في حين أن أزمتها مع بلدان الساحل، ولا سيما جارتها مالي، لا تزال تتفاقم بشكل خطير، دخلت الجزائر في أزمة جديدة من خلال حشر أنفها في توتر يختمر منذ عدة سنوات في منطقة البحيرات الكبرى بين رواندا وجارتها جمهورية الكونغو الديمقراطية. هذه الأخيرة تتهم حكومة كيغالي بتقديم الدعم العسكري للميليشيات المتمردة التابعة لحركة إم 23 (اختصار لحركة 23 مارس)، التي تحاول السيطرة على شمال كيفو، وهي منطقة غنية بالمعادن والتي تقع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية على الحدود مع أوغندا ورواندا.
وفي هذا المأزق الإقليمي الذي يقع على بعد آلاف الكيلومترات من أراضيها، حشرت الجزائر أنفها فيه لسبب غير مفهوم بإعلان دعمها العسكري لرواندا، وهو الأمر الذي رفضته جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأشارت وزارة الخارجية الكونغولية، في بلاغ صحفي نشرته الثلاثاء الماضي، على صفحتها بموقع فيسبوك، إلى أن « سفير الجمهورية الجزائرية بكينشاسا، السيد محمد يزيد بوزيد، استقبل ظهر اليوم من قبل نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية والفرنكوفونية. وبغض عن سيادة كل دولة، طلب كريستوف لوتوندولا أبالا بينابالا من مضيفه تقديم توضيح بشأن الزيارة التي قام بها رئيس أركان الجيش الجزائري إلى كيغالي يوم 20 فبراير ».
بعبارة أخرى، استدعى رئيس الدبلوماسية الكونغولية، كريستوف لوتوندولا، السفير الجزائري في كينشاسا للتعبير عن انزعاج جمهورية الكونغو الديمقراطية إزاء التصرفات غير الصحية للجزائر، والتي تصب الزيت على النار في منطقة تعمل فيها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على إحلال السلام فيها.
بالنسبة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، فإن الزيارة التي قام بها رئيس أركان الجيش الجزائري، الجنرال سعيد شنقريحة، يومي 20 و21 فبراير، تفسر على أنها دعم عسكري من الجزائر إلى رواندا، التي تدعم بدورها عسكريا الحركة الانفصالية المسلحة إم 23 المعارضة لكينشاسا.
إقرأ أيضا : بعد المغرب وإسبانيا ودول الساحل والإمارات.. الجزائر تثير غضب جمهورية الكونغو الديمقراطية
كما ربطت الكونغو الديمقراطية استدعاء السفير الجزائري بانتهاك سيادتها، متهمة الجزائر بدعم حركة إم 23 بشكل غير مباشر، خاصة وأن زيارة شنقريحة إلى كيغالي، والتي اختتمت بإبرام اتفاقية دفاع مشترك بين الجزائر ورواندا، تزامنت مع تصعيد جديد في القتال الذي يواجه فيه الجيش الكونغولي متمردي التوتسي (اسم مجموعة عرقية موجودة في الكونغو ورواندا وبوروندي).
وأكد سعيد شنقريحة، خلال التوقيع على الاتفاقية العسكرية الجزائرية الرواندية، بحسب بلاغ لوزارة الدفاع الجزائرية، أن زيارته لرواندا « تؤكد بوضوح طموحات السلطات العليا في البلدين في الدفع بدينامية جديدة في آلية التعاون العسكري بين جيشي البلدين، بهدف مواجهة التحديات الأمنية التي تشهدها القارة الأفريقية ».
إذا كانت وسائل الإعلام العمومية الجزائرية غطت على نطاق واسع زيارة شنقريحة إلى كيغالي، فإنها تجاهلت تماما استدعاء السلطات الكونغولية للسفير الجزائري في كينشاسا، إلا إذا كان ذلك بسبب خجلها من رؤية بلادها تتحول إلى صانعة أزمات متتالية بسبب دبلوماسية يقودها تبون الذي يبرع في ردود الفعل الانفعالية.
وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الذي عادة ما يسارع إلى المعاملة بالمثل، يفضل التزام الصمت وعدم الرد على استدعاء سفير بلاده من قبل السلطات الكونغولية. صحيح أن الجزائر لم تعد تعرف إلى أين تتجه مع كل الأزمات التي أثارتها وتم تدبيرها بشكل مثير للشفقة. والدليل على ذلك الأزمة مع مدريد وعودة السفير الجزائري بعد 18 شهرا من الغياب دون الحصول على شيء.
وبحسب موقع « العرب » اللندني، فإن الحماقة الجديدة للجزائر التي تدخلت بغباء في الشؤون بين دول منطقة البحيرات الكبرى البعيدة، تأتي في وقت تجد فيه الجزائر نفسها معزولة تماما في محيطها. أزماتها الدبلوماسية مع جيرانها: المغرب وليبيا ومالي والنيجر. وترى نفس الوسيلة الإعلامية أن سبب هذا الجنون الجزائري واضح: المغرب. وكتبت أن « مبادرة الأطلسي التي طرحها العاهل المغربي الملك محمد السادس قبل فترة أججت مخاوف الجزائر من انحسار نفوذها في أفريقيا ومن تفاقم عزلتها في محيطها، بما توفره تلك المبادرة من مكاسب للدول الأفريقية التي تخطط للانخراط فيها بهدف الولوج إلى الأطلسي وتعزيز التكامل بين دول غرب أفريقيا والاتحاد الأوروبي ».
إن الجزائر تستهدف، من خلال دعمها غير المباشر للانفصاليين الكونغوليين لحركة 23 مارس، جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تحاول فرض عقوبات عليها بسبب دعمها المطلق لمخطط الحكم الذاتي المغربي، والتي وصفت مؤخرا بأنها « ثابتة وجادة ومواقفة لميثاق الأمم المتحدة » من قبل الممثل الدائم لجمهورية الكونغو الديمقراطية لدى الأمم المتحدة، زينون موكونغو نغاي، أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
لكن العنصر الأكثر أهمية في هذه الأزمة مع جمهورية الكونغو الديمقراطية هو أن النظام خجل منها. بدأ إدمانه على اختلاق الأزمات في إحراجه. لذا فهو يفضل دفن رأسه في الرمال، ويأمر جميع وسائل الإعلام بعدم كتابة سطر واحد على استدعاء السفير الجزائري في كينشاسا. شيء يرثى له.