحاول تبون وفريقه الترويج لرؤية جديدة للجزائر، يبدو أن وجود شخصية متزلفة (مذمومة من طرف الشعب) -مثل بن قرينة- في الحملة الانتخابية لا يخدم هذا الهدف بالمرة، لأن أسلوبه الشعبوي لن يساهم سوى في تعميق الهوة بين الناخبين والعملية الانتخابية، بعدما فقدوا فيها الثقة أصلا بسبب التجارب السابقة.